الإثنين، 27 أكتوبر 2025

03:22 ص

منطقة صامتة تُدير العالم، أسرار مراكز البيانات في شمال فرجينيا

الإثنين، 20 أكتوبر 2025 01:00 م

شمال فرجينيا والذكاء الاصطناعي

شمال فرجينيا والذكاء الاصطناعي

في وقت تتسابق فيه شركات العالم نحو تسريع قدراتها في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ثمة مكان واحد، بعيدًا عن عدسات الإعلام، يحكم فعليًا حركة العالم الرقمي بأسره، إنها شمال فرجينيا، المنطقة التي أصبحت في أقل من عقدين الدماغ الخلفي للبنية التحتية للتكنولوجية العالمية، وعاصمة مراكز البيانات بلا منازع.

الذكاء الاصطناعي

ورغم أنها لا تضم مقرات عملاقة لعمالقة التكنولوجيا مثل جوجل أو أمازون أو ميتا، إلا أن قلب أنظمتهم الرقمية ينبض هناك، خلف جدران رمادية ضخمة، لا تعرف الليل أو النهار.

ما الذي يحدث في شمال فرجينيا؟

في منطقة تمتد بهدوء على مشارف العاصمة الأمريكية واشنطن، تقف مئات المباني العملاقة المغلقة، أشبه بصناديق صامتة تحتوي على أعصاب العصر الرقمي.. مراكز البيانات. هنا، تعالج أكثر من 70% من حركة البيانات العالمية، بما يشمل خدمات البريد الإلكتروني، والفيديو، والحوسبة السحابية، والأهم اليوم، هو الذكاء الاصطناعي.

بحسب تقرير لـ"واشنطن بوست"، فإن ولاية فرجينيا باتت تحتضن نحو 600 مركز بيانات، مع خطط لتوسيع هذا العدد في المستقبل القريب، ولا غرابة في أن تتحول هذه المنطقة إلى أكثر المواقع حساسية في العالم من الناحية الرقمية، إذ لا يمر شيء تقريبًا عبر الإنترنت دون أن يعبر كابلاتها، أو يمر بخوادمها.

اقرأ أيضًا:

الإعلام في عصر الطوفان الرقمي.. الذكاء الاصطناعي لا يلغي الإبداع بل يعيد تشكيله

الذكاء الاصطناعي يضخ الأوكسجين في شرايين مراكز البيانات

خلال السنوات الثلاث الماضية، ومع الانفجار الكبير في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، تضاعف الطلب على الطاقة الحوسبية بشكل دراماتيكي، فبينما كانت مراكز البيانات في السابق تكتفي بتقديم خدمات تخزين ومعالجة تقليدية، باتت اليوم تدير مليارات العمليات الحسابية في الثانية، لتغذية نماذج "تشات جي بي تي"، و"بارد"، و"كلاود"، وغيرها.

ويكفي النظر إلى حجم استثمارات شركات مثل مايكروسوفت، وأمازون ويب سيرفيسز، وأوراكل، في توسيع قدراتها هناك لفهم مدى التغير، فشركة جوجل وحدها أعلنت مؤخرًا عن استثمار بقيمة 15 مليار دولار في مراكز بيانات في الهند، لكن قلب عملياتها ما زال في فرجينيا.

مراكز البيانات الأمريكي

لماذا شمال فرجينيا تحديدًا؟

إن ما يجعل شمال فرجينيا موقعًا مثاليًا لمراكز البيانات لا يتعلق بعامل واحد، بل هو مزيج دقيق من الاقتصاد، والتقنية، والموارد البشرية، والموقع الجغرافي.

الطاقة الرخيصة والمتنوعة

تقدم فرجينيا أسعار طاقة منخفضة نسبيًا مقارنة بباقي الولايات، بفضل مزيج معقول من المصادر، وهو الغاز، والفحم، والطاقة النووية، والمتجددة، وهذا التنوع يمنع الاعتماد الزائد على مصدر واحد، ويقلل التذبذب في الأسعار، ما يوفر بيئة مثالية لتشغيل آلاف الخوادم التي لا تتوقف عن العمل على مدار الساعة.

بنية تحتية رقمية عالمية

المنطقة مزودة بأكثر شبكات الألياف الضوئية تطورًا وكثافة في العالم، وهو عنصر أساسي في عمليات نقل البيانات الفورية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بخدمات تعتمد على الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، التي تتطلب زمن استجابة لا يتعدى أجزاء من الثانية.

