الثلاثاء، 20 مايو 2025

12:54 ص

من النفط إلى الخوارزميات، الخليج يراهن على الهيمنة الرقمية في العقد المقبل

الإثنين، 19 مايو 2025 01:55 م

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الخليج

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الخليج

تحليل/ ميرنا البكري

في خطوة تقول الكثير عن تحولات السياسة والاقتصاد في العالم، فتحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الباب أمام السعودية والإمارات لشراء رقائق الذكاء الاصطناعي من "إنفيديا" و"AMD"، رغم إن الحكاية كانت في الماضي محكومة بقيود صارمة، ويعتبر هذا القرار ليس تقني فقط، بل له أبعاد اقتصادية وجيوسياسية ضخمة، ويعطي إشارات قوية عن شكل المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن سيملك مفاتيح المستقبل.

المملكة تبدو مستعدة للاستثمار بقوة في الذكاء الاصطناعي - Claps
استثمار المملكة في الذكاء الاصطناعي

أمريكا تفتح الباب، تراجع تكتيكي أم خطة طويلة

قديمًا، كانت القيود التي فرضها بايدن جزء من سياسة أشمل لكبح جماح الصين، ومنع وصول تكنولوجيا حساسة مثل الذكاء الاصطناعي لدول قد تكون وسيط أو حليف غير مضمون. لكن ترامب قرر يعدل الاتجاه، وبدأ يسمح بتصدير الرقائق لدول "غنية بالنفط" مثل السعودية والإمارات، بشرط إنها تظل تحت المظلة الأمريكية. وهذا ليس  مجرد "تصدير رقائق"، بل اعتراف ضمني إن المنطقة أصبحت لاعب أساسي في ساحة الذكاء الاصطناعي.

من المتوقع إذا استمرت هذه السياسة، أن نواجه تحالفات تكنولوجية جديدة تقودها واشنطن في الخليج، بهدف خلق شبكة نفوذ مضادة للصين.

اقرأ ايضًا: رقائق الذكاء الاصطناعي تعيد رسم ملامح التجارة العالمية

 الذكاء الاصطناعي السيادي، السعودية والإمارات يبنوا المستقبل

الموضوع ليس مجرد سباق على الرقائق، بل سباق على بناء “سيادة رقمية”، حيث أطلقت السعودية "هيوماين"، مشروع طموح يستهدف تأسيس بنية تحتية عملاقة للذكاء الاصطناعي. وتستثمر مليارات، وتدخل في شراكات مع أمازون، سيسكو، وشركات أخرى ضخمة. الإمارات أيضًا تسابق الزمن، وتتجه لاستيراد مليون رقاقة من "إنفيديا"، وتقسمها على شركات محلية مثل "G24".

وبالتالي يعكس ذلك دخول منطقة الخليج رسميًا مرحلة التحول من مستورد للتكنولوجيا إلى "حاضن تكنولوجي". هذا يعني أن الخليج لا يسعى فقط إلى الاستهلاك، بل يطمح أيضًا إلى الإنتاج والريادة.

واشنطن تربح، لكن بحذر

تعطي الصفقات الضخمة التي أعلنت عنها إدارة ترامب (من تكنولوجيا لأسلحة لطائرات) دفعة كبيرة للاقتصاد الأمريكي، وتخلق فرص تصدير غير تقليدية. لكن هناك أيضًا أصوات داخل الكونجرس تعترض، خصوصًا على العلاقة بين بعض الشركات الإماراتية وشركات صينية مثل "هواوي".

الأهم إن أمريكا تراهن على إنها تظل المورد الأساسي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المنطقة، لكي تضمن السيطرة، لكن ذلك الرهان غير مضمون على المدى الطويل في حالة حدوث تقلبات سياسية أو تحالفات جديدة مع الصين.

ترامب يحل بالسعودية في جولة خليجية تحمل رهانات اقتصادية كبرى
التعاون بين ترامب والخليج

الخليج يدخل سباق الذكاء الاصطناعي،من النفط إلى الخوارزميات

السعودية والإمارات يرون إن الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية، لكنه "فرصة تاريخية" لفك الارتباط بالبترول كمصدر دخل رئيسي. الرقائق أسعارها مرتفعة؟ نعم. البنية التحتية مكلفة؟ للغاية. لكن الذي يمتلك تمويل ضخم وطاقة رخيصة مثل الخليج، يستطيع بناء مراكز بيانات جبارة، وتصنيع ميزة تنافسية في أقل من عقد.

