لعبة موازين القوى، العوامل الخفية وراء أسعار الذهب القياسية
الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025 03:00 م

العوامل الخفية وراء أسعار الذهب القياسية
نفيسه محمود
تحول الذهب من مجرد رمز للثراء إلى أحد الأعمدة الأساسية في النظام المالي العالمي، وفي ظل الارتفاعات القياسية والمخيفة لأسعاره مؤخرًا، أصبح من الضروري فهم العوامل المعقدة التي تحرك هذا المعدن النفيس، خاصة للمستثمرين والأفراد.
وبسبب طبيعة الذهب وخصائصه الفريدة تجعله ملاذًا آمنًا ووسيلة قوية لمقاومة معدلات التضخم المتغيرة، على عكس العملات النقدية والأسهم التي تفقد قيمتها، وفي الأوضاع الراهنة، حيث يشهد الدولار هبوطًا وتصاعدًا في معدلات التضخم وتوترات التجارة العالمية، يظل بريق الذهب هو الوحيد الذي يلمع بأسعاره الخيالية، مما يبرهن على قدرته على الحفاظ على الثروة في أوقات الاضطراب.

العرض والطلب، حساسية الأسعار لاهتزازات السوق
كما هو الحال في أي سلعة قابلة للتداول، يظل قانون العرض والطلب هو العامل الأول والأكثر تأثيرًا على أسعار الذهب، ومع تراجع احتياطي الذهب الموجود في الأرض، ووفقًا لآخر تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي، فإن المعروض الجديد من الذهب يتناقص سنويًا. هذا التراجع في الإنتاج يجعل أسعار الذهب حساسة جدًا لأي ارتفاع في مستويات الطلب، وهو ما يفسر التقلبات الحادة التي يشهدها السوق.
البنوك المركزية والدول الكبرى، سباق التخزين والتخلي عن الدولار
تلعب قرارات السياسة النقدية للبنوك المركزية دورًا محوريًا في تحريك أسعار الذهب، حيث تمتلك هذه البنوك خُمس إجمالي الذهب الموجود في العالم، وتتجه البنوك والدول بشكل متزايد نحو زيادة احتياطاتها من الذهب والتخلص من العملات النقدية، وفي مقدمتها الدولار الأمريكي كما تفعل الصين حاليًا. هذا التوجه يقوم على مبدأين أساسيين:
ـ التحوط ضد التضخم: نظرًا لأن الكمية المحدودة من الذهب تساعد في الحفاظ على قيمته، فإنه يوفر وسيلة آمنة ضد التضخم الذي يفقد العملات النقدية قيمتها الشرائية بمرور الوقت، بدلًا من الاحتفاظ بعملات تتآكل قيمتها، تتحوط المؤسسات والأفراد بالذهب الذي يحمي الثروة وتزداد قيمته غالبًا مع مرور الوقت.
ـ أصل آمن لتسوية الديون: يعتبر الذهب أصلًا آمنًا عالي السيولة يمكن للبنوك من خلاله تسوية ديونها أو تحويله إلى نقد في أي وقت دون خسائر كبيرة. وفي حالات أزمات السيولة أو ضغوط العملات النقدية، يمكن للبنوك بيع جزء من احتياطاتها الذهبية لدعم عملاتها وشراء المزيد منها.

