التراث الثقافي السعودي.. اقتصاد واعد ينمو بين أصالة الحرف وديناميكية السوق
السبت، 21 يونيو 2025 07:02 م

التراث الثقافي السعودي
في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة بين الاقتصادات العالمية على تنويع مصادر الدخل، تبرز المملكة العربية السعودية بنموذج فريد من نوعه، إذ تمضي قدمًا في تحويل التراث الثقافي بما فيه الحرف اليدوية من مجرد مكون ثقافي إلى ركيزة اقتصادية نشطة ضمن رؤية السعودية 2030، عبر برامج ومبادرات تنهض بالموروث وتدفع به نحو أسواق العمل المحلية والدولية.

يعد قطاع التراث الثقافي من القطاعات الحيوية الداعمة للاقتصاد الوطني، ليس فقط بما يوفره من فرص عمل، بل أيضًا باعتباره أداة لتعزيز الهوية الوطنية وتنشيط القطاع السياحي، خاصة مع توجه المملكة إلى استثمار مبانيها ومواقعها التراثية وتحويلها إلى مراكز جذب سياحي واقتصادي.
التراث والحرف اليدوية من الذاكرة إلى السوق
استطاعت هيئة التراث السعودية، من خلال تأسيس شركة حرف السعودية، فتح آفاق جديدة أمام الحرفيين المحليين لتسويق منتجاتهم داخل المملكة وخارجها.
ومع تأسيس أكثر من 12 بيتًا حِرفيًا لتدريب المهتمين، نجحت المبادرة في إنتاج أكثر من 14 ألف منتج حرفي، ما يعكس جدية التوجه نحو بناء منظومة اقتصادية قائمة على الإبداع المحلي والحرف التقليدية.
ولعل الترخيص لأكثر من 4.9 آلاف حرفي وحرفية في أكثر من 50 حرفة تقليدية، وتنظيم الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية "بنان"، الذي استفاد منه أكثر من 850 حرفيًا في نسخته الثانية فقط، هو دليل على أن القطاع لم يعد حبيس التاريخ بل أصبح جزءًا من الحاضر الاقتصادي المتجدد.
اقرأ أيضًا:
ازدحام غير مسبوق في سماء السعودية مع حركة طيران كثيفة
حراك اقتصادي يقوده رواد الحرف
التحول نحو الحرف اليدوية لم يكن ثقافيًا فقط، بل اقتصاديًا أيضًا، إذ منحت الهيئة رخصًا لأكثر من 30 منشأة تحت مسمى محل بيع منتجات تراثية، ووفرت للمستفيدين مساحات عرض في المعارض والفعاليات محليًا ودوليًا، إلى جانب مبادرات مثل برنامج مسرعات الأعمال الحرفية، ما خلق مسارات مستدامة لدخول السوق وتحقيق عوائد مالية للحرفيين.
وبينما يعمل هذا القطاع على استعادة مكانته كرافد اقتصادي، تحرص الدولة على توفير بيئة تنظيمية مرنة وداعمة، ضمن إطار رؤية 2030، التي تعتبر الإرث الثقافي أحد أعمدة القوة الناعمة السعودية.

مبادرات طموحة للرقي بقطاع الحرف
يشهد قطاع الحرف اليدوية في المملكة العربية السعودية تحولاً استراتيجيًا مدفوعًا بمبادرات نوعية تعكس التزامًا حكوميًا متزايدًا بدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الوطني.
فإعلان عام 2025 "عام الحرف اليدوية" يأتي تتويجًا لحزمة من السياسات والمشاريع التي تستهدف رفع جودة المنتجات الحرفية، وتمكين رواد الأعمال، وتعزيز الهوية الثقافية للمنتجات المحلية.
من أبرز هذه المبادرات تأسيس "شركة حرف السعودية" وبرامج مثل "صنع في السعودية" و"المعهد الملكي للفنون التقليدية"، إلى جانب إطلاق "هيئة التراث" ومسرعة نمو السياحة، وكلها تهدف إلى خلق بيئة محفزة للنمو، ودعم الحرفيين على المستويين المحلي والدولي.
اقرأ أيضًا:
رؤية المملكة 2030، «stake» تطلق صندوق تطوير عقاري لإتاحة الفرص الاستثمارية بالرياض
ويواكب هذا الزخم المؤسسي نمو اقتصادي لافت في مؤشرات القطاع، فقد تم إصدار أكثر من 154 ألف سجل تجاري جديد في الربع الأول من 2025، بينما شهدت التجارة الإلكترونية نموًا سنويًا مذهلاً بعدد سجلات يصل إلى 41,322 بنسبة 6%، وهو ما يعكس توسع السوق الرقمي للحرف اليدوية.
كما يعزز انتعاش السياحة مع استقبال المملكة لنحو 30 مليون سائح في عام 2024 من فرص تسويق المنتجات الحرفية محليًا وعالميًا، خاصة مع مشاريع ترميم الهوية الثقافية في مناطق مثل جدة والعلاء، والتي تمزج بين التراث والإبداع المعاصر.
كل هذه العوامل مجتمعة تؤسس لمرحلة واعدة تشهد فيها المنشآت الصغيرة والمتوسطة في قطاع الحرف اليدوية نموًا مستدامًا وتحولاً نوعيًا في دورها الاقتصادي والثقافي.

التراث كقوة اقتصادية ناعمة
ما يجري اليوم في السعودية ليس مجرد إحياء للتراث، بل بناء لاقتصاد جديد يستند إلى القوة الثقافية، والهوية، والمشاركة المجتمعية.
ومع الدعم الملكي المباشر والرؤية الواضحة، لا يُستبعد أن تصبح الحرف اليدوية السعودية علامة عالمية مميزة، وأن يتحول القطاع التراثي من هامش ثقافي إلى قلب نابض في جسد الاقتصاد الوطني.
في النهاية، فإن ما يجمع بين بيت الحرفي ومنصة الأعمال الرقمية هو الطموح ذاته، مستقبل سعودي أكثر تنوعًا واستدامة، يرتكز على ماضي غني وتجربة تنموية غير تقليدية.
Short Url
«تعليم مالي» في «المواد الدراسية»، هل نجحت بريطانيا في سد الفجوة؟
20 يونيو 2025 10:46 م
"القهوة"، سلعة استراتيجية تُحرك اقتصادات الدول النامية
20 يونيو 2025 04:44 م
الشرق الأوسط على حافة الهاوية، تصعيد إيران وإسرائيل يربك الاقتصاد العالمي
20 يونيو 2025 04:11 م


أكثر الكلمات انتشاراً