الخميس، 11 ديسمبر 2025

01:09 ص

المواد الخام بين الصين وأمريكا اللاتينية، من الملك المتربع على عرش التجارة؟

الأربعاء، 10 ديسمبر 2025 11:35 م

علاقة الصين مع دول أمريكا اللاتينية

علاقة الصين مع دول أمريكا اللاتينية

على مدار العقدين الماضيين، تحولت علاقة الصين مع دول أمريكا اللاتينية والكاريبي إلى واحدة من أكثر العلاقات الاقتصادية ديناميكية على مستوى العالم. 

لكن عام 2024 تحديدًا، حمل إشارات أكثر وضوحًا عن مستقبل هذه الشراكة، توسع صيني في القطاعات المستقبلية كالطاقات المتجددة والمعادن الحيوية للانتقال الطاقي، مقابل استمرار اعتماد القارة على تصدير المواد الأولية منخفضة القيمة المضافة. 

هذا التباين وإن بدا للوهلة الأولى مجرد انحراف طبيعي لمسار التجارة، يحمل في جذوره معضلة اقتصادية وسياسية قد تحدد شكل العلاقة في السنوات المقبلة.

الاقتصاد الصيني

لا يكتفي تقرير “النشرة الاقتصادية للعلاقات بين الصين وأمريكا اللاتينية والكاريبي 2025”، الصادر عن الباحثين ريبيكا راي وإنريكي دوسيل بيترز برصد الأرقام، بل يقدم خريطة دقيقة لمسار العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، في وقت باتت فيه البيانات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي الصيني الخارجي غير متاحة بسهولة. 

ومن خلال تحليل ما ورد في التقرير، يمكن فهم أعمق لتحولات بنية التجارة والاستثمار والتمويل، وكيف تؤثر هذه التحولات على اقتصادات المنطقة وقدرتها على تحقيق تنمية مستدامة.

تجارة غير متوازنة وعجز يتفاقم

في عام 2024، انخفضت صادرات أمريكا اللاتينية إلى الصين لتصل إلى 190.9 مليار دولار، بينما ارتفعت الصادرات الصينية إلى المنطقة إلى 286.7 مليار دولار. 

النتيجة كانت تسجيل أكبر عجز تجاري للمنطقة مع الصين بنسبة 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس اتساع الفجوة بين ما تقدمه المنطقة للصين وما تستورده منها.

ورغم أن الصين أصبحت تمثل 13% من صادرات المنطقة و22% من وارداتها، إلا أن طبيعة هذه التجارة تكشف اختلالًا هيكليًا مستمرًا، الصادرات اللاتينية إلى الصين ما تزال تعتمد على المواد الخام، وغالبًا غير المعالجة، والأهم أن هذه الهيمنة ليست فقط ثابتة، بل في ازدياد.

المواد الخام.. الملك المتربع على عرش التجارة

من بين أبرز ملاحظات التقرير أن صادرات المنطقة من النحاس الخام ارتفعت بينما تراجعت صادرات النحاس المكرر، هذا التحول يفسر حالة الاعتماد على تصدير السلع الأولية دون تطوير عمليات التصنيع والتكرير محليًا، ما يحرم الاقتصادات من قيمة مضافة كانت ستزيد عائداتها التشغيلية وتزيد تنويعها الاقتصادي.

كما صعدت اللحوم المجمدة وخاصة لحوم الأبقار، لتصبح خامس أهم سلعة تصدرها المنطقة إلى الصين، متفوقة على النحاس المكرر. 

وهذا مؤشر إضافي على أن الصين تستورد ما تحتاجه من غذاء ومعادن خام، بينما تبقى القيمة الصناعية محصورة داخل الاقتصاد الصيني.

الصادرات الصينية

طفرة في العقود الإنشائية الصينية وتحول نحو البنية التحتية للنقل

واحدة من أكثر النقاط اللافتة في التقرير هي الزيادة الكبيرة في مشاركة الشركات الصينية في مشاريع البنية التحتية بالمنطقة، حيث ارتفعت هذه المشاركة بنسبة تفوق 50% خلال السنوات الخمس الأخيرة مقارنة بالسنوات الخمس السابقة.

لكن اللافت أكثر هو تغير طبيعة المشاريع: كانت المشاريع الصينية في المنطقة تتركز تاريخيًا في قطاع الطاقة، غير أن السنوات الأخيرة شهدت انتقالًا واضحًا نحو البنية التحتية للنقل (طرق، جسور، سكك حديد)، في خطوة تعكس الاهتمام الصيني بتسهيل حركة السلع والمواد الخام وتطوير قنوات النقل الاستراتيجية.

استثمارات صينية أبطأ ولكن أكثر استراتيجية

رغم تباطؤ الاستثمار الصيني المباشر في الخارج (OFDI) قليلًا بين 2020 و2024، فإن نوعية الاستثمارات تحولت بشكل لافت:

  • تضاعفت الاستثمارات الصينية في معادن الانتقال الطاقي مثل الليثيوم والنحاس والكوبالت.
  • ارتفعت الاستثمارات في الطاقة المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية) بأكثر من 50%.