موقع استراتيجي بقرب العاصمة

القرب الجغرافي من العاصمة الأمريكية، واشنطن، يمنح مراكز البيانات في شمال فرجينيا امتيازات تتعلق بالأمان السيبراني، والموثوقية، والوصول إلى شبكات الحكومة والبنية التحتية الفيدرالية.

كفاءات بشرية عالية التخصص

المنطقة تضم قاعدة ضخمة من المهندسين، الفنيين، ومتخصصي تكنولوجيا المعلومات، ما يقلل الحاجة لجلب مهارات من خارج المنطقة، ويوفر قدرة صيانة وتشغيل ذاتية عالية الكفاءة.

حوافز حكومية

الحكومة المحلية في فرجينيا تقدم حوافز ضريبية ومالية ضخمة لشركات التكنولوجيا، بما في ذلك تسعير كهرباء تنافسي، وشروط عقود طويلة الأمد بأسعار ثابتة، ما يقلل من مخاطر التشغيل على المدى الطويل.

 

اقرأ أيضًا:

تهديد للأسواق العالمية، هل تنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي وينهار قطاع التكنولوجيا؟

مراكز البيانات

وجه آخر للصورة، الثمن البيئي والمعماري

وكما في كل قصة، هناك دائمًا ثمن خفي، فمعظم مراكز البيانات تعمل على مدار الساعة، وتستهلك مليارات الجالونات من المياه سنويًا لأغراض التبريد، وهذا يعني ضغطًا متزايدًا على البنية التحتية المائية في المنطقة.

كما أن أنظمة التبريد تصدر ضجيجًا متواصلًا، بات يشكل عبئًا على المجتمعات المجاورة، وسكان المناطق القريبة يتحدثون عن ضوضاء رقمية لا تتوقف، وصناديق عملاقة تسيطر على الأفق، وتخترق خطوط الكهرباء عالية الجهد مدارسهم وملاعب أطفالهم.

ورغم أن كل مركز بيانات يوظف عددًا محدودًا من الأشخاص، إلا أن الأثر البيئي والتخطيطي له أضعاف عدد الموظفين، ويصف البعض الأمر بأنه نمو غير مرئي يدفع الناس ثمنه من راحتهم وجودة حياتهم.

البيئة تصرخ، هل يمكن التوفيق بين النمو والاستدامة؟

إن مستقبل مراكز البيانات، وبالذات في شمال فرجينيا، سيكون على المحك إذا لم يعالج الجانب البيئي بشكل جذري، فبينما يمثل القطاع فرصة اقتصادية تدر 9.1 مليار دولار سنويًا على اقتصاد الولاية، إلا أنه يمثل أيضًا تهديدًا بيئيًا متصاعدًا إذا لم يتم ضبطه.

الرهان الآن، هو على استخدام تقنيات جديدة مثل التبريد بالسوائل، واستخدام الطاقة الشمسية والرياح، وتحسين الكفاءة الطاقية داخل مراكز البيانات نفسها، بل إن بعض الشركات بدأت تفكر في نقل مراكز البيانات إلى أعماق البحار، أو حتى إلى مناطق قطبية، لتقليل كلفة التبريد.

اقرأ أيضًا:

الذكاء الاصطناعي العميق يدخل مرحلة "الوكالة"، كيف تعيد المؤسسات رسم خارطتها التقنية؟

السباق مستمر، والنمو لا ينتظر

الواقع أن الطلب على مراكز البيانات لا يتباطأ، بل يتضاعف، ومع توسع الذكاء الاصطناعي، وخدمات الواقع المعزز، والألعاب السحابية، والسيارات ذاتية القيادة، فإن الحاجة إلى عقول رقمية ضخمة ستزداد، وشمال فرجينيا ستبقى في قلب هذه الديناميكية، لكن السؤال الحقيقي الذي سيواجه القطاع خلال العقد المقبل: هل يمكن لهذا النمو أن يستمر دون أن يلتهم نفسه؟

مراكز البيانات

شمال فرجينيا، مفترق طرق

المنطقة التي كانت في الماضي مجرد ضاحية هادئة للعاصمة، باتت اليوم تتحكم بالاقتصاد الرقمي العالمي، ولكن مع القوة، تأتي المسؤولية، ومراكز البيانات، رغم أنها محركات الثورة التقنية، إلا أنها تحمل في طياتها مخاطر التوسع غير المنضبط، سواء على البيئة، أو على المجتمعات المحلية.

الفرصة أمام شركات التكنولوجيا، والحكومات المحلية، والناشطين البيئيين، لصياغة نموذج نمو أكثر توازنًا واستدامة، يحمي الحاضر دون أن يدمر المستقبل.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search