الأحد، 04 مايو 2025

06:07 ص

الصين تُقيّم العروض الأمريكية بحذر: لا تفاوض دون احترام وتنازلات متبادلة

الجمعة، 02 مايو 2025 02:37 م

الصين وأمريكا

الصين وأمريكا

تحليل/ كريم قنديل

في مشهد يعيدنا إلى سنوات التوتر والضجيج التجاري بين العملاقين الاقتصاديين، عادت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى صدارة المشهد العالمي، ولكن هذه المرة بنغمة جديدة. 

الصين وأمريكا

فبينما كانت واشنطن سابقًا ترفع سيف الرسوم الجمركية بلا هوادة، ها هي اليوم تُبادر بإرسال عروض تجارية إلى بكين عبر جهات معنية، بحسب ما نقلته وزارة الخارجية الصينية.

التحرك الأمريكي المفاجئ يكشف عن تحوّل في استراتيجية واشنطن، بعد سنوات من التصعيد وفرض الرسوم الأحادية، يبدو أن الإدارة الأمريكية سواء بقيادة ترامب أو لاحقًا من سيخلفه باتت أكثر ميلًا إلى إعادة فتح قنوات التفاوض، لكن تحت عنوان "الصفقات لا الحروب". 

فهل ما نشهده هو بداية نهاية الحرب التجارية؟ أم مجرد هدنة تكتيكية في معركة النفوذ الاقتصادي العالمي؟

خلفية التوتر: عندما أشعلت واشنطن شرارة الحرب الجمركية

تعود جذور الأزمة إلى عام 2018، عندما قررت إدارة ترامب شن حملة شرسة ضد الصين عبر فرض رسوم جمركية ضخمة على مئات السلع الصينية، في محاولة للضغط على بكين لتغيير ممارساتها التجارية، خاصة ما يتعلق بسرقة الملكية الفكرية والدعم الحكومي للشركات. 

الصين لم تصمت، وردّت بإجراءات مماثلة، لتدخل العلاقات التجارية بين البلدين في نفق مظلم تضررت فيه الأسواق العالمية، وارتبكت فيه سلاسل التوريد، وصعدت فيه النزعة الحمائية في أكثر من دولة.

اللافت أن واشنطن، التي بدأت هذا النزاع، باتت اليوم هي من تسعى للخروج منه، فلماذا الآن؟ وما الذي تغيّر؟

الحرب التجارية

واشنطن تُغيّر المسار.. لماذا؟

عدة عوامل تدفع الولايات المتحدة لتقديم عروض جديدة للصين:

الضغوط الداخلية: تعاني الولايات المتحدة من معدلات تضخم مرتفعة وتباطؤ اقتصادي جزئي، ما دفع العديد من الشركات الأمريكية خاصة في قطاعات التكنولوجيا والتصنيع للمطالبة بإعادة النظر في الرسوم التي تضر بسلاسل الإمداد وتزيد من تكلفة الإنتاج.

التحديات الجيوسياسية: مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، والحرب المستمرة في أوكرانيا، وسعي واشنطن لتعزيز تحالفاتها في المحيطين الهادئ والهندي، أصبحت الحاجة إلى تهدئة الجبهة الاقتصادية مع الصين أكثر إلحاحًا لتجنب تشتيت الجهود.

الانتخابات الأمريكية القادمة: أي تهدئة اقتصادية قد تُحسَب لصالح الإدارة الأمريكية الحالية، وتُستخدم كورقة في سباق الرئاسة، خاصة إذا ارتبطت بتحسن مؤشرات الاقتصاد المحلي.

الرد الصيني.. بين الحذر والثبات

ورغم أن بكين لم ترفض المقترحات بشكل مباشر، إلا أن لهجتها كانت حاسمة: "نُقيّم المقترحات"، و"يجب أن تُظهر واشنطن صدقًا حقيقيًا"، هذا الرد لا يخلو من الرسائل السياسية، فالصين تُدرك تمامًا أنها تقف على أرضية تفاوضية أقوى من ذي قبل.

بلغة الأرقام، لم تعد الصين معتمدة على السوق الأمريكي بنفس الدرجة، بل عمّقت علاقاتها الاقتصادية مع جنوب شرق آسيا، وأفريقيا، وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات مثل الحزام والطريق التي تعزز نفوذها بعيدًا عن الضغط الغربي.

والأهم من ذلك، أن بكين أكدت مجددًا على موقفها الثابت، إذا كان الصراع محتومًا، فهي مستعدة لخوضه حتى النهاية، بمعنى آخر، لا تفاوض دون احترام، ولا اتفاق دون تنازلات متبادلة.

الأسواق العالمية

ماذا تعني هذه التطورات للأسواق العالمية؟

عودة الحديث عن المفاوضات حتى وإن كانت غير رسمية تعطي إشارات إيجابية للأسواق المالية العالمية، أي تهدئة بين أكبر اقتصادين في العالم قد تُنعش التجارة الدولية، وتقلّل من المخاوف المرتبطة باضطراب سلاسل الإمداد، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الإلكترونيات والدواء والطاقة.

لكن في المقابل، أي فشل في هذه المفاوضات سيعيد شبح التصعيد مجددًا، ما قد يؤدي إلى جولات جديدة من الرسوم الجمركية، وربما إلى انقسام حاد في النظام التجاري العالمي بين معسكرين اقتصاديين متنافسين.

هل نحن أمام مصالحة أم مناورة؟

قد تكون العروض الأمريكية محاولة صادقة لفتح صفحة جديدة مع الصين، لكنها في الوقت نفسه ليست بعيدة عن كونها مناورة دبلوماسية لتحسين صورة واشنطن أمام العالم، وربما أمام ناخبيها، في المقابل، تتعامل بكين مع الموقف ببراغماتية شديدة: لا ترحب ولا ترفض، بل تراقب وتُفاوض من موقع قوة.

الأسابيع المقبلة ستحمل الإجابة: هل تبدأ مفاوضات فعلية؟ أم نعود إلى نقطة الصفر؟

Short Url

search