الفكاهة المصطنعة.. اقتصاد الكوميديا في عصر خوارزميات الـ Ai
الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 09:21 ص
الذكاء الاصطناعي يلقي دعابة
لم يعد سؤال هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مضحكًا؟ ترفًا فلسفيًا أو نقاشًا أكاديميًا هامشيًا، بل تحول إلى قضية تمس صميم الاقتصاد الرقمي الجديد، ففي وقت تتوسع فيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي من خدمة العملاء إلى العلاج النفسي، ومن المساعدات الشخصية إلى الرفقة الرقمية، يصبح فهم الدعابة وليس مجرد توليد نكت عنصرًا اقتصاديًا حاسمًا في مدى قبول البشر لهذه التقنيات واستعدادهم للدفع مقابلها.

قبل سنوات قليلة، كان الإجماع العلمي يقول إن النكتة آخر حدود الذكاء الاصطناعي، فالدعابة تتطلب فهمًا للسياق، ووعيًا بالمعايير الاجتماعية، وقدرة على اللعب بالمعنى دون الوقوع في الإساءة، لكن التطورات السريعة في نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) بدأت تقوض هذا الافتراض، تجربة “Witscript”، التي طورت أداة قادرة على كتابة نكت تنافس كتاب الكوميديا المحترفين، ليست مجرد قصة طريفة، بل مؤشر اقتصادي على اتساع قدرات الذكاء الاصطناعي في مجالات كانت حكرًا على الإبداع البشري.
الضحك كقيمة مضافة في الاقتصاد الرقمي
الدعابة ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة، الشركات لا تسعى إلى جعل الذكاء الاصطناعي مضحكًا من باب الترف، وإنما لأنه يعزز التفاعل، ويبني الثقة، ويزيد زمن الاستخدام، وهي كلها مؤشرات ترتبط مباشرة بالإيرادات، في عالم تعتمد فيه النماذج الرقمية على الاشتراكات والبيانات، فإن القدرة على خلق تجربة إنسانية دافئة ولو عبر نكتة خفيفة قد تكون الفارق بين منتج يُستخدم يوميًا وآخر يُهجر بسرعة.
هذا يفسر الاهتمام المتزايد بجعل المساعدات الذكية أقل جمودًا وأكثر طبيعية، فحين يلجأ شخص إلى روبوت دردشة للدعم النفسي أو للفضفضة، فإن ردًا ساخرًا في توقيت خاطئ قد يكون كارثيًا، بينما دعابة خفيفة في لحظة مناسبة قد تعزز الشعور بالفهم والتعاطف، هنا، تتحول الدعابة من مهارة لغوية إلى عنصر من عناصر إدارة المخاطر.
من كتابة النكت إلى فهم النوايا
رغم نجاح بعض النماذج في توليد نكت تضحك الجمهور، يشدد الباحثون على وجود فجوة كبيرة بين إنتاج الضحك وتوظيف الدعابة كما يفعل البشر، فالإنسان يستخدم النكتة لاختبار الحدود الاجتماعية، أو لتخفيف التوتر، أو لإيصال رسالة مبطنة، أو حتى للتهرب من موقف محرج، هذه الوظائف الاجتماعية للدعابة تجعلها أداة تواصل معقدة، وليست مجرد لعبة لغوية قائمة على التلاعب بالكلمات.
هذه الفجوة تمثل تكلفة خفية، فالنموذج الذي لا يفهم النية قد يسيء التقدير، ويقع في محتوى نمطي أو مسيء، ما يعرض الشركات لمخاطر السمعة والدعاوى القانونية، ومع اتساع استخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق، والتعليم، والعلاج، يصبح الخطأ في قراءة النكتة أكثر كلفة من مجرد فشل تقني.

تحيزات الضحك مشكلة سوقية
الدراسات التي تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي، عند محاولة جعل الأشياء أكثر مرحًا، يعزز صورًا نمطية عن السمنة أو الإعاقة أو التقدم في السن، تفتح بابًا مهمًا للنقاش الاقتصادي حول التحيز، فالنكتة المنحازة ليست فقط مشكلة أخلاقية، بل تهديد مباشر لقيمة العلامة التجارية، الشركات التي تعتمد على محتوى مولد آليًا دون رقابة قد تجد نفسها تنفر شرائح واسعة من الجمهور، وتخسر ثقة السوق.
من هذا المنظور، تصبح الدعابة سلاحًا ذا حدين: يمكن أن تعزز الارتباط العاطفي بالمنتج، أو أن تفجر أزمة علاقات عامة. لذلك، فإن الاستثمار في حوكمة الدعابة أي الإشراف البشري، والتدقيق الثقافي، وفهم السياق قد يكون ضرورة اقتصادية لا تقل أهمية عن تحسين الخوارزميات نفسها.
هل يكفي التقليد دون الإحساس؟
أحد الأسئلة الجوهرية التي يطرحها هذا الجدل هو: هل يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى الإحساس بالنكتة كي ينتجها؟، من منظور السوق، الإجابة البراجماتية قد تكون “لا”، فالمستخدم يهتم بالنتيجة، لا بالنية، إذا كانت النكتة مضحكة، فقد لا يهمه إن كان من كتبها يشعر بالضحك أم لا.
لكن المشكلة تظهر في التفاعل طويل الأمد، فالدعابة البشرية ليست ثابتة، بل تتغير حسب العلاقة والسياق والزمن، ما يضحكك اليوم قد يزعجك غدًا، وهنا، يبرز حد الذكاء الاصطناعي، فهو يقلد الأنماط، لكنه لا يختبر التغير العاطفي ولا يملك حاجة اجتماعية تدفعه لاستخدام الدعابة بحذر أو جرأة.
اقتصاد النكتة لم يُحسم بعد
نجاح الذكاء الاصطناعي في كتابة نكت جيدة يثبت أن الضحك لم يعد حكرًا على البشر من حيث الإنتاج، لكنه لا يعني أن الآلات فهمت الدعابة بمعناها الإنساني العميق، هذا يعني أن الدعابة ستظل عنصرًا يحتاج إلى تدخل بشري، سواء في التوجيه أو التقييم أو التصحيح.
في المدى القصير، ستستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي كمساعد كوميدي يعزز المحتوى ويخفف حدة التواصل، أما في المدى الطويل، فسيظل السؤال مفتوحًا: هل يكفي أن تضحكنا الآلة، أم أننا نحتاج أن نفهم لماذا تضحك؟، وحتى يُحسم هذا السؤال، سيبقى الضحك أحد أكثر مجالات الذكاء الاصطناعي ربحية، وأكثرها حساسية في الوقت نفسه.
اقرأ أيضًا:
اقتصاد ما بعد الذكاء الاصطناعي، ثورة في الإنتاج وإعادة تعريف الثروة
الذكاء الاصطناعي يكشف مرض هشاشة العظام قبل ظهور أي أعراض
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
الذكاء الاصطناعي يغزو المطبخ، تحول اقتصادي يعيد تعريف دور أخصائي التغذية في 2026
16 ديسمبر 2025 12:00 م
قفزة «أمريكولد» قبل الكريسماس، هل يعكس صعود السهم تحسنًا حقيقيًا أم نشوة موسمية عابرة؟
15 ديسمبر 2025 01:00 م
لماذا لا تزال الروبوتات عاجزة عن طيّ الملابس؟
15 ديسمبر 2025 09:03 ص
أكثر الكلمات انتشاراً