كيف إنهارت أكبر شبكة لبث المباريات المقرصنة؟
الإثنين، 08 سبتمبر 2025 12:27 م

دكتور محمد عسكر إستشارى نظم المعلومات والأمن السيبرانى
دكتور محمد عسكر
شهدت مصر في شهر أغسطس 2025 واحدة من أبرز العمليات الأمنية المرتبطة بالقرصنة الرقمية عالمياً، وذلك بعد ما تمكنت السلطات المصرية من الإطاحة بشبكة “Streameast” التي عُرفت لسنوات كأشهر منصة مقرصنة لبث المباريات والفعاليات الرياضية الدولية عبر الإنترنت، هذه الشبكة التي كانت تستقطب ملايين المشاهدين يومياً من مختلف القارات، لم تكن مجرد موقع عادي يوفر روابط لمباريات كرة القدم أو كرة السلة، بل كانت تمثل إمبراطورية رقمية متكاملة قائمة بذاتها، نجحت في أن تُصبح خلال فترة قصيرة لاعباً أساسياً في سوق غير شرعي يهدد مصالح كبرىات شركات الإعلام والرياضة قبل أن تسقط فة قبضة الأمن المصرى.
مشاهدة المباريات دون دفع رسوم الإشتراكات الرسمية
بدأت القصة حين ظهر اسم Streameast لأول مرة في أوساط المستخدمين الباحثين عن مشاهدة المباريات دون دفع رسوم الإشتراكات الرسمية، شيئاً فشيئاً، تحولت المنصة إلى وجهة رئيسية لملايين من عشاق الدوري الإنجليزي والإسباني ودوري أبطال أوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى جماهير الرياضات الأمريكية مثل الـNBA وNFL السر وراء شعبية هذة الشبكة لم يكن فقط في مجانية الخدمة، وإنما في قدرتها على تقديم تجربة مشاهدة عالية الجودة، تصل أحياناً إلى البث بدقة 4K، مع إمكانية الإختيار بين عدة روابط للتغلب على ضغط المشاهدات أو الحجب، وبحسب تقارير متخصصة، فقد سجل الموقع أكثر من 1.6 مليار زيارة في عام واحد فقط، بمعدل وصل إلى 136 مليون زيارة شهرياً، وهو رقم يضعها في مصاف المواقع العالمية الكبرى، ضمن أكثر المواقع مشاهدة في العالم.
إلتقاط البث من إشتراكات رسمية لقنوات مثل beIN Sports أو DAZN
لكن هذه الإمبراطورية كانت تقوم على أساس غير قانوني، فالمصادر التي اعتمدت عليها الشبكة لم تكن مرخصة، بل جرى إلتقاط البث من إشتراكات رسمية لقنوات مثل beIN Sports أو DAZN وإعادة تمريره عبر خوادم قوية تعمل على ضغط الفيديو وتوزيعه بمختلف الصيغ عبر بروتوكولات البث الحديثة مثل HLS و MPEG-DASH، كما أنها وفرت تطبيقات غير رسمية للهواتف الذكية، تمنح المستخدم وصولاً مباشراً للبث من دون الحاجة إلى إشتراكات شرعية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد حرص القائمون على Streameast بحماية أنفسهم عبر إستخدام تقنيات متقدمة للهروب من الملاحقة، مثل تعدد النطاقات، والإعتماد على خدمات إخفاء الهوية كـ Cloudflare ، وإنشاء مواقع بديلة جاهزة للظهور بمجرد إغلاق أي نطاق رئيسي.

