الإثنين، 15 ديسمبر 2025

11:01 ص

لماذا لا تزال الروبوتات عاجزة عن طيّ الملابس؟

الإثنين، 15 ديسمبر 2025 09:03 ص

روبوت طيّ

روبوت طيّ

منذ أكثر من ستين عامًا، قدمت لنا الثقافة الشعبية وعودًا وردية عن مستقبل تتحرر فيه البشرية من أعباء الأعمال المنزلية، عبر روبوتات ذكية تتولى كل شيء من التنظيف إلى الطهي وطيّ الملابس، غير أن الواقع التكنولوجي في عام 2025 يكشف مفارقة لافتة، بينما أصبحت الروبوتات قادرة على قيادة السيارات، وتشخيص الأمراض، وإدارة سلاسل إمداد عالمية، فإنها لا تزال تتعثر أمام مهمة تبدو شديدة البساطة للإنسان.. طيّ قميص.

هذه المفارقة لا تقتصر على كونها تحديًا هندسيًا أو تقنيًا، بل تعكس في جوهرها إشكالية اقتصادية أعمق تتعلق بحدود الأتمتة، وجدوى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وطبيعة المهام التي يمكن أو لا يمكن تحويلها إلى نشاط آلي مربح.

الطي كمشكلة اقتصادية لا كحركة ميكانيكية

في علم الاقتصاد، تعد الأتمتة أكثر جدوى عندما تتوافر ثلاثة شروط: التكرار، والثبات، وقابلية التنبؤ، ولهذا نجحت الروبوتات الصناعية في المصانع، حيث تتعامل مع بيئات مغلقة وأجسام متطابقة، وتنفذ مهامًا محددة بدقة عالية، لكن طيّ الملابس يفتقر إلى هذه الشروط مجتمعة، فكل قطعة ملابس تختلف عن الأخرى في الوزن والمرونة والنسيج، بل إن القطعة نفسها لا تتخذ الشكل ذاته في كل مرة. 

هذا التنوع غير المحدود يرفع تكلفة البرمجة، ويقوض منطق العائد على الاستثمار، إذ يتطلب روبوت الطيّ قدرات إدراكية وتكيفية تقترب من الذكاء البشري العام، لا مجرد تنفيذ أوامر ثابتة.

فجوة الواقع وتكلفة المعرفة

تعتمد الروبوتات الحديثة على نماذج رقمية وبيانات ضخمة لمحاكاة سلوك الأقمشة، وغالبًا ما تعتبر الملابس كسلاسل من الكتل والنوابض لمحاكاة المرونة، لكن هذه النماذج لا تزال تبسيطًا مفرطًا للواقع.

اقتصاديًا، تمثل هذه الفجوة تكلفة خفية لكنها ضخمة، فكلما كان النموذج بعيدًا عن الواقع، زادت الأخطاء، وارتفعت الحاجة إلى بيانات إضافية، وتجارب أطول، وأجهزة استشعار أكثر تطورًا، مبادرات مثل ClothesNet، التي توفر آلاف النماذج ثلاثية الأبعاد للملابس، تعد استثمارًا في البنية التحتية المعرفية للذكاء الاصطناعي، لكنها لا تزال في نطاق البحث، لا السوق التجاري، ما يعني أن عوائدها قصيرة الأجل محدودة.

لماذا يفشل منطق “التقاط ووضع”؟

النهج التقليدي المستخدم في طيّ الملابس آليًا، والمعروف باسم “pick and place”، يعكس عقلية صناعية كلاسيكية: تحديد نقطة، والتقاطها، ثم وضعها في موضع آخر وفق مسار معد مسبقًا، هذه الطريقة قد تنجح مع الأجسام الصلبة، لكنها تفشل مع الأقمشة التي تتغير أبعادها وشكلها أثناء الحركة. هذا يعني انخفاض الكفاءة وارتفاع الهدر، فعندما يخطئ الروبوت في الطيّ، لا يخسر وقتًا فقط، بل يستهلك طاقة إضافية، ويحتاج إلى إعادة المحاولة، ما يرفع التكلفة التشغيلية ويقوض أي ميزة سعرية مقارنة بالعمل البشري.

التكيف الذكي.. خطوة نحو اقتصاد أكثر مرونة

الجيل الجديد من الحلول، مثل AdaFold، يقدم نموذجًا مختلفًا أقرب إلى السلوك البشري، فبدل الالتزام بخطة ثابتة، يراقب الروبوت القماش أثناء الطيّ، ويعدل حركته لحظة بلحظة. 

التحسن الكبير في جودة الطيّ، من 0.41 إلى 0.83 في مؤشرات الدقة ليس مجرد إنجاز تقني، بل مؤشر اقتصادي على اقتراب الروبوتات من نمط إنتاج أكثر كفاءة وأقل هدرًا، ومع ذلك، يبقى السؤال: هل هذا التقدم كافي لتبرير الاستثمار؟ حتى الآن، لا تزال تكلفة تطوير ونشر هذه الأنظمة أعلى من تكلفة الاعتماد على الأيدي العاملة البشرية، خاصة في الخدمات المنزلية.

سوق العمل وحدود الإحلال الآلي

بعكس المخاوف الشائعة من استبدال الروبوتات للبشر، تكشف حالة طيّ الملابس أن بعض الوظائف “البسيطة” هي في الواقع الأكثر مقاومة للأتمتة، فالمرونة الحسية والإدراكية التي يمتلكها الإنسان تمثل رأس مال غير مرئي لم تنجح التكنولوجيا بعد في نسخه بتكلفة معقولة.

لكن على المدى الطويل، قد تتغير المعادلة مع شيخوخة السكان في الدول المتقدمة، وارتفاع تكاليف العمالة، وتزايد الطلب على روبوتات متعددة المهام قادرة على أداء أعمال منزلية متنوعة، لا الطيّ فقط.

درس اقتصادي من قميص

قصة الروبوتات مع طيّ الملابس تذكرنا بحقيقة أساسية: التقدم التكنولوجي لا يسير دائمًا من “المعقد” إلى “البسيط”، ففي بعض الأحيان، تكون أبسط المهام هي الأكثر تعقيدًا اقتصاديًا، وحتى يتمكن الذكاء الاصطناعي من تحويل الحدس البشري المتراكم عبر ملايين التجارب اليومية إلى خوارزميات فعالة ومنخفضة التكلفة، ستظل الأعمال المنزلية وعلى رأسها طيّ الملابس، أحد آخر معاقل الإنسان في عصر الأتمتة.

اقرأ أيضًا:

روبوتات الصين، سباق نحو "الحضارة الذكية" وخوف من استبدال 123 مليون عامل

اقتصاد ما بعد الذكاء الاصطناعي، ثورة في الإنتاج وإعادة تعريف الثروة

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search