فاتورة الذكاء الاصطناعي تتضخم.. من حل سريع إلى رفاهية باهظة
الأربعاء، 17 سبتمبر 2025 06:52 م

فاتورة الذكاء الاصطناعي
رغم الوعود المبكرة بأن الذكاء الاصطناعي (AI)، سيجعل العالم أكثر كفاءة وأقل كلفة، تشير الوقائع إلى اتجاه معاكس، حيث ارتفعت فواتير استخدام هذه التكنولوجيا المتقدمة بشكل غير مسبوق، فيما تكمن المفارقة في أن التقدم في قدرات النماذج الذكية، لم يترجم بالضرورة إلى وفورات مالية، بل أدى إلى تعقيدٍ أكبر وارتفاع في التكاليف، خاصة بالنسبة للشركات الناشئة والصغيرة، فهل بات الذكاء الاصطناعي حكرًا على الكبار؟

الوحدات الأساسية للذكاء الاصطناعي.. العملة التي تصرف بصمت
ما يعرف بـ"الـTokens" أو "الوحدات الأساسية للذكاء الاصطناعي، هو المفهوم المركزي لفهم هذا الارتفاع في التكاليف، فهو يتمثل في الوحدة التي تحتسب مقابل كل خطوة تفكير، أو عملية حسابية يقوم بها النظام الذكي، سواءً كان ذلك تلخيصًا لمستند، أو كتابة كود برمجي، أو تحليل مستند قانوني.
كما أن استهلاك الـTokens يتراوح بين عشرات إلى ملايين حسب نوع المهمة، فيما المهام البسيطة مثل سؤال وجواب، قد تستهلك ما بين 50 و500 Token، بينما قد تحتاج مهمة مثل تحليل وثيقة قانونية، إلى أكثر من 250 ألف Token، وتتطلب مهمة تنفيذ وكالة ذكاء صناعي (AI Agent) ما يتجاوز المليون Token.
السعر ينخفض.. لكن الاستهلاك ينفجر
وتظهر الإحصائيات، أن أسعار الـTokens شهدت انخفاضًا حادًا خلال السنوات الأخيرة، ففيما كان سعر الألف Token يتجاوز 0.03 دولار، أصبح اليوم أقل من 0.00003 دولار، أي انخفاض بنحو 900 ضعف في بعض النماذج، غير أن هذا التراجع في الأسعار، لم يترجم إلى انخفاض في الفواتير، والسبب زيادة مذهلة في عدد الـTokens المطلوبة لكل مهمة.
وإذ أصبحت النماذج الحديثة أكثر تفكيرًا وتأملًا، فلم تعد تكتفي بردود سريعة، بل تقوم بعمليات تحقق متعددة، كتوليد أكواد مساعدة، وحتى البحث عبر الإنترنت لجمع بيانات قبل الرد.

فاتورة ثقيلة للشركات الصغيرة
إن الفجوة بين السعر المنخفض للـToken، وارتفاع تكلفة المهام، تكمن في التحول النوعي في أداء النماذج، فالمهام التي كانت قبل عامين، تنجز ببضع مئات من الـTokens، وقد باتت اليوم تتطلب آلافًا، لأن النماذج تتبنى طرق تفكير أكثر تعقيدًا.
ولإعطاء مثال عملي، فإن تحليل مستند قانوني، قد يكلف 500 دولار أو أكثر في بعض النماذج المتقدمة، رغم أن سعر الألف Token، لا يتعدى 0.002 دولار، ما يضع الشركات الصغيرة في موقف حرج، إذ يصعب عليهم تحمل فواتير شهرية بهذه الضخامة، لبناء خدمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضًا:-
الذكاء الاصطناعي ينافس البشر في مقابلات العمل (فيديو)
مشكلة في طريقة عمل النماذج
ولا يكمن الحل في انتظار مزيد من الانخفاض في أسعار الـTokens، بل في إعادة هندسة النماذج نفسها، مثل تقنيات ضغط الاستدلال (Inference Compression)، والتي يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا، حيث يتيح هذا تنفيذ المهام بعدد أقل من الوحدات، ما يقلص الفاتورة بشكل مباشر، كما يمكن الاعتماد على خوارزميات هجينة، تجمع بين الذكاء الاصطناعي والخوارزميات التقليدية الأرخص.

