ماتشات ببلاش، مين يتحمل الفاتورة؟ اقتصاد الظل يسيطر على البث في مصر
الأحد، 05 أكتوبر 2025 11:27 ص

القنوات المشفرة
في مشهد يتكرر كل أسبوع، يجلس ملايين المصريين أمام شاشاتهم لمتابعة مباريات كرة القدم العالمية، دون أن يدفعوا مقابلاً يذكر لمشاهدتها عبر القنوات المالكة للحقوق، لكنهم في المقابل يدفعون اشتراكًا رمزيًا لا يتجاوز ثمن وجبة طعام، مقابل خدمة "آي بي تي في" التي تفتح لهم نوافذ لا محدودة على محتوى القنوات المشفرة محليًا وعالميًا.

هذا المشهد الذي بات اعتياديًا لدى المصريين، يطرح إشكاليات اقتصادية وقانونية وأمنية متشابكة لا تقل تعقيدًا عن التقنيات الرقمية التي تقوم عليها خدمات البث المقرصن.
اقتصاد الظل الرقمي.. أرباح ضخمة خارج النظام الرسمي
إغلاق السلطات المصرية مؤخرًا منصة "ستريم إيست"، التي صنفت كأكبر منصة بث رياضي غير قانونية في العالم، كشف عن حجم اقتصاد الظل الرقمي.
المنصة، التي يديرها شخصان فقط من محافظة الجيزة، حققت وفق التحقيقات أكثر من 6 ملايين دولار من الإعلانات منذ 2010، وأتاحت محتوى رياضيًا تقدر قيمته السوقية بمئات ملايين الدولارات، في 1.6 مليار زيارة خلال عام واحد فقط.
هذه الأرقام تسلط الضوء على نشاط اقتصادي موازي لا يخضع للضرائب أو الرقابة، بينما يستفيد من شبكات الإنترنت والبنية التحتية الرقمية للدولة، وما يحدث يشبه إلى حد بعيد السوق السوداء في العقود الماضية، ولكن هذه المرة بواجهة رقمية، وامتداد عالمي.
معضلة التسعير والطلب.. الجمهور في وادي والقنوات في وادي آخر
من الناحية الاقتصادية، تعكس ظاهرة البث المقرصن خللاً جوهريًا في العلاقة بين العرض والطلب، فالمستهلك المصري، ذو الدخل المحدود، لا يرى في دفع 400–500 جنيه شهريًا للقنوات المشفرة خيارًا منطقيًا، في ظل عرض موازي يقدم الخدمة نفسها بسعر سنوي مماثل أو أقل.
وفق بيانات الشركة المصرية للقنوات الفضائية (CNE)، فإن عدد مشتركي القنوات المشفرة عام 2019 لم يتجاوز نصف مليون مشترك، أي أقل من 0.5% من سكان مصر.
في المقابل، تنتشر خدمات "IPTV" في ملايين البيوت المصرية، في ظل ضعف قدرة الجهات الرقابية على تتبعها، وسهولة الاشتراك فيها عبر وسطاء محليين أو تطبيقات تليجرام وصفحات فيسبوك.
هذا التناقض بين التسعير الرسمي وسلوك السوق يضع القنوات الكبرى أمام تحدي وجودي، إما خفض الأسعار والدخول في سباق مرن مع السوق الرمادية، أو خسارة جمهورها لصالح القراصنة، وهو ما يشير إليه مسؤولون أمنيون وخبراء مرارًا بضرورة مراجعة سياسات التسعير.

