الإثنين، 20 أكتوبر 2025

09:38 م

من المهندسين إلى العاصمة الإدارية، إعلانات الطرق دفتر أحوال مصر الاقتصادية والاجتماعية

الإثنين، 20 أكتوبر 2025 02:04 م

اللوحات الإعلانية

اللوحات الإعلانية

من شوارع القاهرة إلى تخوم المدن الجديدة، تتحول اللوحات الإعلانية من مجرد أدوات ترويجية إلى دفتر أحوال اقتصادي واجتماعي يسجل تحولات السوق المصرية وصعود طبقات واختفاء أخرى، في بلد أصبح يتنفس الاستهلاك وسط زحام التحول الرقمي والعمراني.

على امتداد الطريق الدائري، من مشارف المعادي حتى بوابات الشيخ زايد، تتوالى المشاهد، عائلة سعيدة في كمباوند فاخر، وشاب أنيق يقود سيارة ألمانية، وسيدة تحمل هاتفًا ذكيًا تلمع شاشته بإعلان شركة اتصالات، ليست مجرد صور، بل علامات على خريطة متغيرة، تُرسم فيها ملامح الثروة والطلب والأسواق الصاعدة.

منذ سنوات، لم تعد إعلانات الطرق في مصر مجرد مظلة للمنتجات، بل أصبحت بوصلة حقيقية تقرأ منها الشركات والمؤسسات أين تتحرك الطبقة المتوسطة؟، ومن يقود قاطرة الاستهلاك؟، وأين يتدفق رأس المال؟.

 اللوحات الإعلانية

المدن القديمة تفقد مكانتها.. وزايد والعاصمة الإدارية تتصدران

في السابق، كان يُشار إلى أحياء مثل المهندسين والدقي والعجوزة على أنها معاقل الطبقة الراقية، ونقاط ارتكاز إعلاني لا تنازع، واليوم، تغير المشهد، وتظهر البيانات أن تلك المناطق فقدت جاذبيتها الإعلانية نسبيًا، لصالح تجمعات عمرانية جديدة مثل الشيخ زايد والقاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية، إذ يتركز صعود الطبقة المتوسطة الجديدة، وتبنى خرائط الاستهلاك الحديثة.

بحسب تقرير آدمزاد، ارتفع حجم الإنفاق على إعلانات الطرق من 4.2 مليار جنيه في 2023 إلى 6.3 مليار في 2024، بمعدل نمو تجاوز 53%، ليبلغ 7.7 مليار جنيه خلال الشهور التسعة الأولى من 2025، ويصاحب هذا التوسع ارتفاع في عدد المعلنين من 1397 إلى 1718 خلال عام واحد، ربعهم من الوافدين الجدد على السوق في دلالة واضحة على اتساع قاعدتها واحتدام المنافسة.

إعلانات الطريق الدائري

الاستهلاك يقود النمو

اللافت أن تلك القفزة لا ترتبط فقط بزيادة الإعلانات، بل بنمو نوعي في أدواتها، فالتحول نحو الإعلانات الرقمية (DOOH) غير قواعد اللعبة، عبر استهداف أكثر دقة، وقياس لحظي لفعالية الحملات، مما جعل من الطرق السريعة والمناطق ذات الكثافة المرورية العالية مسارح رئيسية لهذا السباق البصري.

ويظل قطاع العقارات المحرك الأكبر لصناعة الإعلان، مستحوذًا على 60% من إجمالي الإنفاق في 2024، بزيادة 85% عن العام السابق، في انعكاس مباشر لزخم المشروعات العقارية في المدن الجديدة، ولعطش السوق إلى منتجات سكنية تناسب تطلعات طبقة متوسطة تتغير ملامحها، ويأتي بعده قطاع السيارات الذي سجل طفرة بزيادة 155% في الإنفاق الإعلاني، يليه الخدمات المالية، ثم الأجهزة المنزلية التي فاجأت السوق بنمو قياسي بلغ 243% في 2024.

