الـ"AI وتزييف الذاكرة".. كيف يعيد العقل الاصطناعي تشكيل الاقتصاد من بوابة العقل البشري؟
الخميس، 14 أغسطس 2025 11:32 م

الـ AI وتزييف الذاكرة
في عصر تتقاطع فيه التكنولوجيا مع الإدراك البشري، يفتح الذكاء الاصطناعي، بابًا جديدًا وخطيرًا أمام عالم الاقتصاد والمجتمع، والقدرة على العبث بالذاكرة، وليس الحديث هنا عن التزييف العميق أو التلاعب بالصور وحسب، بل عن قدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي، على زرع ذكريات زائفة، وتغيير تصورات الناس عن الماضي، حتى عندما يعلمون أن هذه الذكريات مفبركة.
وهذا التلاعب لا يهدد فقط الخصوصية أو مصداقية المعلومات، بل يضرب في عمق السلوك البشري، ما يجعله مؤهلًا لإحداث تأثيرات اقتصادية واسعة النطاق، لأنه حين يتم التلاعب بالذاكرة، وبمصدر كل سلوك بشري، يتم أيضًا التلاعب بالقناعات، والقرارات، والتصرفات.

الذاكرة البشرية.. حجر الزاوية في الاقتصاد السلوكي
وفي قلب معظم السلوكيات الاقتصادية، من قرارات الشراء وحتى التصويت السياسي تقبع الذاكرة، ونحن نقرر أين نستثمر وماذا نشتري ومن نثق به بناءً على ما نعتقد أننا مررنا به سابقًا، ولكن إذا شوه الذكاء الاصطناعي هذه الذكريات أو أعاد صياغتها، فسيغير بطبيعة الحال طريقة فهمنا للعالم.
فالاقتصاد السلوكي، الذي حاز باحثوه جوائز نوبل، يعتمد على كيف يأخذ الأفراد قراراتهم في ظل مواقف اللايقين، وأحد أهم محددات القرار ما يظن الإنسان أنه تذكرة، وإذا تغيرت هذه الذاكرة تغير كل شيء بعدها.
اقرأ أيضًا:-
التزييف العميق، عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أداة لزعزعة الثقة
الذكاء الاصطناعي لا يخدعك فقط.. بل يقنعك أنك خدعت نفسك
تجارب أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا إيرفاين، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أظهرت قدرة الذكاء الاصطناعي على زرع ذكريات كاذبة بدقة مدهشة، ففي إحدى التجارب، شاهد المشاركون مقطعًا عن سطو مسلح، ثم طرحت عليهم روبوتات محادثة أسئلة توحي بتفاصيل لم تحدث، مثل وجود كاميرا مراقبة أو سيارة، وبعد أسبوع، تذكر ثلث المشاركين تفاصيل لم تكن موجودة أصلًا.
وفي تجربة أخرى، أعطي المشاركون ملخصات زائفة لقصة واقعية من روبوت ذكاء اصطناعي، ولم يقتصر التأثير على تصديق المعلومات الخاطئة، بل أدى أيضًا إلى تراجع ثقة المشاركين في قدرتهم على تذكر الحقائق الأصلية، أما التجربة الأهم، فاختبرت تأثير الصور المعدلة والفيديوهات المنتجة بالذكاء الاصطناعي على الذاكرة، ووُجد أن أعلى نسب الذكريات الزائفة، كانت لدى من شاهدوا فيديوهات مولدة بالكامل بالذكاء الاصطناعي من صور مختلقة.

تشويش الذاكرة.. سلاح اقتصادي جديد
وتخيل أن مواطنًا يتذكر زورًا أن حكومة معينة تسببت في أزمة اقتصادية، أو أن عملة رقمية صعدت بشكل مذهل في وقت معين، بينما لم يحدث شيء من ذلك، فكيف سيتصرف هذا الشخص؟ وأثر هذا التلاعب على الاقتصاد قد يكون عميقًا:-
- تعديل السلوك الاستهلاكي والاستثماري
وإذا تم زرع ذكريات حول أزمة مالية أو تضخم سابق، فإن هذا قد يدفع الأفراد لتخزين النقود، والهروب من الاستثمار، أو التحول إلى عملات بديلة، دون وجود خطر حقيقي.
- إعادة صياغة سمعة الشركات
وبفضل ذكريات زائفة، قد تلطخ سمعة علامات تجارية، أو على العكس تروج أخرى على أنها كانت رائدة أو موثوقة في مواقف لم تحدث، فإن التأثير على الأسواق والولاء للعلامة التجارية، سيكون غير قابل للتتبع بسهولة.
- تشويه فهم الجمهور للسياسات الاقتصادية
وإذا أصبح بالإمكان إقناع فئات واسعة بأن سياسات معينة كانت ناجحة أو فاشلة بشكل وهمي، فإن التأثير سيمتد إلى الخطاب السياسي، وأداء الأسواق، بل وربما إلى اتجاهات التصويت.

