الشرق الأوسط في مرمى الهجمات السيبرانية، تهديد أمني أم معركة جيوسياسية؟
الخميس، 19 يونيو 2025 12:08 ص

الهجمات السيبرانية
في وقت يشهد فيه العالم تحولات رقمية متسارعة، تجد منطقة الشرق الأوسط نفسها على خط النار في معركة جديدة غير تقليدية، سلاحها البرمجيات الخبيثة وساحتها الشبكات الرقمية.
فخلال عامين كاملين من 2023 إلى 2025، كانت البنية التحتية الرقمية في الإقليم، هدفًا لهجمات سيبرانية معقدة، بحسب ما كشف تقرير حديث صادر عن شركة فورتينت الأميركية.

خسائر خفية وأضرار استراتيجية
ورغم أن الهجمات لم تسفر عن تعطيل مباشر للأنظمة، إلا أن الخطر لا يكمن في الانفجار، بل في التسلل الصامت، فالمهاجمون استخدموا أدوات متقدمة مثل هانيـف نت ونيو إكسبريس آر إيه تي، ما سمح لهم بإجراء استطلاع استخباراتي داخل أنظمة تشغيلية حيوية دون أن يشعر أحد.
وهذا يشير إلى تغير نوعي في طبيعة التهديدات، من التدمير العشوائي، إلى الاختراق الهادئ طويل الأمد، بهدف جمع بيانات حساسة، وبناء حضور رقمي خفي يمكن تفعيله لاحقًا، حيث يعد هذا النمط من الهجمات التي تعيد رسم خريطة المخاطر الاقتصادية في المنطقة، فتهديد البنية التحتية الرقمية، لا يعني فقط خطرًا على بيانات المستخدمين، بل يضرب في عمق استقرار قطاعات الطاقة، والمال، والصحة، والتعليم.
والنتيجة؟ مخاطر ائتمانية أعلى، تضخم محتمل في كلفة التأمين السيبراني، وتأخير في مشاريع التحول الرقمي الحكومية، وهو ما قد يُبطئ النمو الاقتصادي في الدول الطموحة تكنولوجيًا.
اقرأ أيضًا:
من الفدية إلى سرقة البيانات، كيف يهدد الأمن السيبراني بقاء الشركات في 2025؟
الهجمات والسياسة.. خطوط التماس غير المرئية
ولا يمكن فصل هذه الهجمات عن سياقها السياسي، فبحسب تقرير مشهد التهديدات لعام 2025، فإن أكثر من 60% من الهجمات التي شنتها جماعات إلكترونية كانت بدوافع سياسية، حيث تركزت على مؤسسات حكومية وتعليمية وتقنية، فالشرق الأوسط، بتركيبته الجيوسياسية المعقدة، بات ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات عبر الفضاء الرقمي.
وتخترق هذه الهجمات، الجدران السيادية دون أن تطلق رصاصة واحدة، فعندما تتمكن جهة غير معلومة من التسلل إلى أنظمة التحكم في شبكة كهرباء أو منشأة نفطية، فإنها لا تهدد فقط الأمن الاقتصادي، بل تُمسك بمفاتيح الردع الاستراتيجي.

أرقام تثير القلق
وأظهر تقرير فورتينت لعام 2024 أن 73% من مؤسسات المنطقة، تعرضت لهجمات سيبرانية استهدفت أنظمة التحكم والتشغيل، مقارنة بـ49% في العام الذي سبقه، كما أن 24% من هذه الهجمات كانت مركزة فقط على الأنظمة التشغيلية، ما يكشف تطورًا واضحًا في الأهداف، ونقل الهجمات من سطح النظام إلى أعماقه التقنية.
وفي مواجهة هذا التصعيد، تشير البيانات إلى أن 60% من المؤسسات، قامت برفع مستوى المسؤولية السيبرانية إلى القيادة التنفيذية، ما يعني أن أمن البيانات، لم يعد مهمة فرق الدعم الفني فقط، بل بات ضمن أولويات المديرين التنفيذيين ومسؤولي أمن المعلومات والاستثمار.
اقرأ أيضًا:
634 حالة في الإمارات، 140 ألف هجمة سيبرانية على جهات حكومية وخاصة حول العالم

الطريق إلى التحصين هل يكفي؟
ومع ازدياد هذه التهديدات، تتسارع المبادرات الأمنية مثل جيسيك دبي 2025، والتي تهدف إلى تعزيز التنسيق الأمني السيبراني إقليميًا، ومواجهة التحديات الجديدة المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الهجمات، إلا أن السؤال الأهم يظل قائمًا، هل تستثمر الدول بما يكفي في البنية التحتية الأمنية الرقمية؟
وفي ظل توسع المدن الذكية والمرافق الحكومية الرقمية، يبدو أن تأمين هذه البنية، أصبح ضرورة اقتصادية لا تقل أهمية عن تأمين الاستثمارات التقليدية في النفط أو الطاقة أو البنية التحتية.
اقرأ أيضًا:-
"الأمن السيبراني"، درع الحماية والأمان في العصر الرقمي
ما تشهده منطقة الشرق الأوسط، ليس مجرد تصاعد في الهجمات السيبرانية، بل تحول في نمط الصراع الجيوسياسي والاقتصادي نحو الفضاء الرقمي، وفي هذا العالم، لا تكفي الجدران العالية، بل نحتاج إلى أنظمة مرنة، وتنسيق إقليمي، وعقول تفكر بقدر ما تبرمج.
الاقتصاد الرقمي في المنطقة أمام اختبار وجودي، إما أن يتحول إلى نقطة قوة إستراتيجية، أو يُستنزف في معارك غير مرئية تهدد مستقبله من الداخل.
Short Url
مشروع «أتون» للذهب، انطلاقة جديدة للاستثمار التعديني في مصر
18 يونيو 2025 12:55 م
الملصقات الغذائية لمنتجات الألبان، المعايير الحديثة والتأثير على سلوك المستهلك
18 يونيو 2025 04:01 ص
بين هواجس ترامب وتحديات الجغرافيا السياسية، هل تعيد ألمانيا ذهبها من أميركا؟
17 يونيو 2025 06:44 م


أكثر الكلمات انتشاراً