الإثنين، 08 سبتمبر 2025

09:54 م

أمريكا في قلب الفجوة التكنولوجية.. عجز تجاري متصاعد يكشف أزمة في العمق

الإثنين، 08 سبتمبر 2025 05:00 م

أمريكا في قلب الفجوة التكنولوجية

أمريكا في قلب الفجوة التكنولوجية

رغم أنها تقود العالم في الابتكار والتطوير الرقمي، تجد الولايات المتحدة نفسها عالقة في مفارقة اقتصادية متنامية، إذ سجلت عجزًا قياسيًا في ميزانها التجاري في قطاع التكنولوجيا المتقدمة بلغ نحو 239.7 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025.

الأجهزة الطبية


هذا الرقم الصادم يسلط الضوء على هشاشة القاعدة الصناعية حتى في أكثر القطاعات التي يفترض أنها محمية بقوة الابتكار الأمريكي.

فبينما بلغت الصادرات الأمريكية في هذا القطاع الحيوي نحو 305.7 مليار دولار، ارتفعت الواردات إلى 545.4 مليار دولار، ما يشير إلى اعتماد متزايد على الخارج لتلبية الحاجات التقنية المتقدمة، مقابل إنتاج محلي لا يزال دون الطموحات.

نزيف مزمن في قطاع التكنولوجيا.. من التصميم إلى التصنيع

شكل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الكتلة الأكبر من هذا العجز، حيث تجاوزت الفجوة فيه وحده 183.6 مليار دولار، ورغم أن الولايات المتحدة تضم شركات عملاقة مثل آبل، جوجل، ومايكروسوفت، إلا أن الجزء الأكبر من التصنيع يجري خارج البلاد، تحديدًا في آسيا، ما يكرس اعتمادًا على سلاسل إمداد خارجية لا تتحكم فيها واشنطن بالكامل.

أما في مجال التكنولوجيا الحيوية، الذي يشمل الأدوية والتقنيات الطبية الحديثة، فقد بلغ العجز 73.8 مليار دولار، بينما سجل قطاع العلوم الحياتية، ويشمل المعدات الطبية والمخبرية، عجزًا إضافيًا قدره 24.2 مليار دولار. 

هذه الفجوات تشير إلى أن الولايات المتحدة، رغم تفوقها العلمي، لا تواكب بقدراتها التصنيعية ما تنتجه مختبراتها ومراكز أبحاثها.

الصناعات الأمريكية

الصناعات الرائدة تحاول إنقاذ الميزان.. ولكنها لا تكفي

على النقيض من هذا النزيف، برز قطاع الطيران والفضاء كواحد من أقوى مصادر الفائض التجاري، مسجلاً 31.2 مليار دولار خلال نفس الفترة. 

ويعزى هذا إلى قوة الصناعات الدفاعية والجوية الأمريكية، التي لا تزال تحافظ على ريادتها عالميًا، كما حقق قطاع الأسلحة والمعدات العسكرية فائضًا بلغ 2.4 مليار دولار، ما يعكس استمرار القوة التصديرية في الصناعات ذات البعد الأمني.

ورغم أهمية هذه الفوائض، إلا أنها تبقى غير كافية لتعويض العجز الهائل في القطاعات المدنية، مثل الإلكترونيات الدقيقة، والرقائق، والأجهزة الطبية، والتي تشهد نموًا استهلاكيًا متسارعًا داخل السوق الأمريكية.

 

اقرأ أيضًا:

"تحسن الإنتاج والاقتصاد"، أهمية تكنولوجيا الصناعة وأبرز قطاعتها

شركاء أم عبء؟ من أين يأتي العجز؟

المثير في الأرقام أن نحو 55% من العجز الأمريكي في التكنولوجيا المتقدمة يأتي من بلدين فقط، تايوان وأيرلندا، فقد بلغ العجز مع تايوان وحدها أكثر من 62 مليار دولار، في حين وصل مع أيرلندا إلى ما يقارب 70 مليار دولار.

والسبب يعود إلى أن هذين البلدين يمثلان مراكز تصنيع رئيسية لشركات أميركية متعددة الجنسيات، تقوم بإنتاج البضائع ثم تصديرها إلى السوق الأمريكية نفسها.

