الثلاثاء، 17 يونيو 2025

02:04 م

"العراق يعيد مركزه إقليميًا"، قطاع الشحن والخدمات اللوجستية ينفض غبار الصراعات

الثلاثاء، 17 يونيو 2025 09:28 ص

الخدمات اللوجستية العراقية

الخدمات اللوجستية العراقية

مع تحول العراق تدريجيًا من اقتصاد هش ما بعد النزاعات، إلى وجهة ناشئة للبنية التحتية، يكشف تقرير حديث صادر عن Mordor Intelligence، عن ملامح صعود بطيء لكن ثابت لقطاع الشحن والخدمات اللوجستية في البلاد.

فبين عامي 2025 و2030، من المتوقع أن ينمو السوق بمعدل سنوي مركب يبلغ 2.06%، مرتفعًا من 11.29 مليار دولار إلى 12.50 مليار دولار، مدفوعًا بمبادرات ضخمة تتجاوز النفط لتشمل التجارة الإلكترونية، والربط الإقليمي، والاستثمار الأجنبي المباشر.

لوجستيات

طريق التنمية.. مسار جديد للعراق

التحول اللافت في السوق تحركه مشاريع بنيوية ضخمة، أبرزها طريق التنمية الذي يمتد على 1200 كيلومتر، وميناء الفاو الكبير المطل على الخليج، إلى جانب إطلاق منصة ASYCUDAWorld الجمركية لتسريع التخليص. 

وهذه المشاريع، لا تعيد فقط تشكيل البنية التحتية، بل تنقل العراق إلى قلب مشهد تجاري إقليمي، يمتد من أسيا إلى أوروبا.

وفيما يبدو أن قطاع النفط لا يزال يهيمن بنسبة 40.24% من السوق، إلا أن الطلب اللوجستي يتجه نحو التنوع، ليشمل تجارة التجزئة، والخدمات اللوجستية الإنسانية، وسلاسل التوريد المتخصصة كالخاضعة للتحكم في درجات الحرارة. 

كذلك فإن نمو التجارة الإلكترونية بنسبة 9.15% سنويًا في بغداد، ينبئ بطفرة حضرية في خدمات الميل الأخير، وشبكات التوصيل داخل المدن.

الخدمات اللوجستية

 

النفط يملي الإيقاع.. لكن الكلمة المقبلة للتجزئة

ويُشكل النفط الخام 98.7% من صادرات العراق، ويغذي وحده قرابة نصف الناتج المحلي الإجمالي، بحسب مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI).

وينعكس هذا الثقل على خدمات الشحن البري، حيث استحوذ النقل البري على 70.58% من السوق عام 2024، وترافقه موجة تحديث في الأساطيل، بدعم من شركات نفط عالمية، تسعى إلى حلول نقل موثوقة عبر شاحنات منخفضة الكبريت، ومراقبة لحظية عبر نظام GPS.

وفي المقابل، تُحقق خدمات البريد السريع والطرود، أسرع معدلات نمو سنوي متوقعة تصل نسبتها إلى (2.37%)، حيث يأتي ذلك في إشارة إلى بروز أنماط استهلاك جديدة، مدفوعة بازدهار التكنولوجيا المالية، والدفع عند الاستلام، وتطبيقات الطلب الفوري.

اقرأ أيضًا:

خدمة الشحن الملاحية جديدة تعزز مكانة «ميناء الدمام» كمحور لوجستي عالمي

الصين تدخل بثقلها عبر الحزام والطريق

وفي خلفية هذا الحراك، تُضخ الاستثمارات الصينية بقوة، مشاريعَ بقيمة 9 مليارات دولار أُبرمت في 2024، منها مصفاة ضخمة متصلة بخط سكك حديد مزدوج، تمثل العمود الفقري لطريق التنمية. 