اقرأ أيضًا:

"المصريين أوت دور" تحصل على مساحات إعلانية في أكتوبر وزايد والتجمع الخامس

الطريق الدائري نجم المشهد

تظهر ملامح المشهد بوضوح على الأرض، فالطريق الدائري يسجل أعلى نسبة إشغال للوحات الإعلانية بنسبة 94%، يليه أكتوبر وزايد بـ91%، ما يعكس تنقل مراكز الثقل العمراني والديموغرافي من قلب القاهرة إلى أطرافها، وهذا دليل على تشكل بيئة عمرانية جديدة، بطرق أوسع، وبنية تحتية حديثة، ومساحات مفتوحة تلائم الطموحات الجديدة للنخب الصاعدة.

بالمقابل، تسجل مناطق مثل المعادي والمهندسين والعجوزة تراجعًا نسبيًا، في مؤشر على تقادمها العمراني وابتعادها عن مراكز الجذب الاقتصادي الحديثة.

 اللوحات الإعلانية

الإعلان مرآة الاقتصاد.. والشارع منصة تحليل

يرى خبراء أن هذا النمو المتسارع في الإعلانات يعكس حالة من التعافي الاقتصادي المدفوع بالاستهلاك، رغم التحديات التضخمية وارتفاع كلفة المعيشة، فكل لوحة على الطريق تحكي قصة عرض وطلب، وتحرك رأس المال نحو حيث يوجد جمهور أكثر قدرة على الشراء.

وفي ظل دخول أدوات تحليل رقمي متقدمة، أصبحت إعلانات الطرق في مصر وسيلة تحليل اقتصادي دقيقة، لا تقل أهمية عن البورصة أو تقارير البنوك، ويقول عاصم ميمن، المدير التنفيذي لشركة "آدمزاد"، إن الصناعة تمر بتحول نوعي، لا كمي فقط، مع إدخال 1500 لوحة جديدة و95 موقعًا رقميًا في 2025 وحدها، مما يعكس توجه السوق نحو الإعلانات المبرمجة والبيانات الحية.

اقرأ أيضًا:

"مدبولي" يبحث مع وزير الإسكان تنفيذ الضوابط الخاصة بإعلانات الطرق

مواسم استهلاك وحراك اجتماعي

يمر المشهد الإعلاني في مصر أيضًا بدورات موسمية واضحة، فشهر رمضان هو موسم الذروة للسلع الاستهلاكية، بينما يتجه الصيف نحو إعلانات العقارات المصيفية، خصوصًا في المدن الساحلية مثل العلمين والساحل الشمالي، ويقدر عدد العاملين في قطاع الإعلانات الطرقية بأكثر من 250 ألف شخص، في دليل إضافي على أهمية الصناعة كجزء من الدورة الاقتصادية.

إن تنوع المنتجات المُعلن عنها من سيارات وهواتف إلى أغذية مستوردة، يعطي صورة مباشرة عن طبيعة الاقتصاد المصري، خاصة في ما يتعلق بالاستيراد مقابل التصنيع المحلي، ومستويات الدخل والطلب الحقيقي.

 اللوحات الإعلانية

اللوحة ليست دعائية فقط.. بل وثيقة اجتماعية واقتصادية

لا يمكن فصل اللوحات الإعلانية المنتشرة على الطرق المصرية عن الواقع الأوسع للبلد، إنها ليست فقط أداة بيع، بل سجل متحرك يعكس طبيعة المجتمع وهو يتغير، وطبقاته وهي تعيد رسم تمركزها، وذوقه وهو يتحول، من الكلاسيكي إلى الحداثي، ومن الفوضى إلى التنظيم.

باتت إعلانات الطرق ترصد مرحلة انتقال اقتصادي في مصر، إذ تتحول المدن وتنتقل الثروات وتعاد صياغة الطبقة المتوسطة، وفي وقت يصعب فيه قراءة السوق من خلال الأرقام وحدها، تقدم الشوارع المصرية نفسها كدفتر أحوال مفتوح، كل لوحة فيه تسرد ما لا تقوله الإحصاءات.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search