الخميس، 30 أكتوبر 2025

10:34 م

من راديو العشرينيات إلى الجيل الخامس (5G)، كيف تحولت السيارة إلى "منصة بيانات وترفيه"؟

الخميس، 30 أكتوبر 2025 03:00 م

ترددات الجيل الخامس داخل السيارة

ترددات الجيل الخامس داخل السيارة

لم يكن أحد يتخيل أن تلك الصناديق المعدنية البسيطة التي كانت تنقل الموجات الصوتية في عشرينيات القرن الماضي، ستصبح بعد قرن واحد محور تنافس عالمي شرس يجمع بين شركات صناعة السيارات، وتكنولوجيا الاتصالات، ومزودي الخدمات الرقمية.

إن التطور من مجرد جهاز راديو ترفيهي إلى تقنيات الجيل الخامس (5G) لم يكن مجرد رحلة تقنية، بل يمثل تحولًا اقتصاديًا عميقًا، ويعكس هذا التطور كيف غير الاتصال الرقمي مفهوم السيارة نفسها، التي لم تعد مجرد وسيلة نقل، بل تحولت إلى منصة بيانات، وترفيه، وإعلان متكاملة تدر المليارات.

الترفيه داخل السيارة

الراديو.. أول اقتصاد للمحتوى داخل المقصورة

في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، عندما أطلقت شركة جالڤن مانوفاكتشرينج أول راديو للسيارات تحت اسم “موتورولا”، كان الهدف ترفيهيًا بحتًا، لكن سريعًا ما أدركت الشركات والمعلنون أن هذا الجهاز فتح سوقًا جديدة بالكامل: إعلانات تبث على الطرق السريعة، وأخبار عاجلة، وموسيقى تروج للفنانين بمعنى آخر، ولادة اقتصاد الصوت المتحرك.

وخلال الخمسينيات، كانت مبيعات أجهزة الراديو للسيارات تقدر بملايين الدولارات سنويًا، وأصبحت المحطات الإذاعية جزءًا من النظام التجاري الأمريكي، تغذيها إعلانات الوقود والإطارات والفنادق والمطاعم، ما حول السيارة إلى قناة استهلاكية متنقلة.

الكاسيت والـCD.. بداية الخصخصة الموسيقية

مع ظهور الكاسيت في السبعينيات، حدث تحول آخر، المستخدم أصبح المنتج والمستهلك في الوقت نفسه، فلم يعد السائق يعتمد على بث خارجي، بل يختار بنفسه موسيقاه المفضلة، وبهذا، تغيرت المعادلة الاقتصادية.

أصبح دخل الشركات يعتمد على مبيعات الأشرطة والأقراص المدمجة، لا على بث الإعلانات، كما شهدت تلك الفترة صعود شركات التسجيل والإنتاج الموسيقي التي وجدت في السيارات سوقًا ضخمة إذ تجاوزت مبيعات أجهزة التسجيل والسي دي في التسعينيات أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا عالميًا، لكن هذا الازدهار انتهى فجأة مع قدوم الإنترنت، ولم تعد الموسيقى سلعة مادية تباع، بل أصبحت خدمة رقمية تبث من السحابة، تمولها الاشتراكات أو الإعلانات الرقمية.

ترددات الجيل الخامس داخل السيارات

البلوتوث والاتصال الذكي.. ولادة منصة رقمية على العجلات

منذ مطلع الألفية، ومع دخول البلوتوث وواجهات الـUSB، تحولت السيارة إلى امتداد للهاتف الذكي، أنظمة مثل Apple CarPlay وAndroid Auto أعادت تعريف العلاقة بين شركات السيارات وشركات التكنولوجيا. الترفيه لم يعد دار من داخل السيارة فقط، بل من خارجها عبر التطبيقات، والاشتراكات، والبيانات، وبهذا دخلنا مرحلة جديدة من الاقتصاد الرقمي:

  • التحكم في البيانات الشخصية للسائق أصبح ثروة.
  • التطبيقات الترفيهية مثل Spotify وYouTube Music تنافس على الظهور في شاشة السيارة.
  • شركات السيارات باتت تتقاضى اشتراكات شهرية لتفعيل مزايا مثل أنظمة الصوت أو التدفئة أو القيادة الذاتية الجزئية.

إنها اقتصاد المقصورة الجديد، حيث لا يباع المنتج مرة واحدة، بل يحول إلى خدمة مستمرة تحقق تدفقات نقدية دائمة.