وفي قطاع السيارات، صارت أغلب الاستثمارات موجهة لإنتاج السيارات الكهربائية أو الهجينة، بدلًا من الاعتماد على محركات الاحتراق التقليدية.

هذه التحولات تشير بوضوح إلى أن الصين ترى في أمريكا اللاتينية موردًا أساسيًا للمعادن الحيوية لسلاسل إنتاج البطاريات والشبكات الكهربائية، وتراها كذلك سوقًا واعدة لصناعة السيارات الكهربائية.

بنك التنمية الصيني

عودة التمويل التنموي ولكن بصيغة جديدة

بعد سنوات من التراجع، سجل التمويل التنموي السيادي الصيني عبر البنكين الرئيسيين، بنك التنمية الصيني (CDB) وبنك التصدير والاستيراد (CHEXIM) ارتفاعًا ليصل إلى 2.8 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ خمس سنوات. 

ومع أنه لا يقارن بذروة التمويل قبل عقد، إلا أنه يعكس عودة الاهتمام الصيني تدريجيًا.

لكن الأهم من القيمة هو تغير الوجهة، منذ 2020، ذهبت معظم القروض الصينية إلى القطاع المالي والمؤسسات المالية الوطنية وخاصة في البرازيل، بدلًا من تمويل مشاريع محددة كالسدود أو الطرق.

الصين الآن تفضل تمويل البنوك التنموية المحلية، وترك مهمة اختيار المشاريع وإدارتها لهذه المؤسسات، هذا التحول يجعل الصين أقل انخراطًا في تفاصيل التنفيذ وأكثر حضورًا على المستوى المالي الكلي.

علاقة تتمحور حول الاستدامة ومشحونة بالتوترات التجارية

رغم التعاون المتزايد في مجالات الطاقة النظيفة والمعادن الخضراء، تواجه علاقة الصين والمنطقة تحديات متنامية:

التركيز على عدد قليل جدًا من السلع يجعل اقتصادات المنطقة عرضة للصدمات، سواء في الأسعار العالمية أو في تحولات الطلب الصيني.

الصراعات البيئية خاصة في التعدين، قد تتصاعد مع توسع الطلب الصيني على الليثيوم وغيره من المعادن الحيوية.

تصاعد التوتر التجاري في قطاعات مثل اللحوم والحبوب والمعادن ظهر جليًا خلال الأعوام الأخيرة، مع اتهامات بوجود ممارسات احتكارية أو إغراق.

لكن التقرير يلفت إلى أن الجانب الإيجابي هو أن الاستدامة أصبحت محورًا أساسيًا في تحديد مسارات التعاون، خصوصًا في قطاعات الزراعة والطاقة النظيفة وسلاسل القيمة للسيارات الكهربائية. .

والسؤال الحقيقي هو، هل ستنجح الحكومات على ضفتي المحيط الهادئ في إدارة هذا التحول بطريقة تحقق التنمية للطرفين، دون أن تقع المنطقة مرة أخرى في فخ الاعتماد على تصدير المواد الخام؟

العلاقة بين الصين وأمريكا اللاتينية

مستقبل العلاقة.. بين الفرص الكبرى والهشاشة البنيوية

ما يوضحه التقرير بجلاء هو أن العلاقة بين الصين وأمريكا اللاتينية ليست مجرد علاقة تجارية أو مالية عابرة، بل علاقة استراتيجية تعيد تشكيل الاقتصادات اللاتينية.

الصين اليوم ليست فقط أكبر مشتري للمواد الخام في القارة، بل لاعب رئيسي في صناعات المستقبل من البطاريات إلى السيارات الكهربائية، وفي الوقت نفسه مزود رئيسي للبنية التحتية والتمويل.

لكن هذه القوة الهائلة يمكن أن تكون سلاحًا ذا حدين، فبينما تفتح الأبواب أمام فرص هائلة للنمو والتحول الاقتصادي، فإن استمرار اعتماد أمريكا اللاتينية على صادرات منخفضة القيمة يهدد مستقبلها التنموي، ويجعلها أكثر عرضة للتقلبات.

عام 2025 وما بعده سيكون اختبارًا لعقلانية الطرفين: هل سيستغلان الفرص لبناء شراكة متوازنة ومستدامة؟ أم ستبقى العلاقة محكومة بمعادلة “المواد الخام مقابل السلع المصنعة”، بما يعيد إنتاج نمط قديم من التبعية الاقتصادية؟

المعادلة الآن واضحة، تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة يعتمد على قدرة قادة الجانبين على صياغة نموذج جديد للتعاون، نموذج لا يكتفي بتبادل السلع، بل يخلق قيمة، ينمي المعرفة، ويعزز القدرة الصناعية داخل المنطقة نفسها.

اقرأ أيضًا:

سلاسل التوريد والصناعة تهدد مستقبل الارتباط بين الصين وأوروبا

3.1 تريليون دولار بحلول 2030.. الصين تتحول إلى أذكى سوق تجزئة في العالم

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search