بناء نموذج ربحي متعدد المصادر
أما من الناحية المالية، فقد نجح القائمون عليها في بناء نموذج ربحي متعدد المصادر، فقد إعتمدوا على الإعلانات المزعجة التي حققت أرباحاً كبيرة بفضل العدد الضخم من الزيارات اليومية، إضافة إلى نظام إشتراكات “VIP” منخفض التكلفة والذى يتيح للمستخدمين دفع مبالغ زهيدة مقابل الحصول على جودة أعلى أو إزالة الإعلانات، وهو ما جذب أعداداً هائلة نظراً لفارق الأسعار الكبير مقارنة بالخدمات الرسمية، كما لجأت الشبكة إلى التبرعات عبر العملات الرقمية لتأمين دخل إضافي بعيداً عن المراقبة المصرفية، ما سمح لها بالإستمرار لفترة طويلة دون أن تقع في فخ التتبع المالي المباشر، كل ذلك ساعدها على الإنتشار والتوسع، ما جعلها أشبه بشركة إعلامية غير شرعية تعمل في الخفاء.
تحويلات مالية مشبوهة
رغم كل هذه الإحتياطات، فإن النهاية كانت حتمية، فقد تعاونت جهات دولية عديدة، من أبرزها التحالف العالمي للترفيه ACE ورابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، مع السلطات المصرية من أجل تتبع الشبكة، التحريات كشفت أن هناك تحويلات مالية مشبوهة مرتبطة ببطاقات Visa داخل مصر، الأمر الذي أتاح التعرف على هوية القائمين على المنصة، العملية لاقت صدى عالمياً، حيث وصفها التحالف العالمي للترفيه بأنها ضربة قوية ضد القرصنة الرقمية التي تكبد صناعة الإعلام والرياضة مليارات الدولارات سنوياً، وأكدت شركات البث أن هذه الخطوة ستساهم في حماية إستثماراتها وتعزيز ثقة العملاء في المنصات الشرعية.
إنتشار القرصنة الرقمية
في المقابل، وجد مئات الآلاف من المستخدمين أنفسهم محرومين فجأة من مصدرهم الرئيسي لمتابعة المباريات، وهو ما أعاد النقاش مجدداً حول العلاقة بين ارتفاع أسعار الإشتراكات الرسمية وإنتشار القرصنة الرقمية، فبينما ترى الشركات أن حماية الملكية الفكرية واجب لا يمكن التهاون فيه، يجادل كثير من المستخدمين بأن الأسعار المرتفعة هي الدافع الأول وراء اللجوء إلى مواقع مثل Streameast.
مستقبل القرصنة الرقمية
إغلاق هذه الشبكة يطرح أسئلة عديدة حول مستقبل القرصنة الرقمية، فهل ستؤدي مثل هذه الضربات المتتالية إلى إختفاء الظاهرة؟ أم أن اللاعبين الجدد سيواصلون الظهور مستغلين ثغرات التكنولوجيا ورغبات الجماهير في المحتوى المجاني؟ المؤكد أن ما حدث في مصر ليس مجرد عملية أمنية عابرة، بل هو فصل مهم في معركة طويلة بين شركات الإعلام العالمية ومنصات القرصنة، معركة لا تتعلق فقط بحقوق البث أو الأرباح، وإنما بمستقبل صناعة الإعلام الرقمي وحق الجمهور في الوصول إلى المحتوى في عصر تتغير فيه المعادلات الإقتصادية بسرعة مذهلة،
إغلاق Streameast ليس مجرد نهاية لموقع مقرصن، بل هو فصل جديد في معركة ممتدة بين شركات الإعلام العالمية ومستهلكين يبحثون عن محتوى بأسعار أقل، وبين حقوق البث المكلفة ورغبة الجماهير في المشاهدة السهلة والمجانية، يظل الصراع مستمراً، في إنتظار حلول أكثر توازناً تضمن حماية الملكية الفكرية وفي الوقت نفسه تلبي تطلعات المشاهدين.

اقرأ أيضًا:
تيك توك فى قفص الإتهام، من يربح ومن يدفع الثمن؟
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
علاء عزوز يكتب: الفلاح المصري، صانع الأمن الغذائي وعصب التنمية
10 سبتمبر 2025 12:41 م
د.محمد صبحي نصر يكتب.. الذكاء الاصطناعي ومعامل الحقن المجهري
10 سبتمبر 2025 11:57 ص
أكثر الكلمات انتشاراً