الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

07:33 ص

الصين والرقائق الأمريكية.. لماذا لم تهتم بكين بتنازلات ترامب؟

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025 05:21 ص

الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين

الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين

عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي عن تخفيف القيود على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، بدا وكأنه تنازل استراتيجي مفاجئ في ملف يعد من أعقد ملفات الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين. 

الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين

لكن المثير لم يكن القرار في حد ذاته، بل رد الفعل الصيني البارد الذي أثار تساؤلات عميقة، لماذا لم تبدي بكين أي حماس لهذه الخطوة، بل ذهبت إلى حد التشكيك في الرقاقة الأمريكية H20 ووصفها بأنها قد تمثل خطرًا أمنيًا؟

من المنع إلى السماح.. سياسة أمريكية مرتبكة

القرار الأمريكي سمح لشركة إنفيديا باستئناف بيع شريحة H20، التي كانت قد طورت خصيصًا للسوق الصينية لتجاوز قيود التصدير المفروضة في عهد إدارة بايدن. 

إلا أن المفارقة أن ترامب نفسه، خلال الأشهر الأولى من ولايته، كان قد أوقف تصديرها قبل أن يعود الآن ويصفها بأنها عتيقة مقارنةً بأحدث معالجات إنفيديا مثل Blackwell أو H100.

بهذا المنطق، تحاول واشنطن تطبيق استراتيجية مزدوجة، منع الصين من الحصول على التقنيات الأكثر تقدمًا، وفي الوقت نفسه إغراق السوق الصينية بالرقائق الأقل تطورًا حتى تبقي الشركات الصينية معتمدة على التكنولوجيا الأمريكية.

وزير التجارة الأمريكي لخص الأمر بقوله، «نريد أن نبيع لهم ما يكفي ليدمن مطوروهم استخدام منتجاتنا»، وهذا يبرز استراتيجية أمريكا في تسويق منتجاتها.

 الرقاقة H20

الصين.. الثقة في الذات قبل الانفتاح على الخارج

لكن حسابات بكين مختلفة. فبدلاً من الترحيب، تعاملت السلطات الصينية مع الرقاقة الأمريكية كخطر أمني محتمل، واستدعت مسؤولي إنفيديا ووجهت شركاتها المحلية للحد من استخدامها. 

هذا الموقف يكشف عن تحول جوهري في العقلية الصينية خلال السنوات الأخيرة، من الاعتماد الكلي على الواردات إلى تعزيز الثقة في التقدم المحلي الذي حققته صناعة الرقائق.

فعلى سبيل المثال، طورت هواوي رقائق ذكاء اصطناعي أثبتت قدرتها على منافسة، بل وتجاوز بعض منتجات إنفيديا، خاصة في قوة الحوسبة. 

ورغم أن هذه الرقائق ما زالت متأخرة نسبيًا في مجال ذاكرة النطاق الترددي العالي مقارنة بالعمالقة العالميين مثل، سامسونج وميكرون، إلا أنها وضعت الصين على مسار واضح نحو الاكتفاء الذاتي التدريجي.

اقرأ أيضًا:

"ترامب يفتح الباب مجددًا"، رقاقات أمريكية إلى الصين ولكن برسوم ومحدودية أداء

لماذا تتوجس بكين من الرقاقة H20؟

الرقاقة الأمريكية H20 لم تقنع صانعي القرار في بكين لعدة أسباب:

شبهة أمنية: تقارير صينية تحدثت عن قدرات «تتبع» أو «إغلاق عن بعد» محتملة في الشريحة، وهو ما تنفيه إنفيديا، لكن بكين لا تثق في النوايا الأمريكية.

محدودية الأداء: الصين لا تريد أن تعامل كسوق لتصريف المنتجات القديمة، بل تطمح للوصول إلى الأجيال الأحدث التي ما زالت محظورة.

رسالة سياسية: بكين تريد أن تظهر للعالم أنها لم تعد أسيرة القرارات الأمريكية، وأنها قادرة على رفض ما لا يتناسب مع استراتيجيتها طويلة المدى.

الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين

الشركات الصينية بين المطرقة والسندان

رغم كل ذلك، تظل الحقيقة أن الطلب الصيني على الرقائق ضخم، وأن السوق المحلية لا تستطيع سد الفجوة بالكامل. 

تقديرات بيرنشتاين تشير إلى أن الصين كانت ستستورد ما قيمته 23 مليار دولار من الرقائق الأمريكية عام 2025 لولا القيود، وأن إنتاج هواوي المتوقع أن يبلغ 700 ألف وحدة فقط لا يغطي سوى جزء يسير من الاحتياجات.

بالتالي، شركات مثل تيك توك، وعلي بابا، وتينسنت تجد نفسها مضطرة إلى التعامل مع إنفيديا، ولو بشكل محدود، لتلبية احتياجاتها من تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة.

 

اقرأ أيضًا:

حرب دون صواريخ، أمريكا والصين يشعلان الصراع على الرقائق الإلكترونية (فيديو)

المستقبل.. نحو اكتفاء ذاتي تدريجي

لكن الصورة الأوسع تكشف أن السياسات الأمريكية جاءت بنتيجة عكسية، فبدلاً من إبطاء تقدم الصين، دفعتها إلى تسريع خطواتها نحو الاكتفاء الذاتي. 

وتشير توقعات بيرنشتاين إلى أن حصة الرقائق المحلية في السوق الصينية سترتفع من 17% عام 2023 إلى 55% بحلول 2027، ما يعني تقليص هيمنة الشركات الأمريكية مثل إنفيديا وAMD إلى أقل من النصف.

الرئيس التنفيذي لإنفيديا نفسه، اعترف مؤخرًا بأن الصين تقف خلفه مباشرة، وهم قريبون جدًا جدًا، وهذه الجملة تختصر قلق وادي السيليكون، فالصين لم تعد مجرد مستهلك للتكنولوجيا، بل أصبحت منافسًا جديًا على أبواب الريادة العالمية.

الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين

لعبة صبر طويلة

رد الفعل الصيني الفاتر ليس تعبيرًا عن ضعف، بل إعلان ثقة بالنفس ورسالة واضحة، بكين لم تعد تتسابق وراء ما تسمح به واشنطن، بل ترسم طريقها الخاص نحو استقلال تكنولوجي، وهذا يبدو أنه مسألة وقت أكثر من كونه احتمالاً بعيدًا.

وبينما تراهن أمريكا على سياسة «الجزرة والعصا» في تصدير الرقائق، تراهن الصين على الزمن والتطوير الداخلي، وفي سباق طويل المدى كهذا، قد يكون الصبر الصيني أثقل وزنًا من القرارات المفاجئة لساكن البيت الأبيض.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search