الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025

07:20 م

خفض الفائدة يضع الاقتصاد الأمريكي داخل مربع النار

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025 05:00 م

الاقتصاد الأمريكي

الاقتصاد الأمريكي

في الوقت الذي رحب فيه كثيرون بخفض الفائدة الأمريكية على أنه خطوة لإنعاش الاقتصاد المتباطئ، يذهب محللون واقتصاديون إلى أن هذه الخطوة ليست سوى مسكن قصير الأجل، قد يخفف الألم مؤقتًا، لكنه لا يعالج أصل الداء، فالأزمة التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي اليوم تتجاوز حدود السياسة النقدية، وتغوص في عمق بنية الإنتاج والاستهلاك والدين العام، وسط مشهد سياسي وتجاري مضطرب، يبقي البلاد عالقة في ما بات يعرف بـ «مربع النار الاقتصادي».

الاقتصاد الأمريكي

مربع النار الاقتصادي.. تشابك أربع أزمات لا حل لها بأداة واحدة

يطلق على الوضع الحالي تعبير "مربع النار"، حيث تتقاطع أربع أزمات رئيسية تشعل كل منها الأخرى:

1. النمو الضعيف

2. التضخم المرتفع

3. الدين العام المتضخم

4. السياسات التجارية المتوترة

كل محاولة لإطفاء ضلع من هذه الأضلاع تؤدي إلى اشتعال الآخر، فخفض الفائدة لتحفيز النمو قد يلهب التضخم، ورفعها للسيطرة على الأسعار يزيد كلفة الدين ويبطئ الإنتاج، إنها معادلة صفرية يعيشها الاقتصاد الأمريكي منذ سنوات.

نمو ضعيف وثقة تتآكل

تشير بيانات 2025 إلى أن الاقتصاد الأمريكي يفقد زخمه تدريجيًا، فالناتج المحلي نما بنسبة 1.6% فقط في الربع الثاني، مقارنة بـ 2.9% في العام السابق، بينما ارتفعت البطالة إلى 4.3%، وبطالة الشباب إلى 8.5%.

بينما تراجعت مؤشرات النقل والشحن الصناعي هي الأخرى، كما هبطت ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوياتها منذ 2022، في ظل تقلص أوامر السلع الجديدة وانكماش مؤشرات مديري المشتريات الصناعية دون مستوى النمو (48.7 نقطة)، في الظروف الطبيعية، يستدعي هذا المشهد خفض الفائدة لتحفيز الاقتراض والاستثمار، غير أن الواقع الحالي أكثر تعقيدًا، فكل خفض للفائدة يفتح الباب أمام ديون جديدة وفقاعات استهلاكية تزيد من هشاشة الاقتصاد بدل إنعاشه.

التضخم الأمريكي

تضخم مرتفع بلا استجابة للعلاج التقليدي

رغم التشديد النقدي السابق، لا يزال التضخم الأمريكي عصيًا على الانخفاض، فقد بلغ 3% في آخر قراءة، مرتفعًا للشهر الخامس على التوالي، ليبقى فوق المستوى المستهدف (2%) لمدة 54 شهرًا متتالية، النتيجة كانت تآكل القوة الشرائية للأسر، وتراجع مؤشرات شراء السيارات والمنازل والسلع المعمرة إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. العلاج التقليدي، أي رفع الفائدة أدى إلى تراجع الاستهلاك وزيادة كلفة الاقتراض، لكنه لم يوقف موجة الأسعار، والسبب أن التضخم لم يعد مجرد ظاهرة نقدية، بل أصبح هيكليًا تغذيه اضطرابات سلاسل التوريد، والسياسات التجارية المتشددة، والديون المتفاقمة.

اقرأ أيضًا:

الاقتصاد الأمريكي ينتظر الحكم، بين خسارة المليارات أو ترسيخ سلطة الرئيس

جبل الدين الأمريكي.. أزمة تتسارع

تقف الولايات المتحدة اليوم على أكبر جبل ديون في تاريخها الحديث، أكثر من 38 تريليون دولار دين حكومي، و18.4 تريليون ديون أسر، ليصل الإجمالي إلى نحو 100 تريليون دولار تشمل الحكومة والأسر والشركات، أي ما يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي.

تستهلك خدمة الدين وحدها 23 سنتًا من كل دولار تجبيه الخزانة الأمريكية، أي أكثر من موازنة الدفاع نفسها، ومع كل خفض للفائدة، تتراجع جاذبية الدولار وتزداد الضغوط على الموازنة الفدرالية. النتيجة: إذا لجأت الحكومة للتقشف، يتراجع النمو ويتفاقم الركود، وإذا لجأت للتحفيز بالاقتراض، يتضخم الدين وتتراجع الثقة في العملة، وهكذا يدور الاقتصاد الأمريكي في دائرة مغلقة من العجز والاعتماد على الدين.

