الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

05:24 م

سوق غذاء القطط العالمي، كيف تحول طعام أليف منزلي إلى صناعة بمليارات الدولارات؟

الأربعاء، 17 ديسمبر 2025 01:30 م

سوق غذاء القطط العالمي

سوق غذاء القطط العالمي

في عالم تتسارع فيه التحولات الديموغرافية وأنماط الاستهلاك، لم تعد القطط مجرد حيوانات أليفة تعيش على بقايا المائدة، بل أصبحت جزءًا من معادلة اقتصادية متكاملة، تضع التغذية في قلب مفهوم الرعاية الصحية المنزلية، فسوق غذاء القطط العالمي، الذي تقدر قيمته بنحو 62.76 مليار دولار في 2025، يتجه بثبات لتجاوز 83.95 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 6%، هذه الأرقام لا تعكس فقط زيادة عدد القطط، بل تكشف تحولاً أعمق في نظرة المستهلكين، حيث بات الإنفاق على غذاء القطط أقرب إلى الإنفاق على الصحة الوقائية منه إلى الاستهلاك الاعتيادي.

من طعام أساسي إلى استثمار في الصحة

اللافت في مسار السوق أن النمو لم يعد مدفوعًا بالكميات فقط، بل بالقيمة، فغذاء القطط لم يعد منتجًا واحدًا متجانسًا، بل منظومة تشمل الأغذية الجافة والرطبة، والمكملات الغذائية، والحلوى الوظيفية، والأنظمة البيطرية العلاجية، إذ أن الفئة الأساسية، وهي الطعام، استحوذت على نحو 69.7% من إيرادات السوق في 2024، لكنها لم تعد وحدها المحرك الرئيسي. 

فالمكملات الغذائية والمنتجات الداعمة للصحة (Nutraceuticals) تسجل أسرع معدلات النمو، مع توقعات بتوسعها بمعدل 8.2% سنويًا حتى 2030، مدفوعة بانتشار مفاهيم مثل صحة الجهاز الهضمي، ودعم المفاصل، والعناية بالمسالك البولية، هذا التحول يعكس تشابهًا متزايدًا بين سلوك المستهلك في سوق غذاء القطط وسوق الأغذية الصحية للبشر، حيث تستخدم المصطلحات الطبية، وتروج الفوائد الوظيفية، ويبرر السعر المرتفع باعتباره استثمارًا في العمر الطويل وجودة الحياة.

الغذاء الجاف.. ركيزة النمو في أوقات التضخم

رغم موجة “البريميوم” التي تجتاح السوق، يظل الغذاء الجاف حجر الأساس، خصوصًا في فترات الضغوط التضخمية، فانخفاض تكلفة الحصة الواحدة، وطول فترة الصلاحية، وسهولة التخزين، كلها عوامل تجعل الغذاء الجاف الخيار الأول للأسر متعددة القطط وللأسواق الناشئة، ومع تطور تقنيات التغليف، مثل التفريغ الهوائي واستخدام النيتروجين للحفاظ على النكهة، تقلص الفارق الحسي بين الغذاء الجاف والرطب، ما عزز جاذبيته.

الشركات لم تكتفي بعامل السعر، بل استثمرت في تحسين المذاق عبر تقنيات طلاء الحبيبات بدهون الدواجن، ما رفع معدلات القبول لدى القطط، وخلق معادلة تجمع بين القيمة والطعم، وهي معادلة حاسمة في سوق يتخذ فيه الحيوان الأليف قرار القبول أو الرفض.

تحولات ديموغرافية تغير شكل الطلب

النمو القوي في سوق غذاء القطط يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات الديموغرافية، خاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا، إذ تزايد الأسر المكونة من فرد واحد، وتأخر الزواج، وارتفاع متوسط الأعمار، كلها عوامل عززت مكانة القط كرفيق دائم داخل المنزل، وتميل هذه الفئات إلى الإنفاق السخي على القطط، سواء بدافع العاطفة أو لتعويض غياب الروابط العائلية التقليدية.

كبار السن، على وجه الخصوص، يظهرون سلوكًا شرائيًا قريبًا من المستهلك، مع تفضيل واضح للأغذية الرطبة سهلة الهضم، والعبوات الصغيرة، والتركيبات المخصصة للمراحل العمرية المتقدمة للقطط، هذه الديناميكية تدفع الشركات لإعادة تصميم المنتجات، ليس فقط من حيث المكونات، بل أيضًا من حيث حجم العبوة وسهولة الاستخدام.

البريميوم.. عندما تصبح التغذية وقاية

الارتفاع المتواصل في الطلب على الأغذية الرطبة والطبيعية يعكس تحولًا فلسفيًا في مفهوم العناية بالحيوان الأليف، فنسبة متزايدة من أصحاب القطط باتوا ينظرون إلى التغذية كخط دفاع أول ضد الأمراض، لا كمجرد وسيلة للإشباع، فوائد الترطيب، ووضوح المكونات، وغياب الحبوب، كلها عناصر تستخدم لتبرير أسعار أعلى.

هذا الاتجاه فرض ضغوطًا على سلاسل الإمداد، حيث تسعى الشركات لتأمين دواجن من تربية غير محصورة وأسماك من مصادر مستدامة، مع الالتزام بقواعد التتبع والشفافية، وفي المقابل، تسابقت العلامات التجارية لتبني عبوات قابلة لإعادة التدوير، في محاولة للجمع بين الصحة والاستدامة في رسالة تسويقية واحدة.