من الذكريات الزائفة إلى اقتصاد الزيف
الاقتصاد لا يتعامل مع الحقائق فقط، بل مع ما يعتقد الناس أنه صحيح، والأسواق كثيرًا ما تنبنى على الثقة والانطباعات العامة، وتخيل الآن أن هذه الانطباعات نفسها، أصبحت خاضعة لإعادة تشكيل عبر أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على اللعب بأكثر مناطق العقل حساسية “الذكريات”.
بل إننا قد نشهد قريبًا ولادة صناعة جديدة بالكامل تشمل:-
- تسويق مبني على تعديل الذاكرة العاطفية، مثل تذكير العملاء بأنهم شعروا بالسعادة عند شراء منتج ما، حتى لو لم يحدث ذلك.
- خدمات علاقات عامة تقوم بـزرع انطباعات إيجابية عن الماضي.
- أدوات ذكاء اصطناعي شخصية تعمل كدفتر ذكريات، لكنها توجه الأحداث حسب أهداف تجارية أو سياسية.
اقرأ أيضًا:-
التزييف العميق يُخيّم على الواقع الافتراضي، خطر اقتصادي متصاعد بسبب الذكاء الاصطناعي
الاقتصاد المضلل.. حين يصبح الماضي منتجًا تسويقيًا
والمعضلة الأخلاقية هنا ليست فقط في الزيف، بل في أن الناس لن يعرفوا أنهم تعرضوا للخداع، ولا يغير الذكاء الاصطناعي ما نراه أو نسمعه فقط، بل ما نشعر بأننا عشناه، وكلما زادت قدرتنا على إنتاج صور وفيديوهات ونصوص واقعية جدًا بأدوات الذكاء الاصطناعي، زاد احتمال استخدام هذه المواد لتوجيه القناعات الاقتصادية على نطاق غير مسبوق.

ماذا يعني هذا لصناع القرار؟
المنظمون بحاجة لإطار قانوني جديد كليًا، فالقوانين الحالية تركز على الأخبار الكاذبة أو حماية الخصوصية، لكنها لا تتعامل مع زرع الذكريات الزائفة كتهديد، وهذا يحتاج إلى تشريعات خاصة وتنظيم أخلاقي للتقنيات، فالشركات ملزمة بالشفافية الفائقة في بيئة يمكن فيها للذكريات أن تشوه، ولذلك يجب على الشركات التأكد من أن تواصلها مع الجمهور لا يعتمد على تحريف المشاعر أو القصص الماضية.
والمجتمع الآن بحاجة إلى تعليم إدراكي جديد، أي تعزيز الوعي بأن الذاكرة البشرية بنائية وليست مسجلة “تاريخية”، وأنه حتى قناعاتنا الأعمق قابلة للعبث بها، خاصة حين تتعرض لتأثيرات رقمية متكررة.
اقرأ أيضًا:-
الحرب أصبحت صورة، الذكاء الاصطناعي يتحول لسلاح تزييف فتاك (فيديو)
بين الذاكرة والواقع.. اقتصاد جديد يتشكل
وليس من المبالغة القول إن الذكاء الاصطناعي، كما يغير طريقة العمل والإنتاج، بدأ الآن بإعادة هندسة عقول المستهلكين والمستثمرين، فبين الذكريات الزائفة والثقة المهزوزة في ما نعرف، تتشكل ملامح اقتصاد مبني على الإدراك، لا على الوقائع فقط، وهذا أمر لو تعلمون خطير، وهذا يطرح سؤالًا وجوديًا أكثر من كونه اقتصاديًا، إذا تغير ما نتذكره، فهل يمكننا أن نثق بأي قرار نتخذه بعد اليوم؟

الاقتصاد في مرمى الذكاء الاصطناعي العاطفي
والذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد آلة تفكر بل أداة تقنع، وإن لم ندرك حجم الخطر الكامن في هذه القدرة، فقد نواجه مستقبلًا قرارات اقتصادية مبنية على ماضٍ لم يعشه بعض الناس أو عاشه البعض الآخر، وبالتالي حاضر لا يفهمونه، ومستقبل لا يستطيعون التنبؤ به، وكل ذلك.. لأن ذكرياتهم لم تعد ملكًا لهم.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
إطلاق العنان لإمكانات الذكاء الاصطناعي.. المكاتب الخلفية تقود النقل والخدمات اللوجستية
13 أغسطس 2025 08:16 م
الطباعة ثلاثية الأبعاد، ثورة صناعية تحول الأفكار إلى واقع ملموس
12 أغسطس 2025 05:34 م
أكثر الكلمات انتشاراً