أما الاتحاد الأوروبي، فقد ساهم بعجز إضافي قدره 72.5 مليار دولار، مع تفاوت واضح بين الدول الأعضاء، ففي حين سجلت الولايات المتحدة عجزًا مع ألمانيا قدره 9.54 مليار دولار، استطاعت تحقيق فائض صغير مع فرنسا بنحو 224 مليون دولار، وفائضًا أكبر مع إيطاليا بلغ 3.14 مليار دولار.

الصناعة الأمريكية

جوار معقد.. المكسيك والصين وكندا

في الجوار الأمريكي، سجلت المكسيك عجزًا تجاريًا ضخمًا مع الولايات المتحدة في قطاع التكنولوجيا المتقدمة بلغ 37.6 مليار دولار، وتبرز هذه العلاقة كواحدة من أكثر نماذج التكامل التجاري تعقيدًا، نظرًا للترابط الصناعي بين البلدين عبر اتفاقية التجارة الحرة.

أما الصين، ورغم سنوات من النزاعات التجارية ومحاولات فك الارتباط التكنولوجي، فلا تزال تسجل فائضًا في تجارتها مع أمريكا، بلغ خلال هذه الفترة 12.1 مليار دولار، وتشير هذه الأرقام إلى أن الرهان على الانفصال الكامل عن الصين تقنيًا لا يزال غير واقعي في الأمد القريب.

في المقابل، سجلت الولايات المتحدة فائضًا ملحوظًا مع كندا بلغ 8.2 مليار دولار، ومع بريطانيا بنحو 3.2 مليار دولار، ما يعكس استقرارًا نسبيًا في العلاقات التجارية مع حلفاء تقليديين.

اقرأ أيضًا:

«لقاء البيت الأبيض» استثمارات بمئات المليارات ووعود بإنشاء مراكز بيانات

الوجه الآخر للقوة.. الابتكار لا يكفي دون تصنيع

تكشف هذه البيانات بوضوح أن الولايات المتحدة، رغم قيادتها للثورة الرقمية، تفتقر إلى العمق الصناعي اللازم لدعم هذه القيادة، فشركات التكنولوجيا الكبرى قد تبدع في التصميم وتطوير البرمجيات، لكن التصنيع يبقى غالبًا خارج الحدود.

وهذه المعادلة تضعف الاقتصاد الأمريكي من جهتين، أولاً، تفقده الوظائف الصناعية عالية القيمة، وثانيًا، تعرضه لتقلبات جيوسياسية خطرة، خصوصًا في ظل التوترات مع الصين وتايوان.

هل تنجح واشنطن في عكس الاتجاه؟

في السنوات الأخيرة، أطلقت الإدارة الأمريكية برامج دعم ضخمة لتشجيع التصنيع المحلي، أبرزها قانون الرقائق CHIPS Act، الذي يهدف إلى جذب الاستثمارات في مصانع الرقائق الإلكترونية داخل الولايات المتحدة، كما أعيدت صياغة اتفاقيات تجارية لإعادة التوازن وتقليل الاعتماد على الخارج.

لكن أرقام النصف الأول من عام 2025 تشير بوضوح إلى أن النتائج لا تزال بعيدة عن المستوى المطلوب، فالعجز مستمر، والاعتماد الخارجي لا ينحسر بالوتيرة المأمولة.

التكنولوجيا الأمريكية

معركة التكنولوجيا هي معركة السيادة

تظهر أزمة العجز التجاري في التكنولوجيا أن المنافسة بين الدول لم تعد تقتصر على الأسواق، بل باتت معركة سيادة اقتصادية وتقنية، فالدولة التي لا تنتج تقنيتها، تبقى تابعة مهما كانت قوتها الابتكارية.

وعليه، فإن ما يحتاجه الاقتصاد الأمريكي ليس فقط المزيد من الابتكار، بل قدرة حقيقية على تحويل هذا الابتكار إلى منتجات مصنوعة داخل حدوده، بوظائف أمريكية، وبأمان صناعي واستراتيجي، وحتى يتحقق ذلك، ستظل الولايات المتحدة، رغم تفوقها العلمي، تستورد مستقبلها من الخارج.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search