الخميس، 26 يونيو 2025

05:28 م

حرب الـ"GPS"، نظام تحديد المواقع يتحول من خدمة إنسانية لسلاح جيوسياسي

الخميس، 26 يونيو 2025 01:34 م

حرب الـ GPS

حرب الـ GPS

في عالم يتسارع فيه الاعتماد على التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، يبدو أن نظام تحديد المواقع العالمي GPS لم يعد فقط أداة لمساعدة السائقين أو توجيه الطائرات، بل أصبح جوهرة تكنولوجية تتوسط الصراع الدولي.

استخدام  GPS أثناء الحرب

هذا النظام الذي بُني لخدمة البشرية، يتحول تدريجياً إلى أحد أبرز ميادين الحرب الجيوسياسية الحديثة، حيث تكشف بيانات ومؤشرات أمنية واقتصادية أن التشويش والتلاعب بإشاراته، لم يعد مجرد هجمات إلكترونية عابرة، بل أدوات ضغط عسكري واقتصادي خطيرة.

GPS من خرائط الجوال إلى أعصاب الاقتصاد العالمي

منذ أن فُتح نظام الـGPS للاستخدام المدني عام 2000، تسلل بهدوء إلى قلب الحياة اليومية لقرابة 4 مليارات مستخدم حول العالم، لكنه أيضًا أصبح العمود الفقري لعشرات القطاعات الحيوية، من الطيران والملاحة البحرية إلى شبكات الطاقة، والبنوك، والاتصالات.

ببساطة، أي تعطيل لهذا النظام، حتى ولو لساعات، قد يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من مليار دولار يوميًا، هذه الخسائر تتوزع على شكل اضطراب في سلاسل الإمداد، خلل في المعاملات البنكية، توقف خدمات التوصيل، وحتى انهيار أنظمة التوقيت الدقيق التي تعتمد عليها البورصات ومراكز التحكم.

حرب الإحداثيات

تشويش، تلاعب، وتعطيل المنطق الجغرافي

ما كان يُعد في الماضي نوعًا من العبث الرقمي، تطور اليوم إلى سلاح صامت يستخدمه الفاعلون الدوليون لحماية مواقعهم أو ضرب خصومهم، والفرق بين التشويش والتلاعب بإشارات GPS، هو تمامًا كالفرق بين إطفاء النور في غرفة، ووضع مرآة تخدع من بداخلها.

التشويش يتم عبر بث موجات أقوى تُغرق الإشارة الأصلية، وهو ما يربك الأجهزة ويجعلها عاجزة عن تحديد الموقع.

أما التلاعب Spoofing، فينطوي على خداع متقن بإشارات مزيفة تشبه الأصلية لكنها تحمل بيانات خاطئة، فتقود الطائرات والسفن وحتى الطائرات المسيرة إلى مواقع خاطئة.

تكمن الخطورة هنا في أن أدوات التشويش أصبحت رخيصة نسبيًا، ومتاحة عبر الإنترنت، مما يعني أن حتى جهات غير حكومية أو جماعات مسلحة قد تمتلك القدرة على استخدامها.

اقرأ أيضًا:

سيناريو أسود، هل أشعل ترامب فتيل حرب عالمية بتدميره لـ"فوردو"؟

الخليج من حرب الناقلات إلى حرب الإحداثيات

مع تصاعد التوتر الإيراني الإسرائيلي مؤخرًا، تحول الخليج العربي وتحديدًا مضيق هرمز إلى مسرح مفتوح لحرب الإشارات، إذ أن مسارات سفن النفط غير منطقية، حيث تظهر وكأنها تتحرك داخل اليابسة أو تلتف بشكل عبثي في المياه الدولية.

الخطر الاقتصادي هنا بالغ الحساسية، يمر من مضيق هرمز ما يقرب من 20% من إمدادات النفط العالمية، أي تعطيل ولو جزئي في حركة السفن قد يرفع أسعار الخام، ويخلخل استقرار الأسواق العالمية.

الحرب الرقمية

الحرب الرقمية.. لبنان، كوريا، والبلطيق في مرمى التشويش

تتسع رقعة حرب الإحداثيات لتشمل مناطق عدة:

لبنان تقدمت في 2024 بشكوى ضد إسرائيل تتهمها بالتشويش على نظام الـGPS، مما أدى إلى أخطاء فادحة في تحديد مواقع السكان، بينما كوريا الجنوبية اتهمت جارتها الشمالية بإرباك الملاحة الجوية وتعطيل إشارات سفنها.

أوروبا الشرقية والبلطيق تشهد اضطرابات متزايدة في إشارات الملاحة، في ظل الاتهامات المتبادلة مع روسيا، بل قرابة 40 مليون شخص حول العالم يعيشون في مناطق ذات إشارات GPS غير موثوقة، تشمل عواصم ومدن كبرى من أنقرة إلى سان بطرسبرغ ولاهور.

 

اقرأ أيضًا:

برمجية "Fly Trap" تدخل حروب الطائرات بدون طيار في أمريكا

ما الذي يجعل الـGPS سلاحًا اقتصاديًا؟

يتجاوز التهديد العسكري البحت، ويعد التشويش على نظام GPS بمثابة شل للأعصاب التقنية التي تربط الاقتصاد العالمي، ومن أبرز التداعيات:

ارتفاع تكاليف التأمين والنقل: ناقلات النفط تصبح أهدافًا أسهل للخطأ أو الحوادث.

تعطيل سلاسل التوريد: الشركات تعتمد على نظم التوقيت الجغرافي لتنسيق عملياتها.

تأثير سلبي على التجارة الإلكترونية: من تطبيقات التوصيل إلى منصات التسوق.

أضرار محتملة على الاستثمارات: أي توتر في نقاط الملاحة الحرجة قد يُعيد رسم خرائط التموضع الجغرافي للشركات.

نظام تحديد المواقع العالمي GPS

من يربح ومن يخسر في معركة الـGPS؟

الربح في هذه الحرب لا يُقاس فقط بإصابة هدف أو تعطيل خصم، بل في القدرة على التحكم بالمعلومة والموقع والزمن، الدول التي تملك بدائل لـGPS  مثل نظام غلوناس الروسي، أو بيدو الصيني، أو غاليلو الأوروبي تحاول تقليل اعتمادها على التقنية الأمريكية.

أما الدول النامية أو المناطق المتوترة أمنيًا، فهي الأكثر عرضة للخطر، فالتشويش قد لا يقتل، لكنه يعطل، ويُربك، ويفتح الباب لحوادث باهظة الكلفة.

اقرأ أيضًا:

رادارات المراقبة العسكرية، العيون التي لا تنام في صراع التسلح

الموقع لم يعد مجرد نقطة على الخريطة

تعيش البشرية اليوم عصر الجغرافيا الذكية، حيث الإحداثيات ليست فقط دليلًا على الموقع، بل مفتاحًا للسيطرة، والاقتصاد، والأمن، ومع استمرار التوترات الإقليمية والدولية، لن تكون حرب الـGPS الأخيرة من نوعها، ربما نحتاج في المستقبل إلى نوع جديد من الأمن القومي.. أمن الإحداثيات.

تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

showcase
showcase
search