السياسات التجارية

السياسات التجارية.. وقود إضافي لمربع النار

التوتر التجاري مع الصين وشركاء آخرين زاد من تعقيد المعادلة، والتعريفات الجمركية الجديدة رفعت تكاليف الإنتاج والواردات، فارتفعت الأسعار النهائية، وازداد الضغط على المستهلكين، في المقابل تقلصت أرباح الشركات وفرص التوظيف، ما أضعف النمو وأبقى التضخم مرتفعًا، وبذلك، أصبحت التجارة الخارجية الضلع الرابع في مربع النار، تغذي أضلاع النمو والتضخم والدين في آنٍ واحد.

انقسام سياسي وتوترات جيوسياسية تزيد الطين بلة

الانقسام داخل الكونجرس، واقتراب الانتخابات، والسياسات التصادمية للرئيس دونالد ترامب مع الخارج، كلها عوامل تغذي حالة عدم اليقين وتحد من قدرة صانع القرار على تنفيذ إصلاحات هيكلية. تضاف إلى ذلك توترات جيوسياسية تجعل الأسواق أكثر تقلبًا، وتضعف ثقة المستثمرين في استقرار البيئة الأمريكية، ما يعمق هشاشة الدولار ويقيد مرونة الاقتصاد.

اقرأ أيضًا:

الفيدرالي الأمريكي يخفض الفائدة للمرة الثانية وسط تباطؤ سوق العمل وضبابية البيانات الحكومية

أزمة اجتماعية موازية.. طبقة وسطى تتآكل

وراء الأرقام الصماء، تتكشف أزمة اجتماعية حقيقية، فبينما تتضاعف ثروات الأعلى دخلًا، تعيش الطبقة الوسطى على القروض وبطاقات الائتمان لتغطية احتياجاتها الأساسية، وأكثر من 60% من الأمريكيين لا يملكون مدخرات تتجاوز 1000 دولار، وديون بطاقات الائتمان تجاوزت 1.2 تريليون دولار، فيما يعاني نحو 47 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بهذا، تتحول الأزمة الاقتصادية إلى قنبلة اجتماعية موقوتة تهدد الاستقرار الداخلي في المدى المتوسط.

الدولار 

الدولار يفقد بريقه

في الماضي، كان الدولار مرادفًا للثقة والاستقرار، أما اليوم، فصار مرآة لهشاشة الاقتصاد الأمريكي، ارتفاع الدين وتراجع النمو واضطراب السياسة جعلت الأسواق تنظر إلى العملة الأمريكية بحذر غير مسبوق، رغم بقائها العملة الاحتياطية الأولى في العالم، كل تأجيل للإصلاح البنيوي يعني تآكلًا تدريجيًا في مكانة الدولار، حتى وإن ظلت قرارات الفائدة مؤقتًا قادرة على تأجيل الانحدار.

اقرأ أيضًا:

بين الحذر والضرورة، هل يواصل الفيدرالي الأمريكي خفض الفائدة رغم ضغوط الإغلاق الحكومي؟

خفض الفائدة.. استراحة مؤقتة لا أكثر

إن خفض الفائدة لا يمثل علاجًا للأزمة الأمريكية، بل مجرد تأجيل للألم الحقيقي، فالاقتصاد لا يعاني نقصًا في السيولة، بل سوء توجيه في استخدامه.

الأموال تتدفق إلى الاستهلاك والائتمان، لا إلى الإنتاج والاستثمار والابتكار، والإصلاح المطلوب، إذن، ليس نقديًا بل هيكليًا، من إعادة توجيه الإنفاق العام نحو البنية الصناعية والابتكار، وتعزيز الإنتاجية وتقليص الاعتماد على الدين، إضافة إلى دعم الطبقة الوسطى واستعادة التوازن الاجتماعي، واستعادة الانفتاح الاقتصادي الذي كان ركيزة الحلم الأمريكي، فمن دون هذه الخطوات، ستبقى أمريكا تسير على خيط دقيق فوق نار من التناقضات، داخل مربع يزداد اشتعالًا كلما تأخر الإصلاح.

خفض الفائدة قد يمنح الأسواق استراحة قصيرة، لكنه لا يبدل المسار، والتناقض بين النمو والتضخم والدين يجعل الاقتصاد الأمريكي أسير معادلة مستحيلة الحل بالوسائل التقليدية.

الدولار 

إصلاحات إنتاجية وهيكلية

يكمن الحل في إصلاحات إنتاجية وهيكلية، لا في سياسات نقدية مؤقتة، واستمرار الوضع الحالي يهدد قوة الدولار ومكانة أمريكا في النظام الاقتصادي العالمي، ويكمن الحل في إصلاحات إنتاجية وهيكلية، لا في سياسات نقدية مؤقتة، واستمرار الوضع الحالي يهدد قوة الدولار ومكانة أمريكا في النظام الاقتصادي العالمي.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search