التجارة الإلكترونية.. إعادة رسم خريطة التوزيع

ربما يكون التحول الأكبر في السوق هو صعود التجارة الإلكترونية ونماذج الاشتراك المباشر (DTC)، هذه القنوات، التي يتوقع أن تسجل أعلى معدل نمو بنحو 8.4% سنويًا، أعادت تعريف العلاقة بين المنتج والمستهلك. 

الاشتراك الشهري، والتوصيل التلقائي، والتوصيات الشخصية المبنية على البيانات، كلها عناصر جذبت جيل الألفية والجيل زد، اللذين يفضلان الراحة والرقمنة.

العلامات التجارية الناشئة استغلت هذا التحول لتجاوز قيود الرفوف التقليدية، بينما ردت الشركات الكبرى باستراتيجيات هجينة، تجمع بين التواجد القوي في المتاجر المتخصصة ومنصات إلكترونية خاصة بها، ومع تطور سلاسل التبريد والتغليف، أصبح شحن الأغذية الرطبة والمجمدة مباشرة إلى المستهلك أمرًا قابلًا للتوسع.

متاجر متخصصة.. قوة الاستشارة والمعرفة

رغم الزخم الرقمي، ما تزال المتاجر المتخصصة تستحوذ على الحصة الأكبر من المبيعات، وتلعب هذه المتاجر دورًا استشاريًا، حيث يعتمد المستهلك على خبرة البائع في اختيار البروتينات الجديدة أو الأنظمة الغذائية الخاصة. 

هذا الدور المعرفي يعزز الولاء ويمنح العلامات التجارية مساحة لشرح الفوائد الصحية، وهو ما يصعب تحقيقه عبر القنوات العامة، في المقابل، تتراجع حصة السوبرماركت في فئة المنتجات البريميوم بسبب محدودية المساحة، بينما تحافظ على دورها في المنتجات الاقتصادية. أما متاجر الراحة، فتجد فرصتها في العبوات الفردية التي تلائم نمط الحياة السريع في المدن الكبرى.

أمريكا الشمالية تقود.. والجنوب الأمريكي الأسرع نموًا

جغرافيًا، تظل أمريكا الشمالية السوق الأكبر، بحصة تتجاوز 40% من القيمة العالمية، ارتفاع الإنفاق لكل قطة، والانتشار الواسع للاشتراكات، والتبني المبكر للمنتجات الطبيعية، كلها عوامل تفسر هذه الهيمنة، لكن المفاجأة الحقيقية تأتي من أمريكا الجنوبية، التي تسجل أسرع معدل نمو بنحو 8.2%.

البرازيل، على وجه الخصوص، تجمع بين وفرة البروتين المحلي وتحسن البنية اللوجستية، ما سمح بتوسيع توزيع الأغذية المبردة والرطبة، في المقابل، تشهد آسيا والمحيط الهادئ نموًا تدريجيًا، تقوده الصين مع انتقال الأسر الحضرية من بقايا الطعام إلى الأنظمة الغذائية المتكاملة، فيما تركز اليابان وأستراليا على الابتكار والجودة.

ضغوط التكلفة.. الوجه الآخر للنمو

ورغم الصورة الإيجابية، لا يخلو السوق من التحديات. تقلب أسعار اللحوم والأسماك، نتيجة الأوبئة أو القيود البيئية، يضغط على الهوامش، خاصة لدى الشركات الصغيرة، كذلك، تشديد القواعد التنظيمية الخاصة بالملصقات وسلامة الغذاء يرفع تكاليف الامتثال، ما يزيد حواجز الدخول.

التضخم يلعب دورًا مزدوجًا، فهو يدعم الطلب على الغذاء الجاف منخفض التكلفة، لكنه يحد من قدرة بعض المستهلكين على الاستمرار في شراء المنتجات البريميوم، ما يدفع الشركات إلى ابتكار حلول وسط، مثل العبوات الأصغر وبرامج الولاء.

منافسة محتدمة وسباق نحو الابتكار

يتميز السوق بتركيز متوسط، تهيمن عليه شركات عالمية كبرى تمتلك محافظ متعددة من العلامات التجارية، وتمتد من المنتجات الاقتصادية إلى الأنظمة البيطرية العلاجية. 

هذه الشركات تعتمد على الاستحواذات والتكنولوجيا للحفاظ على موقعها، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي لتخصيص التركيبات الغذائية، في المقابل، تنافسها علامات متخصصة تركز على المكونات المحدودة أو الوصفات المستوحاة من التغذية الخام، مستفيدة من السرد القصصي الرقمي لتقليل تكاليف التسويق وبناء هوية قوية.

سوق يتغذى على التحولات الاجتماعية

سوق غذاء القطط ليس مجرد انعكاس لزيادة عدد الحيوانات الأليفة، بل مرآة لتحولات اجتماعية واقتصادية أوسع، من تغير بنية الأسرة، إلى صعود الاقتصاد الرقمي، إلى إعادة تعريف مفهوم الصحة والوقاية، كلها عوامل اجتمعت لتدفع هذا القطاع نحو نمو مستدام، وبينما تتجه القيمة السوقية نحو 84 مليار دولار بحلول 2030، يبدو أن غذاء القطط سيظل أحد أكثر القطاعات قدرة على تحويل العاطفة الإنسانية إلى معادلة اقتصادية رابحة.

اقرأ أيضًا:

اقتصاد بـ 4 أرجل.. سوق الإنفاق على الحيوانات الأليفة يسجل مليارات الدولارات

مصر تستورد طعام الكلاب والقطط بـ 350 مليون دولار سنويًا

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search