تحالف الأمس وصراع اليوم، إسرائيل وإيران من المصالح المشتركة إلى المواجهة العلنية
الإثنين، 16 يونيو 2025 12:10 م

إسرائيل وإيران
من النادر أن تتحول تحالفات سرية إلى عداوات مكشوفة بهذه السرعة والحدة كما حدث بين إيران وإسرائيل، الدولتين اللتين كانتا في يوم من الأيام تتبادلان النفط والسلاح والمعلومات الاستخباراتية، واليوم تتبادلان الطائرات المسيّرة والصواريخ في سماء الشرق الأوسط.

لكن خلف هذا التصعيد العسكري المشتعل، تتكشف خيوط معقدة لتشابك المصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي ربطت البلدين لعقود، والتي لا تزال آثارها تلقي بظلالها على الاقتصاد الإقليمي والدولي.
النفط.. العمود الفقري للتحالف القديم
في الخمسينيات والستينيات، سعت إسرائيل إلى كسر عزلتها الإقليمية وسط طوق عربي معادي، فتبنت عقيدة المحيط، التي ركزت على التحالف مع دول غير عربية ذات نفوذ، وكانت إيران الشاه أحد أبرز أركانها.
في تلك المرحلة، أصبحت طهران المورد الرئيسي للنفط الخام إلى إسرائيل، وهو ما كان يمثل شريان حياة للاقتصاد الإسرائيلي الذي لا يملك موارد طاقة.
وحتى بعد احتلال سيناء وتشغيل آبارها، ظل الاعتماد على إيران قائمًا، وتؤكد الأرقام أن إيران كانت توفر نحو 70% من احتياجات إسرائيل النفطية حتى عام 1979.
اقرأ أيضًا:
إيران وإسرائيل، من حروب الظل إلى حافة الانفجار
الثورة الإيرانية.. عندما تصدرت الأيديولوجيا المشهد
قلبت الثورة الإيرانية الطاولة على العلاقات مع الغرب وإسرائيل تحديدًا، إذ تحول الدعم السري إلى عداء معلن، ودخلت طهران مرحلة جديدة تحكمها أيديولوجيا معادية لإسرائيل، تحت شعار "دعم المستضعفين"، وفي مقدمتهم الفلسطينيون.
لكن الاقتصاد لا يعترف بالأيديولوجيا دائمًا، فالحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام 1980 دفعت طهران للبحث عن قنوات دعم عسكرية ولوجستية، ووجدت في إسرائيل العدو المعلن صديقًا في السر من جديد، في مشهد عبثي يعكس تعقيدات السياسة الدولية حين تتحكم المصالح.

السلاح مقابل النفط.. عودة التحالف تحت الطاولة
خلال الحرب ضد العراق، باعت إسرائيل لإيران أسلحة بموافقة ضمنية أمريكية، في صفقة ثلاثية الأطراف كان النفط والذخيرة عملتيها الأساسيتين.
ورغم الخطاب الثوري المتشدد، فإن بقاء النظام الإيراني كان يحتم عليه التعامل مع تل أبيب، في علاقة عبر عنها البعض بالزواج السري الذي يضمن استمرار الطرفين.
اقرأ أيضًا:
الضربات الإسرائيلية على إيران، من تعطيل النووي إلى تغيير النظام
من الملف النووي إلى الصدام المسلح
مع نهاية التسعينيات، وبعد أن هدأت عاصفة حرب الخليج، بدأت إسرائيل تراقب بقلق البرنامج النووي الإيراني، وأصبحت طهران في نظر صناع القرار في تل أبيب التهديد الأول، وبدأت مرحلة الحرب غير المعلنة، اغتيالات علماء، هجمات إلكترونية، ضربات بحرية غامضة، وتمويل متبادل لوكلاء محليين في مناطق الصراع.
وفي المقابل، لم تبق إيران مكتوفة الأيدي، فدعمت حركات مناهضة لإسرائيل في غزة ولبنان واليمن، ما وضعها في مواجهة مباشرة مع حلفاء تل أبيب الجدد في الخليج، خاصة بعد اتفاقيات "أبراهام" التي مهّدت لتعاون اقتصادي وعسكري إسرائيلي مع الإمارات والبحرين والسعودية.

الصواريخ تُغلق نوافذ الاستثمار وتفتح أبواب الفوضى
بلغت المواجهة ذروتها في أبريل 2024 حين شهدت المنطقة أول تبادل صاروخي مباشر بين إسرائيل وإيران، لتتحول الحرب الظلية إلى مواجهة مكشوفة، تهدد الاستقرار الاقتصادي الإقليمي، وتضع أسواق الطاقة تحت ضغط غير مسبوق.
تراجع الشيكل الإسرائيلي إلى أدنى مستوياته، وانكمشت شهية المستثمرين في أسواق تل أبيب، في المقابل، ارتفعت المخاوف في طهران من تداعيات الضربات الجوية على منشآت النفط والبنى التحتية.
وتشهد أسعار النفط العالمية تذبذبًا حادًا، وسط مخاوف من أن تؤدي ضربة جديدة إلى إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره أكثر من 20% من تجارة النفط العالمية.
اقرأ أيضًا:
ساعة القيامة تدق، هل تفتح المواجهة الإيرانية الإسرائيلية أبواب الجحيم النووي؟
الاقتصاد الدولي في مرمى النيران
الصراع بين إسرائيل وإيران لا يقتصر على حدودهما، بل يهدد سلاسل الإمداد العالمية، ويؤثر مباشرة على تكلفة النقل البحري والتأمين والطاقة، ما يضع الاقتصاد الدولي أمام سيناريو أزمة متعددة الأبعاد.
كما أن التصعيد يهدد نجاح مشاريع التكامل الإقليمي مثل الهلال الاقتصادي بين الخليج وإسرائيل، وهو ما يعيق جهود إعادة تشكيل الخريطة الجيو اقتصادية للمنطقة بعد عقود من الصراعات.

تحالف المصالح انتهى، فهل بدأ عصر الحسابات المكشوفة؟
تحولت العلاقة بين إسرائيل وإيران من شراكة مصلحية سرية إلى عداوة صريحة، لكن ما لم يتغير هو أن هذه العلاقة، بكل تقلباتها، لم تكن يومًا قائمة على الثقة، بل على الحسابات الباردة.
واليوم، مع دخول الطرفين في مرحلة الحرب المباشرة، فإن الخاسر الأول هو الاقتصاد الإقليمي، والخطر الأكبر هو الانزلاق إلى مواجهة لا تقف عند حدود الجغرافيا، بل تمتد إلى مضخات النفط وأسواق المال وشبكات التجارة العالمية.
Short Url
المهارة أهم من الخبرة، «GenAI» يعيد تشكيل سوق العمل
16 يونيو 2025 04:21 م
حروب الدرونز، الطائرات بدون طيار تقلب الموازين العسكرية في العالم
16 يونيو 2025 02:52 م
حرب الإنفاق العسكري، من يتفوق وسط وابل الصواريخ؟
16 يونيو 2025 12:12 م


أكثر الكلمات انتشاراً