الإسكندرية تدق ناقوس الخطر، هل تُغرق التغيرات المناخية المدن الساحلية؟
الأحد، 01 يونيو 2025 11:29 م

غرق المدن الساحلية
بينما كانت مدينة الإسكندرية، عروس البحر المتوسط، تفتخر بموقعها الجغرافي وتاريخها العريق، تصاعدت في الآونة الأخيرة تحذيرات علمية ودولية، تنذر بأن هذا الموقع ذاته، قد يتحول من ميزة إلى كارثة.

ومع استمرار ذوبان الجليد وارتفاع حرارة الأرض، تتسلل مياه البحر إلى قلب المدن الساحلية في مصر، وعلى رأسها الإسكندرية، مهددة ليس فقط البنية التحتية، بل الاقتصاد القومي برمته.
التهديد البيئي في ثوب اقتصادي
تشير تقديرات حديثة إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر فقط كفيل بإغراق نحو 500 ألف فدان من الأراضي الزراعية الخصبة شمال الدلتا، وهي مناطق تعتبر ركيزة الأمن الغذائي المصري.
ووفقًا للدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، فإن مدنًا مثل بورسعيد، دمياط، وكفر الدوار، أكثر عرضة للغرق من الإسكندرية نفسها، بحكم انخفاضها الجغرافي وطبيعتها الرسوبية.
وهنا يكمن التهديد الاقتصادي الحقيقي، الأراضي الزراعية التي ستغمرها المياه المالحة ليست مجرد مساحات خضراء، بل تمثل موردًا استراتيجيًا يوفر الغذاء، يشغل ملايين العمال، ويسهم بنسبة معتبرة من الناتج المحلي الزراعي.
اقرأ أيضًا:
عاصفة الرعب في الإسكندرية.. إنذار لإنقاذ المدينة التاريخية (فيديو)
سقوط أعمدة ومباني، الحكومة ترصد خسائر الإسكندرية بعد العاصفة
نزوح جماعي وانهيار استثماري
وفق السيناريو الأسوأ الذي تتوقعه بعض الدراسات البيئية، قد يرتفع منسوب البحر بمقدار 1.5 متر بحلول نهاية القرن، حينها ستتقدم مياه المتوسط جنوبًا حتى عمق 25 كيلومترًا داخل الدلتا، مُغرقًا ما يصل إلى 1.5 مليون فدان، ومُجبِرًا أكثر من 8 ملايين نسمة على النزوح من مناطقهم.
اقتصاديًا، نحن أمام أزمة لجوء مناخي داخلي قد تضغط على الموازنة العامة، وتستنزف موارد الدولة في شكل دعم سكني، وخدمات، وبنى تحتية بديلة في المناطق التي ستستقبل النازحين، كما سيُحدث ذلك اختلالًا في توزيع العمالة ورفعًا لمعدلات البطالة، خاصة في القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به.

البنية التحتية في مهب التآكل
من جهة أخرى، تؤكد الدراسات الهندسية الحديثة أن مدينة الإسكندرية تشهد تسارعًا مرعبًا في انهيارات المباني، بمعدل بلغ 40 انهيارًا سنويًا خلال العقد الأخير، بعد أن كان انهيارًا واحدًا في العام، السبب يكمن في زحف المياه المالحة تحت الأساسات، مما أدى إلى تآكل التربة واهتراء الهياكل من الأسفل إلى الأعلى.
هذه الانهيارات لا تهدد أرواح السكان فقط، بل تهدد الاستثمار العقاري والسياحي في المدينة، التي طالما كانت مركزًا جاذبًا للثروات والأنشطة التجارية، انهيار الثقة في سلامة البنية التحتية يعني هروبًا محتملاً للاستثمارات، وكسادًا لأسواق العقارات، وانخفاضًا حادًا في أسعار الأراضي الساحلية.
اقرأ أيضًا:
الإسكندرية في قلب العاصفة.. ساعة من الرعب تهز عروس البحر المتوسط
الأرصاد الجوية تكشف لـ"إيجي إن" أسباب العاصفة في محافظة الإسكندرية
مخاطر التمويل والتأمين
تداعيات التغير المناخي تمتد أيضًا إلى القطاع المالي. شركات التأمين ستجد نفسها مضطرة لإعادة تسعير المخاطر في المناطق الساحلية، أو قد تمتنع عن تغطية الأضرار في تلك المناطق بشكل كلي، هذا سيؤثر سلبًا على قدرة الدولة في جذب رؤوس الأموال للأنشطة البحرية والصناعية والزراعية في الدلتا.
وفي الوقت نفسه، ستُجبر البنوك والمؤسسات التمويلية على إعادة تقييم محافظها الاستثمارية في المناطق المعرضة للغرق، ما قد يؤدي إلى شح في التمويل وتقلص فرص التوسع الاقتصادي في الإسكندرية وشقيقاتها.

ماذا بعد؟ الخيارات الصعبة تطرق الأبواب
مع تسارع الظواهر المناخية، وظهور دلائل مقلقة على مستوى البنية التحتية والكتلة السكانية، تبدو الحاجة ملحة إلى استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد، من أبرز الخيارات المطروحة:
- الاستثمار في الحواجز والسدود الساحلية.
- إعادة توطين تدريجي للأسر في المناطق المنخفضة.
- إعادة تصميم المدن الساحلية باستخدام الهندسة المناخية المرنة.
- تحفيز المشاريع الزراعية في مناطق أكثر أمانًا جنوبًا.
- وضع مخططات تأمين واستجابة سريعة للكوارث المناخية.
الغرق ليس خرافة بل واقع اقتصادي يوشك على الحدوث
ما يحدث في الإسكندرية ليس إلا إنذارًا مبكرًا، التغير المناخي لم يعد تهديدًا بيئيًا فقط، بل أصبح مشكلة اقتصادية حادة ستقلب توازنات الموارد، والعمالة، والاستثمار، والتنمية، إن التقاعس عن الاستعداد لهذه الأزمة قد يُغرق مصر لا في البحر فقط، بل في ركود اقتصادي من نوع جديد يصعب التعافي منه.
Short Url
قطاع التشييد، حصان أسود يدفع عجلة النمو السعودية لاقتصاد ما بعد النفط
03 يونيو 2025 11:22 ص
في إطار تحسين أمن الطاقة، القطاع الخاص في صدارة مشروعات تغويز الغاز في مصر
02 يونيو 2025 02:36 م
بين الدبلوماسية والتجارة، سويسرا توازن المخاطر في ظل التصعيد الأمريكي
02 يونيو 2025 02:08 م


أكثر الكلمات انتشاراً