والنتيجة؟ إن المنطقة قد تصبح مركز ذكاء اصطناعي عالمي خلال 5 إلى 10 سنوات، وتدخل في منافسة مباشرة مع أوروبا وجنوب شرق آسيا.

اقرأ أيضًا: ترامب: الإمارات تبدأ في استثمار 1.4 تريليون دولار في أمريكا

طائرة «إف 15» وقلادة من الذهب الخالص، كيف استقبلت دول الخليج ترامب؟

 الشركات الأمريكية، اللاعب الخفي في المعادلة

"إنفيديا"، "AMD"، و"أمازون" يرون إن أي قيود على الصادرات تجعلهم يخسروا أسواق واعدة، وتفتح الباب أمام "هواوي" ومنافسين آخرين، حيث ضغطت هذه الشركات بكل قوتها لكي تعود للتصدير، وموقفها قوي لأنها فعليًا تتحكم في التكنولوجيا نفسها.

الصراع الحقيقي ليس فقط بين الدول، لكن بين الشركات الكبرى، وكل شركة تحاول تضمن موطئ قدم في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.

توقعات الذكاء الاصطناعي، الخليج في سباق مع الزمن للهيمنة الرقمية

الخليج سيصبح مركز عالمي للذكاء الاصطناعي: إذا استمر الخليج في استثماراته الضخمة في الذكاء الاصطناعي، سنرى في 5 إلى 10 سنوات وجود مركز ضخم في المنطقة يتنافس مع أكبر الأسواق العالمية مثل أوروبا وجنوب شرق آسيا.

تحولات جيوسياسية جديدة: أمريكا تسعى لتكوين تحالفات استراتيجية في المنطقة مع دول الخليج، لكي تضمن سيطرتها على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. مما يخلق توازن جديد في القوة بين الدول الكبرى.

الذكاء الاصطناعي يصبح أداة سيادة رقمية: السعودية والإمارات لن يرغبوا بأن يكونوا مستهلكين للتكنولوجيا، لكنهم يهدفوا إلى بناء تكنولوجيا محلية وإنشاء مراكز بيانات ضخمة. مما يسمح لهم بالتحكم في المستقبل الرقمي.

أمريكا لن تُسلم بسهولة: رغم التعاون، أمريكا ستستمر في الضغط على دول الخليج لضمان أن التكنولوجيا تظل تحت سيطرتها، خصوصًا مع خوفها من التقارب بين دول الخليج والصين.

شركات كبيرة ستكون محرك رئيسي: شركات مثل "إنفيديا" و"AMD" ستلعب دور كبير في اللعبة، لأنها لن توفر الرقائق، بل ستحدد مسار المنافسة. إذا تم فرض أي قيود ، ستضغط هذه الشركات للعودة للأسواق التي فتحتها أمريكا.

تكاليف البنية التحتية ستكون عالية لكن مع الوقت ستقل: رغم تكلفة إنشاء مراكز البيانات والبنية التحتية، الخليج لديه التمويل الكافي والطاقة الرخيصة لكي يبني ميزة تنافسية على المدى الطويل.

التحولات ليس في الخليج فقط، المنافسة تكون عالمية: الخليج لن يتوقف عند مرحلة استهلاك التكنولوجيا، بل سيدخل بقوة في المنافسة العالمية على الذكاء الاصطناعي، وبالتالي تلعب المنطقة دور كبير في سباق التطوير.

مستقبل مبني على الخوارزميات وليس النفط: الخليج لن يستمر في الاعتماد على النفط كمصدر دخل، لكن سيتجه بشكل متزايد للذكاء الاصطناعي، الذي يصبح مصدر دخل رئيسي في المستقبل القريب.

ختامًا، ما يحدث حاليًا في السعودية والإمارات هو أكثر من مجرد صفقات رقائق، بل إعادة رسم لخريطة النفوذ التكنولوجي، وإشارة واضحة إن الذكاء الاصطناعي أصبح الساحة الجديدة التي تتحدد فيها القوة بين الدول. 

وكل ما المنطقة تستثمر أكثر، كل ما ستكون رقعة للصراع والفرص أكبر.

وإذا استمرت الاستثمارات بهذا الشكل، الخليج لن يكون مركز بيانات عالمي فحسب، بل قد نرى نماذج ذكاء اصطناعي محلية تنافس النماذج العالمية خلال أقل من عقد. الولايات المتحدة تكسب حاليًا،  والصين في المرصاد، والخليج هو أرض المعركة.

Short Url

showcase
showcase
search