الإثنين، 11 أغسطس 2025

09:04 م

الدكتور تامر مؤمن يكتب "لماذا يراهن البنك المركزي على التعليم المصرفي؟

الأحد، 10 أغسطس 2025 02:17 م

تامر مؤمن

تامر مؤمن

الدكتور تامر مؤمن

الاستراتيجيات الفعّالة لا تُبنى على انتظار زوال التحديات الخارجية، بل على صياغة وتنفيذ استراتيجية داخلية قوية تركز على تحويل الأزمات إلى فرص للإصلاح والتنمية المستدامة، مع تعزيز الاعتماد على الذات والانفتاح على العالم.


بهذا النهج، يسعى البنك المركزي المصري بخطى ثابتة ومتزنة لتعزيز مرونة نظامه المالي وتقليل اعتماده على الدولار الأمريكي، وذلك في إطار تحول استراتيجي نحو نظام مالي عالمي متعدد العملات. تعكس هذه الجهود استجابة الدولة المصرية للاتجاهات العالمية وتقليل نقاط الضعف الاقتصادية المحلية الناتجة عن نقص العملات الأجنبية، والتضخم، وعبء الديون.

البنك المركزي


في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، قد يبدو إطلاق برنامج أكاديمي متخصص في العلوم المصرفية خطوة اعتيادية. لكنها في الحقيقة رهان استراتيجي جريء من البنك المركزي المصري على المورد الأهم: الكوادر البشرية. هذا الرهان ليس فقط لتلبية حاجة القطاع المصرفي، بل هو حجر الزاوية في خطة أوسع لتحقيق الاستقلالية المالية ومواجهة الصدمات الاقتصادية المستقبلية، وتحويل الأزمات إلى فرص للنمو المستدام.


يتمثل التفويض الأساسي للبنك المركزي المصري في ضمان سلامة النظام النقدي والمصرفي وتحقيق استقرار الأسعار. ومن الأهداف الاستراتيجية الرئيسية، تحقيق تحول مستدام نحو نظام سعر صرف مرن، مما يساعد الاقتصاد على التكيف بسلاسة أكبر مع الصدمات الخارجية، وإعادة بناء الاحتياطيات، والحد تدريجياً من التضخم. كما يعمل البنك بنشاط على تعزيز الشمول المالي وتشجيع البنوك على تمويل المشاريع الاقتصادية المستدامة، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030. لكن هذه الأهداف لن تتحقق دون وجود كفاءات بشرية قادرة على إدارة نظام مالي معقد ومتغير. 


هنا تظهر أهمية الرهان على التعليم، فهو ليس مجرد مبادرة أكاديمية، بل هو استثمار في الجيل القادم من قادة القطاع المصرفي القادرين على قيادة هذا التحول.


لقد أحرز البنك المركزي المصري تقدمًا كبيرًا في هذه المجالات حتى عام 2025، مدعومًا بالانضمام إلى تكتلات اقتصادية مثل البريكس والمشاركة الفعالة في أنظمة المدفوعات الإقليمية مثل نظام المدفوعات والتسويات لعموم إفريقيا (PAPSS). ومع ذلك، لا تزال التحديات الاقتصادية المستمرة، بما في ذلك عبء الديون الخارجية والحاجة إلى إصلاحات هيكلية عميقة، تتطلب نهجًا حذرًا ومتوازنًا.

البنك المركزي المصري

الاستراتيجيات الرئيسية للبنك المركزي المصري والدولة المصرية 

  • تعليم مصرفي متطور كأداة للسياسة النقدية

في خطوة تحوّلية غير مسبوقة، أعلن البنك المركزي المصري بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات والمعهد المصرفي المصري (EBI) في 6 أغسطس 2025 عن إطلاق برنامج بكالوريوس العلوم المصرفية بدءًا من العام الدراسي 2025/2026. هذا البرنامج ليس مجرد شهادة أكاديمية، بل يمثل ركيزة أساسية في استراتيجية البنك لبناء نظام مالي مرنٍ قادر على مواجهة التحديات المستقبلية، ويدعم رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة. وقد أشاد محافظ البنك المركزي حسن عبد الله بهذا المشروع واصفًا إياه بـ “الحلم الشخصي الذي تحقق"، مؤكدًا أن الهدف هو تخريج كوادر مصرفية مؤهلة للعمل محليًا ودوليًا. وهنا تظهر إمكانية تصدير المعرفة والكوادر البشرية ذات الخبرة والكفاءة.


وعلى الجانب الاخر، تشمل المبادرات الرئيسية للبنك المركزي المصري توقيع اتفاقيات مبادلة العملات الثنائية مع الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل الصين والإمارات، وتسهيل تسوية المدفوعات بالعملات المحلية، وتنويع مكونات الاحتياطيات الأجنبية، بالإضافة إلى التنسيق مع التكتلات الإقليمية والدولية لتعزيز استخدام العملات البديلة.

