الأحد، 04 مايو 2025

10:17 م

يقال في الأزمات تُصنع الثروات.. فمن سيرث الزعامة الاقتصادية؟

الأحد، 04 مايو 2025 07:34 م

صراع القوى العالمية

صراع القوى العالمية

كتب/ كريم قنديل

يقال في الأزمات تُصنع الثروات، وهذه المقولة لم تعد مجرد حكمة تناقلتها الأجيال، بل أصبحت واقعًا معاشًا نراه يتجسد خلف كواليس عالم يتغير بوتيرة متسارعة، حيث كانت جائحة كورونا، بمثابة الحرب العالمية الثالثة، ولكن بوسائل جديدة.

فلطالما بدأت الحروب الكبرى من أزمات اقتصادية تَغلي في الخفاء، حتى يشعل حدث واحد فتيل الانفجار، واليوم نحن أمام مشهدٍ عالميٍ يعيد تشكيل نفسه، ويتمثل في الرسوم الجمركية، وحرب تجارية تلوح بالأفق، وتُطرح فيه أسئلة كبرى: من سينجو؟ ومن سيربح السباق؟

جائحة كورونا 

العولمة تحت المجهر

الأزمة لم تكن وليدة لحظتها، إنما كانت النتيجة الطبيعية لممارسات طالما تغنّى بها العالم، مثل العولمة وحرية تنقل الأفراد والبضائع، والتي تعد شعارات براقة أفرزت مع الوقت مشكلات حقيقية، من نزيف للعقول من قبل الدول الفقيرة إلى الغنية، وهروب المصانع من الدول المتقدمة إلى الأرخص تكلفة، وبين الهجرات الشرعية وغير الشرعية، ووجد المواطن في دولته الأصلية نفسه، يصارع الوافد على لقمة العيش.

واليوم، تبدو العولمة كمن يتحسس رقبته أمام مقصلة الواقع، فأزمة كورونا، جاءت كذريعة مثالية لجماعات كانت أصواتها ترتفع خافتة تدعو للانكفاء الوطني وحماية الداخل، وفي السياق، بدأت الدول تعيد هندسة سياساتها الاقتصادية، فيما يشبه معسكرات مغلقة، وتحالفات جديدة تعيد رسم الخريطة العالمية.

الصين

 

الصين، من الرقم 2 إلى القائد الأول

وعلى الضفة الأخرى، تواصل الصين الشعبية مسيرتها بثبات، حيث استطاعت احتواء الفيروس سريعًا، مستأنفة أنشطتها الصناعية بلا ارتباك يذكر، بينما كانت العواصم الغربية، تتخبط بين الإغلاق والانكماش، واليوم، تتجه الأنظار إلى بكين، لا باعتبارها كمجرد مصنع للعالم، بل كقائد اقتصادي قادم، يقف ندًا بند ومنافسًا قويًا يتبجح  بحضور القوة الأميركية.

ونحن الآن، بصدد حدوث انقلاب في موازين القوى العالمية من الغرب إلى الشرق، حيث تصيغ الصين، قصة نجاحها بذكاء، بينما الغرب ينشغل بجراحه المفتوحة.

دول الخليج، فرص في مهب الريح

ووسط هذا التحول، تقف دول الخليج العربي أمام فرصة نادرة، بعد أن تجاوزت صدمة 2008م، حيث تبدو اليوم في وضع يسمح لها بالتحرر من التبعية المالية التقليدية، في ظل صعود الصين كأكبر مستثمر وشريك استراتيجي، فالاتفاقيات الضخمة، والتي وقعتها السعودية مؤخرًا مع الصين، مثل الاتفاق الطبي البالغ نحو مليار ريال سعودي، ليست مجرد صفقات عابرة، بل تمهيدًا لشراكة طويلة الأجل، قد تضمن لنفط الخليج، سوقًا مستقرة لعقود.

وفي المقابل، تعاني شركات النفط الأمريكية من أزمة وجودية، وسط تخمة مخزونات وكساد أسعار، حتى بات المنتجون، يعرضون النفط بلا مشترين.

التجارة العالمية

 

التجارة العالمية تتغير، ومن لا يواكب يخسر

النظام التجاري الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، والقائم على حرية الأسواق وانسياب السلع بلا قيود، بات اليوم يخضع لمراجعة جذرية، فالتجارب الأخيرة، أظهرت أن الاعتماد الكلي على سلاسل توريد عالمية، فقد يكون نقطة ضعف لا قوة. 

ولذا، تتجه الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، إلى إعادة توطين للصناعات الاستراتيجية داخل حدودها، حتى لو كان الثمن اقتصاديًا باهظًا في البداية، وهذا التحول العميق، قد يعيد رسم خريطة التجارة العالمية لعقود قادمة.

 

الذهب الرقمي والنقود السيادية

وفي خضم هذا التغيير، يظهر عنصر آخر لا يقل أهمية، تتمثل في التحولات المالية الكبرى، فمع تراجع الثقة بالأنظمة النقدية التقليدية، تسارع دول مثل الصين، إلى تطوير عملات رقمية سيادية مدعومة من البنوك المركزية، كوسيلة لفرض هيمنة مالية جديدة بعيدًا عن قبضة الدولار الأمريكي. 

وهذه الاستراتيجية، قد تؤسس لاقتصاد عالمي موازٍ، حيث تكون السيطرة على البيانات والمعاملات، أهم من السيطرة على الذهب أو النفط.

التحالفات الاقتصادية

 

عصر التحالفات الذكية

وتبدو التحالفات الذكية، هي كلمة السر لعالم ما بعد الأزمة، حيث لم يعد الانتماء الجغرافي، هو ما يحدد التحالفات، بل المصالح المشتركة، من هنا، تظهر فرصًا لدول الخليج، ليس فقط كمنتج طاقة، بل كمركز استثماري وتجاري محوري بين الشرق والغرب. 

والمستقبل سيكافئ من يستطيع بناء شبكة تحالفات اقتصادية ذكية، تستند إلى التنوع والمرونة، لا إلى الولاءات القديمة أو الاتفاقات التقليدية.

الرهان الحقيقي على المواطن لا على الأرقام

ورغم إشراق بعض المؤشرات الاقتصادية، يبقى التحدي الأكبر لدول الخليج في كيفية إدارة هذه الطفرة، وهل ستستثمر الموارد بحكمة، عبر بناء الإنسان قبل الحجر؟ كما هل ستعيد هيكلة اقتصادها بالشراكة مع مواطنيها، وليس فقط عبر ضخ أرقام في ميزانيات الشركات؟

العالم اليوم يشبه سفينة تبحر وسط عاصفة عاتية، ومصيرنا جميعًا يتوقف على من يمسك بدفة القيادة بحكمة، ومن يكتفي بالركض خلف الأمواج.

Short Url

search