الإثنين، 08 سبتمبر 2025

03:11 م

من طبق الطعام إلى تذكرة السفر، فاتورة باهظة تعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي.. ما القصة؟

الإثنين، 08 سبتمبر 2025 11:29 ص

استهلاك موارد الأرض - صورة تعبيرية

استهلاك موارد الأرض - صورة تعبيرية

في ظل تصاعد الأزمات البيئة والاقتصادية، وتزايد التحذيرات من تغير المناخ، واستنزاف الموارد الطبيعية، يواجه العالم اليوم تحديًا وجوديًا يتمثل في كيفية تحقيق التنمية والرفاه دون تخطي حدود الكوكب. 

لم يعد النقاش حول الاستدامة ينحصر فقط في الأوساط البيئية، بل أصبح مرتبطًا بشكل مباشر بالاقتصاد العالمي، وأنماط الحياة اليومية للأفراد.

من هنا، يكتسب اليوم المعروف بـ"يوم تجاوز الأرض" أهمية خاصة، حيث يمثل نقطة فاصلة في كل عام تذكرنا بأن البشرية تستهلك وتستنزف ميزانية الكوكب السنوية من الموارد الطبيعية أسرع مما تستطيع الأرض تجديده.

وهنا تبرز العديد من التساؤلات الجوهرية، في نفس التوقيت الذي يكثر فيه الحديث حول التحول الأخضر والاستدامة، ما هي الأفعال التي تحدث فرقًا فعليًا؟ وما الذي يجب تغييره لتجنب الانهيار البيئي؟.

ومن خلال هذا التقرير، تستعرض دراسة حديثة أجرتها الجامعة التقنية في الدنمارك (DTU)، بهدف قياس الأثر البيئي الحقيقي لأنماط الحياة اليومية، من الطعام إلى التنقل والسفر والسكن، ويطرح رؤية علمية حول كيفية الانتقال من الإجراءات الرمزية إلى التغييرات المؤثرة، في سبيل الوصول إلى معادلة العيش المستدام ضمن حدود كوكب واحد.

محاولة لقياس الأثر الحقيقي.. ميزانيات بيئية للأفراد

أوضح أحد الباحثين في الدراسة، تيدي سيرانو، أن التحدي الأكبر يكمن في التمييز بين ما هو أفضل بشكل نسبي، وبين ما هو كافي بالفعل لمواجهة الأزمة البيئية.

ومن هنا، وضع الفريق البحثي ميزانيات بيئية سنوية يتم توزيعها على الأفراد، استنادًا إلى الحدود العالمية لموارد الكوكب على أساس نصيب الفرد.

المجالات التي شملتها الدراسة

وشملت الدراسة 6 مجالات أساسية، وهي:

  1. تغيّر المناخ 
  2. التنوع البيولوجي.
  3. استهلاك الأراضي.
  4. التخثث البحري.
  5. استنزاف الموارد.
  6. استهلاك المياه.

ثم قارن الباحثون أنماط الحياة اليومية للأفراد ونصيب كل منهم، ومدى استهلاكها من هذه الميزانيات.

الغذاء.. العامل الأكبر في استنزاف الكوكب اقتصاديًا

كشفت نتائج الدراسة، أن النظام الغذائي يمثل العبء الأكبر على الموارد، ويمثل ضغط على البيئة، فالحمية الغنية باللحوم تتجاوز بمفردها ميزانيات المناخ والتنوع البيولوجي والأراضي.

في المقابل، يقلل النظام النباتي أو الحمية النباتية الخالصة من الضغوط بشكل كبير، حيث يستهلك 22% فقط من ميزانية المناخ، بينما يستهلك النظام النباتي الجزئي حوالي 33%.

كما أوضحت الدراسة، أن القرارات الصغيرة مثل استبدال حليب الأبقار بحليب الشوفان تخفض الضغط على الأراضي والتنوع البيولوجي إلى مستويات شبه معدومة.

التنقل.. بين السيارات والدراجات وتأثيره على المناخ

وأضافت الدراسة أيضًا، أن التنقل اليومي يمثل أيضًا ضغطًا مشابهًا على البيئة، مشيرة إلى أن قيادة سيارة تعمل بالبنزين أو الديزل يوميًا قد تستنزف كامل الميزانية المناخية السنوية للفرد.

أما السيارات الكهربائية الصغيرة فتقلص العبء إلى النصف تقريبًا، لكنها ترفع الطلب على المعادن النادرة التي يتم استخدامها في البطاريات، في نفس الوقت استخدام الدراجات الكهربائية لا يستهلك سوى 5% من الميزانية.

والمثير للدهشة أن الطيران يعد الأكثر ضررًا على البيئة والكوكب، حيث أوضحت الدراسة أن رحلة جوية عابرة للأطلسي تلتهم ثلاثة أرباع الميزانية المناخية السنوية للشخص الواحد.