اتفاقيات مبادلة العملات الثنائية وتسوية المدفوعات بالعملات المحلية
يوليو 2025، وقع البنك المركزي المصري وبنك الشعب الصيني مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون المالي، بما في ذلك تشجيع استخدام اليوان والجنيه المصري في المعاملات التجارية والاستثمارية، ومناقشة اتفاقية مبادلة عملات، وربط أنظمة الدفع (مثل UnionPay وCIPS، والتعاون في العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، وإمكانية إصدار مصر لسندات الباندا المقومة باليوان.

سبتمبر 2023، تم توقيع اتفاقية مبادلة عملات ثنائية بقيمة 5 مليارات درهم إماراتي و42 مليار جنيه مصري (ما يعادل حوالي 1.36 مليار دولار أمريكي)، بهدف تعزيز التعاون المالي ودعم التجارة الثنائية وتخفيف نقص العملات الأجنبية.

تجري مناقشات مستمرة منذ عام 2015 بشأن التجارة بالعملات المحلية، بما في ذلك سداد دفعات محطة الضبعة النووية بالروبل الروسي وتسوية واردات القمح بالروبل، مما يقلل الضغط على احتياطيات الدولار.
تستكشف مصر والهند إمكانية التسوية بالعملات المحلية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، خاصة مع سياسة الهند التي تدعم التجارة بالروبية مع الدول التي تواجه نقصًا في الدولار.أصدرت مصر "سندات الساموراي" المقومة بالين الياباني في عامي 2022 و2023 لتنويع مصادر التمويل. كما تجري محادثات مع ألمانيا بشأن اتفاقية جديدة لمبادلة الديون بقيمة 100 مليون يورو، لتحويل الديون إلى استثمارات محلية.
 

  • تنويع مكونات الاحتياطيات الأجنبية

تتكون الاحتياطيات الدولية لمصر من أصول متنوعة تشمل العملات الأجنبية، والودائع، والأوراق المالية، والذهب، وحقوق السحب الخاصة (SDRs)، وتُدار هذه الاحتياطيات وفقًا لمبادئ السلامة والسيولة وتعزيز العوائد، كما زاد البنك المركزي المصري بشكل كبير من احتياطاته من الذهب، حيث بلغت 11.851 مليار دولار أمريكي في فبراير 2025، وارتفعت إلى 13.629 مليار دولار أمريكي في أبريل 2025، مما يعكس استراتيجية تنويع لتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.
كما ساهمت التدفقات الكبيرة للسيولة الأجنبية، مثل مشروع رأس الحكمة (35 مليار دولار أمريكي) وحزمة صندوق النقد الدولي (8 مليارات دولار أمريكي)، في تعزيز احتياطيات البنك المركزي المصري بشكل كبير.

  • جهود التكامل المالي الدولي والإقليمي الأوسع

  • تتجاوز جهود الدولة المصرية والبنك المركزي لتقليل الاعتماد على الدولار الاتفاقيات الثنائية لتشمل مشاركة أوسع في المبادرات المالية الدولية والإقليمية. حيث انضمت مصر رسميًا إلى تكتل البريكس في أوائل عام 2024، مما يوفر منصة لتعزيز التعاون بين البنوك المركزية وزيادة استخدام العملات المحلية بين الأعضاء. كما انضمت مصر إلى بنك التنمية الجديد (NDB) التابع لمنظمة البريكس، والذي يقدم قروضًا بالعملات المحلية ويهدف البنك إلى تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء والبلدان النامية بشكل عام.
    نظام المدفوعات والتسويات لعموم إفريقيا (PAPSS): وافق البنك المركزي المصري في نوفمبر 2024 على الانضمام إلى هذا النظام، بهدف تسهيل المدفوعات والمعاملات التجارية عبر الحدود في إفريقيا وتقليل الضغط على الطلب على العملات الأجنبية. وترأست مصر لجنة الاستقرار المالي الإفريقية في سبتمبر 2024 اقتراح إنشاء هذه اللجنة، مما يؤكد دورها القيادي في تشكيل الإطار المؤسسي للتمويل الإفريقي.
    لا تزال مصر تواجه تحديات اقتصادية كبيرة مثل عبء الديون الخارجية، والضغوط التضخمية، والحاجة إلى إصلاحات هيكلية. كما أن التنقل في الديناميكيات الجيوسياسية يمثل تحديًا. ومع ذلك، فإن التدفقات المالية الكبيرة الأخيرة والإصلاحات المستمرة تضع مصر في وضع أفضل لمتابعة رؤيتها الاستراتيجية لنظام مالي متعدد العملات، مما يعزز مرونتها المالية ويقلل من تعرضها للمخاطر الخارجية على المدى الطويل.
     

تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search