وهذا التموضع الصيني، لا يوفر فقط تمويلًا وتقنيات جاهزة، بل يُغري صناديق الثروة الخليجية برؤية العراق كبديل محتمل لمسارات الشحن التقليدية عبر قناة السويس أو تركيا.

ميناء الفاو

 

ميناء الفاو.. عين العراق على التجارة البحرية

ميناء الفاو الكبير، هو مشروع مفصلي يُراهن عليه العراق لاستعادة دوره البحري، إذ يمتد على مساحة 54 كم² ويضم 99 رصيفًا، بسعة تصميمية تبلغ 3.5 ملايين حاوية نمطية بحلول 2025. 

ودخول شركات عالمية في منافسة لتشغيل الميناء، يعكس ثقة متزايدة بإصلاحات البلاد الجمركية، كما أن ربطه بسكك الحديد والطرق السريعة، يتيح التفافًا استراتيجيًا على البوابات الإيرانية والكويتية، ما يعزز من جاذبية العراق كممر تجاري جديد.

 

اقرأ أيضًا:

السعودية تحرّك العجلات الثقيلة، النقل البري يتحول إلى قاطرة الاقتصاد الجديد

اختناقات داخلية تهدد الزخم

ورغم الآفاق الواسعة، يُحذر التقرير من عقبات داخلية مزمنة، رسوم تفتيش غير رسمية على الطرق تُرفع تكاليف النقل، ومتوسط عمر الشاحنات يتجاوز 15 عامًا، ناهيك عن مشاكل متكررة في جودة الوقود تؤدي إلى أعطال وتأخرٍ في التسليم. 

ويشير البنك الدولي، إلى أن هذه العوامل تعكس هشاشة النموذج الاقتصادي، حيث تغيب الشفافية، ويزدهر السعي وراء الربح السريع على حساب الكفاءة.

وحتى مع انضمام العراق إلى اتفاقية النقل البري الدولي TIR، والتي من المفترض أن تخفض وقت الشحن بنسبة 80% وتكلفته بنسبة 38%، فإن التطبيق العملي يظل مرهونًا بإصلاحات جذرية في الأمن والخدمات الإدارية.

الحاويات

 

من اقتصاد سلعي إلى منظومة لوجستية متعددة القطاعات

وفي تحول نوعي، يتوسع السوق العراقي تدريجيًا ليشمل التصنيع والزراعة والبناء، إلى جانب النفط والتجزئة، فالمبادرات الصناعية المدعومة من الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID)، مثل مشروع عصر البذور الزيتية بقيمة 112.5 مليون دولار في أم قصر، تُشكل طلبًا جديدًا على خدمات نقل الحبوب والتخزين المتخصص.

وفي مشاريع البناء، تقود خلاطات الخرسانة، والعوارض مسبقة الصب، والأحمال الثقيلة، الطلب على شحنات خاصة ذات تجهيزات لوجستية معقدة.

 

اقرأ أيضًا:

قطر تُعيد رسم خريطة اللوجستيات، من بوابة الخليج لمركز عالمي لسلاسل الإمداد

العراق بين الفرص والتحديات

ويبدو أن قطاع الشحن والخدمات اللوجستية في العراق، يقف اليوم على مفترق طرق، من جهة، هناك دفعة قوية من المشاريع الإقليمية والطلب المحلي المتنوع، ومن جهة أخرى، هناك حواجز هيكلية تعيق استدامة النمو.

إن رهان العراق على التحول من اقتصاد أحادي السلعة إلى مركز لوجستي متعدد الاتجاهات، لن يتحقق إلا إذا ترافقت الاستثمارات بالبنية التحتية، مع إصلاحات حقيقية في الحوكمة، والجمارك، والنقل الداخلي.

فهل تنجح بغداد في ضبط الإيقاع الجديد للمنطقة؟ الأيام كفيلة بالكشف عن قدرة العراق على استغلال موقعه الجغرافي، لإعادة تموضعه كلاعب لوجستي في قلب الشرق الأوسط.

Short Url

search