الجريمة الناعمة.. نظرة المجتمع وأزمة الوعي
في بلد تتآكل فيه الدخول الحقيقية تحت ضغط التضخم، وتتحول فيه الترفيهات البسيطة إلى رفاهية مكلفة، باتت قرصنة البث جريمة بلا ضحايا في نظر المواطن، بل وسلوكًا مبررًا بلغة السوق.
في استطلاع غير رسمي لتعليقات الجمهور على القبض على بعض القائمين على شبكات البث المقرصن، كان معظم التفاعل متعاطفًا مع المتهمين، مع أسئلة من قبيل: ما الضرر؟ ومن المتضرر الحقيقي؟، وهو ما يشير إلى أزمة وعي مجتمعي لا تقل خطورة عن التكنولوجيا المستخدمة في الاختراق.
بل إن بعض المستخدمين يعتبرون هذه الخدمات عدالة اجتماعية رقمية، في وجه ما يرونه احتكارًا جشعًا للمحتوى الرياضي والفني من قبل شركات ضخمة، دون مراعاة للفروقات في القوة الشرائية بين الدول.
اقرأ أيضًا:
كيف إنهارت أكبر شبكة لبث المباريات المقرصنة؟
التداعيات الاقتصادية المباشرة.. من العوائد الضائعة إلى الوظائف المتآكلة
خسائر مباشرة للقنوات والمنصات: شركات مثل "بي إن سبورت"، "شاهد"، "نتفليكس" و"أمازون برايم" تفقد جزءًا كبيرًا من مشتركيها لصالح مزودي البث المقرصن، ما يؤثر على أرباحها ويحد من قدرتها على التوسع أو تحسين المحتوى.
تأثير سلبي على المبدعين: انخفاض العوائد يقلل من حوافز الإنتاج الفني والرياضي، ويقلص تمويل البرامج عالية الجودة.
تراجع العائدات الضريبية للدولة: كل عملية اشتراك في "آي بي تي في" خارج النظام الرسمي تعني فقدان ضريبة مبيعات ودخل محتملة، في وقت تحتاج فيه مصر لزيادة مواردها العامة.
تهديد للوظائف الشرعية في قطاع الإعلام: تقلص الاشتراكات القانونية يؤدي إلى انكماش سوق العمل في هذا القطاع، خاصة في مجالات التسويق وخدمة العملاء والإنتاج.
المنظومة القانونية والأمنية.. سلاح غير كافٍ لمواجهة شبكة عابرة للحدود
رغم أن القوانين المصرية تنص على عقوبات بالحبس والغرامة ضد من يقرصن أو يستفيد من خدمات بث غير قانونية، إلا أن الغرامات لا تزال زهيدة في ضوء الأرباح الضخمة.
كما أن غياب نظام عقوبات موجه للمستخدمين أنفسهم، يجعل المعركة الأمنية غير متكافئة، إذ يظل الطلب قائمًا، حتى لو سقط بعض العرض.
في المقابل، يتطلب الأمر إصلاحًا تشريعيًا يواكب التطور التكنولوجي، وتعاونًا دوليًا أكثر فعالية كما حدث في عملية إغلاق ستريم إيست بالتعاون مع تحالف الإبداع والترفيه ACE.
لكن الأهم من ذلك، كما يؤكد خبراء، هو الاستثمار في حملات توعية جماهيرية، تشرح للجمهور أضرار القرصنة على المدى الطويل، وتضعهم أمام حقيقة أن سرقة البث ليست ممارسة بريئة، بل جريمة اقتصادية لها تبعات على الجميع.
اقرأ أيضًا:
إدارة الحشود بالتكنولوجيا الذكية، معادلة صعبة تجاوزتها شركات تنظيم المباريات
الذكاء الاصطناعي.. سلاح ذو حدين
يشير مختصو أمن المعلومات إلى أن الذكاء الاصطناعي دخل بقوة إلى ساحة المعركة، من جهة، تستخدمه الشبكات غير الشرعية في تحسين ضغط البث، وإخفاء مصادره، أو التنبؤ بأنماط الحظر وتفاديها.
ومن جهة أخرى، بدأت السلطات في استخدام تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لتتبع الشبكات وأسلوب عملها، في مواجهة أشبه بـ"لعبة القط والفأر" المستمرة.

هل يمكن تسعير العدالة الرقمية؟
ما يحدث في مصر من قرصنة للبث هو تعبير عن هوة رقمية واقتصادية بين قدرة المواطن ورغبة السوق، إنه أيضًا امتحان لصيغة الترفيه في العصر الرقمي: من يدفع؟ وكم يدفع؟ ومن يقرر من له الحق في المشاهدة؟
الواقع يشير إلى أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي، كما أن تحميل المستهلك كل اللوم يتجاهل مسؤولية الشركات في تسعير محتواها ضمن قدرة السوق المحلي.
ربما يكون الوقت قد حان لإعادة التفكير في نماذج اشتراك أكثر مرونة، تستوعب شرائح واسعة من المجتمع، وتحقق توازنًا بين الحقوق والقدرة، حتى لا يتحول الترفيه في العالم الرقمي إلى ساحة من التناقضات الاقتصادية، ومرآة لغياب العدالة الإعلامية.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
تقرير عالمي يؤكد ضرورة النظر إلى الموارد المائية كعامل حيوي في دفع عجلة الاقتصاد
02 أكتوبر 2025 01:57 م
كيف يمكن لمستثمر صغير أن يقلب سوق الأسهم ويعرض مؤسسات كبرى لخسائر فادحة؟
01 أكتوبر 2025 08:55 م
ماذا يعنى نمو الأنشطة غير النفطية للسعودية 55.6%؟ المملكة تتجه لتغيير شكل اقتصادها
02 أكتوبر 2025 12:22 ص
أكثر الكلمات انتشاراً