اقرأ أيضًا:

العاصفة تضرب "جيب"، كيف تحولت أيقونة أمريكا إلى ضحية التحولات المربكة؟

الإنترنت والجيل الخامس.. من الترفيه إلى البيانات

اليوم، مع شبكات الجيل الخامس (5G)، دخلت السيارات مرحلة اتصال مستمر أسرع من أي وقت مضى، لكن الأهمية الاقتصادية لا تكمن فقط في السرعة، بل في القيمة المضافة للبيانات، فكل دقيقة يقضيها السائق داخل سيارته المتصلة تولد بيانات يمكن تحليلها وبيعها:

  • موقع السائق وسلوك قيادته.
  • نوع الموسيقى التي يفضلها.
  • حتى حالته المزاجية من خلال نبرة صوته أو اختياراته الترفيهية.

هذه البيانات تشكل الآن سوقًا تقدرها المؤسسات الاستشارية بأكثر من 400 مليار دولار سنويًا بحلول 2030، تتنافس عليها شركات السيارات، ومزودو المحتوى، وشركات الإعلانات الرقمية، وحتى مزودو خدمات التأمين.

الإعلانات الرقمية

صناعة جديدة.. الترفيه كخدمة داخل السيارة

المنافسة اليوم لم تعد بين شركات السيارات فقط، بل بين منظومات اقتصادية كاملة، تسلا مثلاً، لا تبيع سيارات فحسب، بل تقدم مكتبة ترفيهية مدفوعة تشمل Netflix وSpotify داخل المقصورة، بينما مرسيدس وبي إم دبليو أطلقتا متاجر رقمية لشراء تطبيقات موسيقية أو ألعاب عبر شاشة القيادة، حتى أمازون دخلت السوق بمساعدها الصوتي “أليكسا” لربط السيارة بالمنزل الذكي. بكلمات أخرى، أصبح المقعد الأمامي أشبه بمنصة بث رقمي متحرك تمتزج فيها الموسيقى والملاحة والإعلانات الموجهة ضمن منظومة اقتصادية قائمة على الاشتراكات الدقيقة والذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضًا:

المضمار تحول لمنصة تسويق، الاستثمار في سباقات السيارات بحثًا عن الجماهير

الذكاء الاصطناعي يغير الترفيه ويخلق اقتصادًا شخصيًا

الجيل القادم من أنظمة الترفيه لن يكتفي بتشغيل ما تطلبه، بل سيعرف ما تريد قبل أن تطلبه، ومن خلال تحليل أنماط القيادة والمزاج، يمكن للنظام أن يقترح موسيقى هادئة عند الازدحام، أو بثًا إخباريًا عند الصباح، أو حتى إعلانًا لمقهى قريب عندما تنخفض طاقتك.

هذا يعني أن الإعلان نفسه سيتحول إلى خدمة مخصصة، وأن اقتصاد الترفيه داخل السيارة سيصبح أكثر دقة وذكاءً وربحية من أي وقت مضى، فالسيارة لم تعد وسيلة نقل فقط، بل وسيلة استهلاك وتفاعل رقمية، تربط السائق بالعالم الخارجي بطريقة آنية وديناميكية.

التقدم التكنولوجي في السيارات

الجانب الاقتصادي الأكبر.. من ملكية إلى اشتراك

كل هذا التطور يعيد صياغة مفهوم الاقتصاد داخل صناعة السيارات، ففي المستقبل القريب، لن يشتري المستهلك السيارة لامتلاكها، بل للاشتراك في خدماتها الرقمية من الملاحة إلى الترفيه إلى التحديثات البرمجية.

ووفق تقديرات “ماكنزي”، ستشكل الخدمات الرقمية داخل المركبات ما بين 20 و30% من أرباح شركات السيارات بحلول 2030، بعد أن كانت لا تتجاوز 5% اليوم.

الترفيه يعيد تعريف السيارة

من صوت مذيع عبر موجة AM إلى شاشة تفاعلية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، قطعت صناعة الترفيه داخل السيارات رحلة مذهلة امتدت قرنًا من الزمن، لكن الأهم من التطور التقني هو التحول الاقتصادي خلفه: لقد أصبحت السيارة منصة تكنولوجية متصلة تدر أرباحًا مستمرة، وتعيد رسم العلاقة بين الصناعة والمستهلك والإعلان.

في عصر الجيل الخامس، لم يعد الترفيه مجرد متعة جانبية على الطريق بل أصبح قلب النمو الاقتصادي لصناعة السيارات الرقمية، وجواز عبورها نحو المستقبل الذكي الذي تتقاطع فيه البيانات، والاتصال، والموسيقى، والذكاء الصناعي في مقصورة واحدة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search