السكن.. منازل منفصلة وفاتورة باهظة للموارد

لا يقف الأمر عند الغذاء والتنقل والطيران، بل يمتد إلى السكن أيضًا، وأشارت الدراسة إلى أن المنازل المنفصلة تتجاوز ميزانية الموارد بالكامل، خاصة مع الاعتماد على التدفئة بالوقود النفطي التي تستهلك أكثر من 80% من الميزانية المناخية.

أبرز محددات الأثر البيئي

وأوضحت الدراسة أن الصورة تختلف بشكل كبير مع حلول مثل مضخات الحرارة أو الألواح الشمسية، حيث تنخفض معدلات الانبعاثات بشكل ملحوظ، ما يوضح أن حجم المنزل ونوع الطاقة المستخدمة من أبرز محددات الأثر البيئي.

الأوهام الصغيرة.. الأكياس القماشية ليست الحل

كما أكدت الدراسة أن بعض الأفعال الشائعة والمنتشرة بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع التوجه نحو التحول الأخضر، التي يروج لها باعتبارها "خضراء"، مثل استخدام الأكياس القماشية أو غسل الملابس عند درجات حرارة منخفضة، لا تُحدث سوى تأثير محدود جدًا.

وأشارت إلى أن قد توفر هذه الإجراءات بعض المال أو تمنح راحة نفسية، لكنها لا تكفي لسد الفجوة الكبيرة بين أنماط الحياة الحالية وحدود الاستدامة.

4 مفاتيح أساسية لحدوث تغيير حقيقي

وخلصت الدراسة إلى أن إحداث تغيير بيئي حقيقي لا يتطلب فقط تغييرات بسيطة، بل يستلزم التركيز على 4 أولويات رئيسية، وأولها الرحلات الجوية الطويلة حيث تستهلك الجزء الأكبر من ميزانية المناخ، كما يشكل حجم المنازل واستهلاكها للطاقة عاملًا أساسيًا في استنزاف الموارد، خاصة في حال الاعتماد على مصادر طاقة تقليدية.

أما على صعيد الغذاء والتنقل، فقد بينت الدراسة أن النظام النباتي قادر على تقليص الأثر البيئي بشكل كبير مقارنة بالأنظمة الغذائية الغنية باللحوم، لما له من دور في خفض استهلاك المياه، الأراضي، والانبعاثات. 

وفي المقابل، يشكل ركوب الدراجات وسيلة نقل فعالة ومستدامة تتيح للأفراد التنقل اليومي ضمن حدود الميزانية البيئية، بعكس السيارات والطائرات التي تتسبب في استنزافها بسرعة.

الطريق نحو الاستدامة.. بين القرارات والوعي الفردي والإصلاحات النظامية

وفي النهاية، تكون الرسالة النهائية واضحة، وهي أن ليست كل الأفعال متساوية في أثرها، كما أن التغييرات الرمزية لا تعادل ثقل القرارات المرتبطة بالسيارات، الطائرات، النظم الغذائية الشغنية باللحوم، والمنازل الضخمة.

وخلص الباحثون إلى أن الحل يكمن في الجمع بين الخيارات الفردية الواعية والتغييرات النظامية مثل التحول نحو طاقة نظيفة، تحسين النقل العام، وتشجيع أنماط السكن الأقل استهلاكًا للموارد. فقط عندها يمكن للعالم أن يقترب من تحقيق المعادلة الصعبة: العيش المستدام ضمن حدود كوكب واحد.

الاستدامة ضرورة ملحة يعاد على أساسها رسم ملامح الاقتصاد العالمي

وفي ضوء هذه النتائج، يتضح أن الاستدامة لم تعد خيارًا مثاليًا للنقاش، بل أصبحت ضرورة ملحّة يعاد على أساسها رسم ملامح الاقتصاد العالمي وأنماط الحياة الفردية. 

ولم يعد من الكافي فقط التركيز على الإجراءات الصغيرة ذات الأثر المحدود، بل أصبح من الضروري إعادة التفكير في جوهر جميع القرارات اليومية التي نتخذها وهي الأكثر تأثيرًا، بداية من طبق الطعام إلى تذكرة السفر، ومن مساحة منازلنا إلى وسائل تنقلنا.

والطريق نحو العيش ضمن حدود كوكب واحد لا يمر فقط عبر وعي الأفراد، بل يحتاج إلى إصلاحات نظامية شاملة تُسهل الخيارات المستدامة وتدعم تحول المجتمعات نحو نمط حياة أكثر اتزانًا مع البيئة. 

وبين الأطباق  الخاصة بالطعام والطائرات والمنازل، تكمن مفاتيح التغيير الحقيقي، الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال شراكة جادة بين المواطن، وصانع القرار، ومؤسسات العالم كافة.

اقرأ أيضًا:

الهجرة.. ثروة تتحرك بين القارات وتعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي

صناديق الثروة السيادية، كيف تحولت حصّالة الفوائض إلى سلاح اقتصادي عالمي؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.


 

Short Url

search