الذكاء الاصطناعي يكشف مرض هشاشة العظام قبل ظهور أي أعراض

الجمعة، 12 ديسمبر 2025 01:10 ص

الذكاء الاصطناعي

لم يعد التصوير المقطعي مجرّد فحص يُجرى لالتقاط مشكلات طارئة في الصدر أو البطن وينتهي به الحال في ملفات الأرشيف، وهذه الصور التي ظلّت لسنوات خارج دائرة الاستخدام التشخيصي لهشاشة العظام، تحوّلت اليوم إلى منجم معلومات طبي بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي باتت قادرة على قراءة ما تعجز عنه العين البشرية.

وفي دراسة حديثة نشرها مركز لانجون هيلث بجامعة نيويورك، قام فريق بحثي بإعادة تحليل أكثر من 538 ألف فحص مقطعي تعود إلى 283 ألف مريض، مستخدمين نموذج ذكاء اصطناعي مهيأ لقراءة الفقرات الصدرية والقطنية، والمفاجأة أن البرنامج تمكن من التقاط إشارات دقيقة لضعف العظام في صور لم يكن هدفها من الأصل فحص الكسور أو هشاشة العظام.

وتكشف النتائج أن فحصًا قد يجريه المريض قبل عام أو عامين يمكن أن يحمل تنبيهًا مبكرًا لم يُلتفت إليه، وتعد تلك فكرة تقلب المفهوم التقليدي للتشخيص؛ فالصورة الطبية لم تعد لحظة تُلتقط ثم تُنسى، بل ملفًا حيًا يمكن الرجوع إليه مرارًا كلما تطورت أدوات التحليل.

وأشار الباحثون إلى أن عددًا كبيرًا من المصابين بهشاشة العظام لاحقًا، كانت لديهم علامات واضحة في فحوص قديمة، لكنها مرّت دون ملاحظة، وليس لأن الأطباء أهملوا، ولكن لأن البشر – مهما بلغت خبراتهم – لا يمكنهم مراجعة آلاف الطبقات الصورية كما تفعل الخوارزميات.

ويشرح البروفسور مايكل ريخت، رئيس قسم الأشعة بالمركز، أن التقنية الجديدة تغيّر جذريًا طريقة التعامل مع السجلات الطبية، مؤكدًا نحن لا نكتشف هشاشة العظام فقط، بل نعيد قراءة التاريخ الصحي للمريض، وكل فحص قديم يمكن أن يصبح فرصة لإنقاذ صحة شخص ما دون الحاجة إلى إجراء فحوص جديدة أو إنفاق إضافي».

وتكتسب الدراسة أهمية خاصة للمنطقة العربية، إذ تُظهر الإحصاءات أن امرأة من كل ثلاث فوق الخمسين ورجلًا من كل خمسة يصابون بهشاشة العظام، وغالبية الحالات لا تُكتشف إلا بعد الكسر الأول، ولكن لو تمكنت أنظمة الصحة من إعادة تحليل فحوص المرضى المخزنة في أرشيفها، فقد يحصل المريض على رسالة تحذيرية مبكرة: «عظامك تضعف تدخّل الآن قبل الألم».

وتمهد هذه التجربة لبداية مرحلة جديدة في الطب، يمكن خلالها إعادة فحص صور الأشعة السينية، والرنين المغناطيسي، والسونار، والتصوير المقطعي كل عام آليًا، للبحث عن أي علامات مبكرة للسرطان، وأمراض القلب، وهشاشة العظام، أو أمراض الأعصاب.

ويبقى السؤال الأخلاقي والتطبيقي، هل يستطيع القطاع الطبي في العالم التعامل مع هذا التغيير؟ فبينما يكشف الذكاء الاصطناعي ما تختزنه الصور القديمة من دلائل على الأمراض، فإنه يكشف أيضًا محدودية الأنظمة التقليدية التي لا تستفيد من الثروة المعلوماتية داخل أرشيفها الطبي، وهكذا، يعيد الاكتشاف الجديد تعريف العلاقة بين الطبيب والصورة؛ فالأخيرة لم تعد وثيقة منسية، بل ذاكرة صحية متجددة تُقرأ باستمرار لتمنح المرضى مستقبلًا أكثر أمانًا.