تحول في الاستخدام.. من سؤال بسيط إلى مستشار رقمي
ويعد كل هذا نقلة نوعية في طريقة استخدام الذكاء الاصطناعي، فالمستخدم لم يعد يبحث عن إجابة سريعة، بل يريد من النظام، أن يكون مستشارًا شخصيًا، يدير المشاريع، وينفذ سلسلة من المهام، ويعمل كفريق رقمي متكامل، وهذا التحول يعني ارتفاعًا هائلًا في عدد الـTokens المستهلكة، وبالتالي تضخمًا في التكاليف.
ففي مهمة الوكيل الذكي، أي نظام ذكاء صناعي مبرمج لتنفيذ سلسلة متكاملة من الأوامر، يمكن أن تصل الفاتورة بسهولة إلى مئات الدولارات لعملية واحدة فقط.
اقرأ أيضًا:-
منصات ذكاء اصطناعي تقدم نفسها كأصدقاء نفسيين للأطفال دون مؤهلات طبية
حلول مستقبلية على ثلاثة مستويات
إن الطريق إلى تقليص هذه الفاتورة، يمر عبر ثلاثة مستويات أساسية:-
- تحسين بنية النماذج:- باستخدام تقنيات مثل Sparse Attention وMixture of Experts، يمكن تقليص استهلاك الـTokens، بنسبة قد تصل إلى 70% دون التأثير على الجودة.
- تطوير نماذج متخصصة وصغيرة:- بدلًا من استخدام نموذج عملاق وعام، يمكن بناء نماذج أصغر مصممة لمهام محددة، مثل التلخيص أو تحليل العقود القانونية، ما يخفض الكلفة بنسبة تصل إلى 80%.
- نماذج ذاتية التنظيم (Self-Optimizing AI):- وهي نماذج تعمل على ضبط استهلاكها تلقائيًا، فتقرر متى تفكر بعمق ومتى تكتفي برد سريع، ما يساعد في إدارة الموارد بشكل أكثر كفاءة.

هل الذكاء الاصطناعي في مرحلة انتقالية؟
يرى الخبراء أن ما نعيشه اليوم ليس أزمة، بل مرحلة انتقالية مشابهة لما شهدته الحوسبة السحابية قبل عقد من الزمن، حينها، كانت التكلفة عالية قبل أن تنخفض تدريجيًا بفضل تطور التكنولوجيا وزيادة المنافسة، وإذا كانت نماذج مثل:- (ChatGPT وClaude) تعد باهظة التكلفة اليوم، فإن السوق تتجه نحو حلول أكثر ذكاءًا وكفاءةً، خاصة مع تسارع الابتكار في نماذج مفتوحة المصدر، وتطوير وحدات معالجة أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.
مستقبل مكلف.. ولكن مؤقت
ولا يبدو أن ارتفاع فواتير الذكاء الاصطناعي هو نتيجة فشل في التخطيط أو سوء إدارة، بل نتيجة طبيعية لنموذج لا يزال في طور التشكل، لكن الخطر الحقيقي يكمن في الاحتكار، إذا لم يتم تطوير نماذج اقتصادية عادلة تتيح للشركات الناشئة الوصول إلى الذكاء الاصطناعي بتكلفة معقولة، فإننا قد نشهد انقسامًا تكنولوجيًا جديدًا بين القادرين على الدفع والآخرين العالقين في الهامش الرقمي.
وحتى إشعار آخر، سيبقى الذكاء الاصطناعي، باهظًا لمن لا يملك أدواته، ولكن كما حدث في معظم الثورات التكنولوجية، فإن ترويض التكلفة ليس سوى مسألة وقت.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
مصر تُراهن على السياحة، كيف تُخطط مصر لتحقيق أعلى معدلات الاستثمار؟
16 سبتمبر 2025 09:45 م
المناطق الاقتصادية الخاصة، من الجدران الجمركية إلى المدن الذكية
16 سبتمبر 2025 11:53 ص
أكثر الكلمات انتشاراً