الذهب، ميزة استثنائية في المخاطر
يصف الخبراء الذهب بأنه يتمتع بميزة “انعدام مخاطر الطرف المقابل”، هذا المفهوم يعني أن قيمة الذهب مستقلة بذاتها ولا تعتمد على قدرة طرف معين (مثل حكومة أو بنك) على الوفاء بوعوده، على عكس الأصول الأخرى؛ فقيمة السندات الحكومية تعتمد على قدرة الحكومة على السداد، وقيمة الودائع البنكية تعتمد على استقرار البنك، وقيمة العملات الأجنبية ترتبط بالأداء الاقتصادي، فامتلاك الذهب يعني أن قيمته محمية ولا تتأثر بتعثر أي طرف خارجي.
لعبة موازين القوى
بما أن الذهب يُسعّر بالدولار الأمريكي، فإن هناك علاقة عكسية واضحة بين قيمة الذهب وقيمة الدولار، فإذا انخفض الدولار، ازداد الطلب على الذهب وارتفع سعره، والعكس صحيح، وتطبق الآلية ذاتها على أسعار الفائدة؛ عندما تنخفض أسعار الفائدة، يتجه المستثمرون لشراء الذهب لارتفاع ربحيته مقارنة بالعائد البنكي، فيرتفع سعره.
وتبرز قوة الذهب في أوقات التضخم المرتفع مقابل ما يُعرف بـ “الفائدة الحقيقية السلبية”، ولحساب الفائدة الحقيقية، يتم طرح معدل التضخم من سعر الفائدة المُعلن، فإذا أعلن البنك سعر فائدة 10% وكان التضخم 9%، تكون الفائدة الحقيقية 1%، مما يجعل الاستثمار في الذهب أكثر ربحية من وضع الأموال في حسابات بنكية. ومع خسارة العملات الأجنبية لقوتها الشرائية، يصبح الذهب هو الملاذ الآمن والمربح.
ارتفاع الذهب رغم انخفاض التضخم، استجابة لـ “عدم اليقين”
على الرغم من العلاقة التقليدية، لوحظ استمرار الذهب في الصعود خلال فترات انخفض فيها معدل التضخم في السنوات الأخيرة. هذا الصعود الاستثنائي يُعزى إلى زيادة الطلب المرتبطة بحالة "عدم اليقين" في المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي، فعلى سبيل المثال، دفعت الحرب التجارية بين الصين وأمريكا وتداعيات جائحة كورونا المستثمرين إلى تأمين أنفسهم باللجوء إلى الذهب بغض النظر عن مستويات أسعار الفائدة أو التضخم.

الطلب الاستثماري والأسواق الاستهلاكية، قوى صاعدة ومستقرة
الطلب الاستثماري؛ يلعب تزايد الطلب من الصناديق المشتركة وصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) دورًا متصاعدًا في أسعار الذهب. فعند شراء أسهم هذه الصناديق، تضطر هي لزيادة مخزونها من الذهب الفعلي لدعم أسهمها، مما يخلق علاقة مباشرة بين تدفقات هذه الصناديق والطلب على الذهب، وفي الربع الأول من عام 2025، كان حجم استحواذ صندوقي SPDR Gold Shares ETF (GLD) و GLDM وحدهما حوالي 31.6 مليون أونصة من الذهب، بقيمة تناهز 90 مليار دولار.
سوق المجوهرات؛ يظل طلب سوق المجوهرات عاملًا مستقرًا ومؤثرًا، حيث يستهلك هذا القطاع وحده ما يقرب من 50% من كمية الذهب المستهلكة سنويًا، ويظهر هذا التأثير بقوة في أسواق مثل الهند والصين بسبب العادات والتقاليد الثقافية التي تتعامل مع الذهب كوسيلة للادخار والزينة، بينما تستخدم القطاعات الصناعية كميات أقل بكثير مقارنة بقطاع المجوهرات.
اقرأ أيضًا:
كيف تستفيد مصر من صعود سعر الذهب؟ خبير يكشف لـ«إيجي إن»
محمد العريان: وصول الذهب لمستويات قياسية يثير القلق
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
بين الحلم والحقيقة، لماذا لم تتحقق السيارات النووية حتى الآن؟
21 أكتوبر 2025 03:00 م
تداعيات الإغلاق الأمريكي على سوق الإسكان، قروض متوقفة ومخاطر تمتد إلى البنوك
20 أكتوبر 2025 03:53 م
لماذا أصبح الذكاء الاصطناعي شرطًا للبقاء في سوق صناعة المنتجات الاستهلاكية؟
20 أكتوبر 2025 03:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً