الخميس، 11 سبتمبر 2025

07:07 م

غاز ونفط سوريا.. من ظلام الحرب إلى أمل الطاقة

الخميس، 11 سبتمبر 2025 04:36 م

غاز ونفط سوريا

غاز ونفط سوريا

منذ أكثر من عقد، باتت سوريا واحدة من أكثر المناطق ظلامًا في صور الأقمار الصناعية، حيث اختفت مدن بأكملها من خريطة الإشعاع الليلي، في مشهد يعكس حجم الانهيار الذي طال البنية التحتية للطاقة، ولا سيما قطاعي النفط والغاز. 

النفط السوري

هذا المشهد كان كفيلًا بتحفيز البنك الدولي على إقرار منحة بقيمة 146 مليون دولار في يونيو الماضي لإنعاش الشبكة الكهربائية السورية، إلا أن السؤال الجوهري الذي يطرحه الخبراء اليوم هو، هل يكفي إصلاح الشبكة لنهوض قطاع الطاقة؟ الجواب المؤكد.. لا.

الواقع أن سوريا تحتاج إلى ما هو أعمق من إصلاح الأسلاك والمحطات، تحتاج إلى إعادة كتابة قصة الطاقة من جديد، بشفافية، وبجرأة، وبمنهجية تخرج هذا القطاع من دائرة السرية الأمنية التي لازمته لعقود، نحو فضاء من التقييم العلمي والتخطيط الاستراتيجي المستدام.

البداية من البيانات.. كسر الصندوق الأسود

لطالما كان قطاع النفط والغاز في سوريا بمثابة صندوق أسود، تحيط به جدران السرية القومية، ويدار دون قواعد شفافية واضحة، وهو ما أدى إلى ضعف في التوثيق وضبابية في الأرقام، وحتى غياب لأي قاعدة بيانات وطنية شاملة، ومع دمار منشآت الطاقة خلال سنوات الحرب، لم يفقد هذا الصندوق أسراره فقط، بل تهشم بالكامل.

لذلك، فإن الخطوة الأولى في أي خطة إعادة إعمار حقيقية لقطاع الطاقة، يجب أن تكون تأسيس بنك معلومات وطني رقمي، يجمع ما تبقى من بيانات فنية، وإجراء مسوحات ميدانية جديدة، وإعادة تقييم الاحتياطات النفطية والغازية، وتوثيق حجم الدمار بدقة. 

كما أن هذا المشروع يجب أن يتم بمشاركة خبراء محليين وأجانب في مجالات الجيولوجيا، والجيوفيزياء، وتكنولوجيا المعلومات، وتحليل البيانات.

من شأن هذه القاعدة أن تصبح الأساس الذي تبنى عليه الاستراتيجيات، وتعرض من خلالها الفرص على المستثمرين، وتقدر الحاجات المستقبلية للطاقة على أسس علمية.

الغاز السوري

الغاز أولًا.. العمود الفقري لأمن الطاقة

الغاز الطبيعي ليس فقط أحد مصادر الطاقة في سوريا، بل هو الوريد الذي يغذي منظومة الكهرباء بالكامل، وبما أن توليد الطاقة يعتمد بنسبة تزيد عن 85% على الغاز والديزل، فإن التركيز على إعادة تأهيل قطاع الغاز يجب أن يكون الأولوية القصوى.

بحسب بيانات 2023، تراجع إنتاج الغاز في سوريا من 7.4 مليار متر مكعب عام 2011 إلى نحو 3 مليارات فقط، أي بانخفاض يقارب 60%، والسبب الرئيسي يعود إلى الأضرار المباشرة التي طالت حقول الغاز في وسط البلاد وشمالها الشرقي، إضافة إلى مشكلات السيطرة الأمنية التي حالت دون تنفيذ خطط الإصلاح.

ومن هنا، تبرز أهمية حقول الغاز في البادية الوسطى، وعلى رأسها حقل الشاعر، الذي يعد أكبر حقل غاز في البلاد، باحتياطات تقدر بـ30 مليار متر مكعب، ويغذي معامل مثل إيبلا وجنوب المنطقة الوسطى، مما يوفر قرابة 3 ملايين متر مكعب يوميًا.

هذه الحقول تقع ضمن مناطق استراتيجية قريبة من التجمعات السكانية الكبرى (دمشق، حمص، حلب)، ومتصلة بمصانع الكهرباء والغاز المنزلي. لذلك، فإن الاستثمار فيها لن يكون مجرد خيار اقتصادي، بل ضرورة لتحسين الخدمات اليومية للمواطنين.

اقرأ أيضًا:

وزارة الخزانة الأمريكية: غدًا دخول القرار النهائي لإلغاء العقوبات على سوريا

الغاز في الشمال الشرقي.. مورد رهينة الواقع السياسي

في المقابل، لا تقل أهمية الحقول الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، مثل السويدية ورميلان وكونوكو، والتي كانت تنتج قبل 2011 أكثر من 1.5 مليار متر مكعب سنويًا. 

غير أن النزاع السياسي والعسكري، وتدخل القوى الأجنبية، أدى إلى تقليص الإنتاج، وغياب التنسيق الوطني، مثال ذلك حقل كونوكو، الذي أنشأته شركة كونوكو فيليبس الأمريكية، وكان يعالج ما يصل إلى 13 مليون متر مكعب يوميًا. 

لكن منذ 2017، أصبح الحقل تحت سيطرة أمريكية، وتحول إلى قاعدة عسكرية، مما جعل من الصعب تقييم وضعه الفني بدقة.

الحلول في هذه المنطقة معقدة، وتحتاج إلى تسويات سياسية طويلة الأمد، إلا أن خطط الحكومة تركز حاليًا على الاستفادة الجزئية من هذه الموارد عبر اتفاقات تقاسم إنتاج أو مشاريع تشغيل مشتركة في المستقبل.

الغاز الطبيعي

النفط.. ثروة مؤجلة تنتظر رفع الحظر

رغم أن سوريا تمتلك احتياطيات نفطية تقدر بنحو 2.5 مليار برميل، فإن قطاع النفط يعيش في حالة سبات قسري بسبب الحرب، والعقوبات، وخروج معظم الحقول عن السيطرة الحكومية. 

إذ أن غالبية الإنتاج النفطي يقع في دير الزور، والحسكة، والرقة، وهي مناطق خاضعة لقوات سوريا الديمقراطية، بينما تواجه المصافي الحكومية (بانياس وحمص) صعوبات تشغيلية كبيرة.

المصفاة الوحيدة العاملة جزئيًا، بانياس، لا تتجاوز طاقتها التشغيلية 60%، أما مصفاة حمص فتكاد تكون متوقفة، بطاقة تشغيلية لا تتعدى 10%. 

في ظل هذه التعقيدات، ترجح الحكومة خيار استيراد الخام العراقي لتأمين حاجة السوق المحلية، إلى حين استعادة السيطرة الكاملة على الحقول، أو التوصل إلى اتفاق سياسي مع "قسد" يسمح بإعادة ضخ النفط ضمن إطار وطني.

اقرأ أيضًا:

بين الأنقاض والتحديات، كيف يمكن لسوريا النهوض من تحت ركام الأزمة؟

التشريعات.. أولوية لجذب الاستثمار

رغم توفر الإمكانات، فإن غياب البيئة التشريعية الحديثة يشكل أحد أكبر التحديات أمام أي مشروع استثماري جاد في قطاع الطاقة، فالقوانين الحالية ما زالت متأثرة بثقافة المركزية والبيروقراطية الثقيلة، ولا تقدم حوافز حقيقية للمستثمرين، ولا حتى ضمانات قانونية عادلة.

في هذا السياق، أطلقت وزارة النفط خطة للتحول إلى نظام الشركات القابضة، بهدف تقليص التداخل الإداري، ورفع الكفاءة، وتمكين الشركات من العمل باستقلالية مالية وإدارية نسبية، مما يسهل عمليات الشراكة، والتمويل، والمحاسبة.

غير أن تنفيذ هذا النموذج يتطلب تقييمًا دقيقًا لأصول الدولة، وإعادة هيكلة مالية ومؤسسية متكاملة، إلى جانب قوانين جديدة تواكب المرحلة، خاصة مع دخول سوريا في مفاوضات دولية واتفاقيات تتطلب التزامات واضحة مثل اتفاقيات المناخ، البحار، والحدود.

استخراج الغاز

البشر تقود تدريب الكوادر وتنمية المناطق المنتجة

لا يمكن إعادة بناء قطاع الطاقة في سوريا فقط عبر الأنابيب والمصافي، بل عبر الكوادر البشرية المؤهلة، فالحرب أفرغت المؤسسات من الخبرات، وفرضت عزلة تكنولوجية خانقة بفعل العقوبات الغربية، ما جعل البلاد متأخرة تقنيًا مقارنة بجيرانها.

لهذا، من الضروري إطلاق برامج تدريب مكثفة للمهندسين والفنيين، داخل سوريا وخارجها، والتركيز على التكنولوجيا النظيفة، وتقنيات التحكم الحديثة، وتحديث مناهج التعليم الجامعي المرتبطة بالطاقة.

 

اقرأ أيضًا:

ترامب يواصل ضغطه على سوريا، لماذا تفرض أمريكا أعلى رسوم جمركية على الواردات السورية؟

الاستثمار الأجنبي يعود.. فرصة يجب ألا تضيع

مع رفع تدريجي للعقوبات، وعودة بعض الشركات الإقليمية والدولية إلى السوق السورية، يتوقع أن يشهد قطاع الطاقة السوري تدفقات استثمارية خلال السنوات المقبلة. 

فشركات من تركيا، وقطر، والسعودية، وحتى الولايات المتحدة، أعلنت عن نوايا استثمارية بمليارات الدولارات في مشاريع استكشاف، ونقل، وتكرير.

هذا الزخم لا بد أن يدار بحكمة وشفافية، فالإدارة السيئة تعني تكرار أخطاء الماضي، أما الاستراتيجية المستدامة، القائمة على الشفافية، والتقييم الواقعي، والشراكة المتوازنة، فهي الوحيدة الكفيلة بإعادة تموضع سوريا على خريطة الطاقة العالمية.

النفط السوري

طريق طويل لكنه ممكن

إعادة بناء قطاع النفط والغاز في سوريا ليس مشروعًا سهلاً، بل هو تحدي مركب يتطلب أكثر من مجرد إعادة تشغيل الحقول والمصافي، بل إعادة بناء العقلية التي تدير هذا القطاع، وتجاوز الإرث الثقيل من السرية، والمركزية، والارتجال.

إن تحويل سوريا من دولة تستهلك وتستورد الطاقة بشكل طارئ، إلى دولة تنتج وتدير مواردها بكفاءة، هو مشروع وطني يحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية، والخبرات المحلية، والدعم الدولي، مع بنية تشريعية محفزة، وبيئة سياسية مستقرة، وتخطيط طويل الأمد.

وإذا أُديرت هذه المرحلة بذكاء، ووفق رؤية استراتيجية شاملة، يمكن لقطاع النفط والغاز أن يتحول من رمز للدمار إلى رافعة للإعمار، ومن عبء على الدولة إلى مورد استراتيجي يعيد تموضع سوريا على خارطة الطاقة في الشرق الأوسط، ليس فقط كدولة منتجة، بل كفاعل إقليمي له وزن وقرار.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search