الأربعاء، 03 سبتمبر 2025

11:45 ص

الخليج يرسم ملامح المستقبل البحري، الموانئ تتذكي والسفن تبحر ذاتيًا

الأربعاء، 03 سبتمبر 2025 09:28 ص

الموانئ الذكية

الموانئ الذكية

لطالما ارتبط البحر لدى شعوب الخليج بالإرث والتاريخ، حيث كانت الموانئ ملاذًا للصيادين والتجار، وشاهدة على نشأة الحضارات وتبدل المصائر. 

الموانئ الذكية

واليوم، وبينما يعاد تشكيل خريطة النقل البحري العالمي بفعل الابتكار والتقنية والاستدامة، تتهيأ دول الخليج العربية لأن تكون في قلب هذه الثورة، ليس كمستهلكين أو تابعين، بل كرواد وشركاء في صياغة مستقبل التجارة البحرية.

التحول إلى الموانئ الذكية.. نهاية العمل اليدوي وبداية عصر الذكاء البحري

في غضون أقل من عقد، شهدت الموانئ الخليجية تحولاً نوعيًا غير مسبوق، فالمشاهد التقليدية للعمال والسفن المصطفة على الأرصفة تحولت إلى مراكز عمليات رقمية تديرها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعمل عبر منظومات إنترنت الأشياء، والبلوك تشين، والتوائم الرقمية، ضمن بيئة مؤتمتة بالكامل.

الموانئ مثل جبل علي في دبي، وميناء خليفة في أبوظبي، وميناء الملك عبد الله السعودي، وميناء حمد القطري، لم تعد مجرد بوابات للتجارة، بل مراكز تكنولوجية ذكية تضاهي أحدث الموانئ العالمية. 

هذه الموانئ لا تكتفي بالأتمتة، بل تعتمد على تحليلات فورية لحركة الشحن، ومتابعة دقيقة لحالة الحاويات، ومؤشرات أداء دقيقة لتقليص التكاليف وزيادة الكفاءة.

وفي سلطنة عمان، وعلى بعد أكثر من 500 كم من العاصمة مسقط، يبرز ميناء الدقم كمشروع طموح في طور التحول إلى ميناء ذكي متكامل، بعد توقيع صفقة توسعة بقيمة 550 مليون دولار. 

يسعى هذا المشروع إلى أن يكون ليس فقط مركزًا لوجستيًا، بل بوابة لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، مستفيدًا من موقعه الاستراتيجي على بحر العرب.

اقرأ أيضًا:

القطاع اللوجستي يصطدم بالتكنولوجيا.. مستودعات الغد بين الأتمتة والواقع العملي

السفن الذاتية.. عندما تبحر التكنولوجيا بدلًا من الإنسان

تعد السفن ذاتية التشغيل واحدة من أبرز ملامح التحول في عالم النقل البحري، إنها ليست ترفًا تكنولوجيًا أو خيالاً مستقبليًا، بل واقعٌ باتت ملامحه تتشكل في مياه الخليج. 

فالمنظمة البحرية الدولية تصنف هذه السفن إلى أربع درجات من الاستقلالية، تبدأ من الأتمتة الجزئية، وتنتهي بالسفن التي تبحر وتقرر وتناور دون أي طاقم بشري.

بين هاتين النقطتين، تتحرك دول الخليج نحو تجريب واعتماد هذه التقنيات، مدعومة بالبنية التحتية الرقمية في موانئها، والأهم، هو تبنيها لتقنيات التوأم الرقمي، التي تتيح إنشاء نسخة افتراضية من السفينة يتم التحكم بها عن بعد، ما يتيح المحاكاة والتدريب والاستجابة السريعة للأعطال والطوارئ، دون تعريض الأرواح للخطر.

الأرقام تؤكد ضرورة هذا التحول، فبحسب دراسة للمعهد العالي للهندسة بالإسكندرية، فإن 62% من حوادث السفن التجارية بين 2011 و2015 سببها الخطأ البشري، وهو ما يعزز أهمية استبدال القرارات البشرية الخاطئة بمنظومات ذكية دقيقة.

ومع حوادث شهيرة مثل جنوح السفينة "إيفر غيفن" في قناة السويس عام 2021، بات من الواضح أن الاعتماد الكامل على العنصر البشري لم يعد مجديًا في عالم يعتمد على السرعة، والدقة، والسلامة.

قطاع الشحن

استدامة في الأعماق.. وقود جديد لعالم جديد

من بين جميع التحولات في قطاع الشحن، تبرز الاستدامة البيئية كأكثرها إلحاحًا وتأثيرًا على المدى الطويل، فوفقًا للمجلس الدولي للنقل النظيف، فإن قطاع الشحن البحري مسؤول عن 1.7% من الانبعاثات الكربونية العالمية، مما يضعه تحت ضغط متزايد لتقليص بصمته البيئية.

استجابت دول الخليج لهذا التحدي عبر التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر أنظف مثل الأمونيا، الميثانول الأخضر، والهيدروجين، وقد وضعت الإمارات والسعودية استراتيجيات طموحة، ليس فقط للاستخدام المحلي، بل أيضًا لتصدير هذه الطاقة النظيفة للعالم.

في أبوظبي، أطلقت دائرة الطاقة مبادرة لتطوير سلسلة إمداد كاملة لوقود الأمونيا المتجددة، تشمل الإنتاج والتخزين والتوزيع. 

وفي السعودية، تُبنى بنية تحتية عملاقة تشمل منشأة نيوم للهيدروجين الأخضر، ومنشآت لتصدير الأمونيا في رأس الخير والجبيل.

كما تستعد شركة "البحري" السعودية لإطلاق أكبر أسطول في العالم لناقلات الأمونيا، بثماني سفن عملاقة قيد الإنشاء في كوريا الجنوبية، من المقرر أن تبدأ عملياتها خلال عامين، ما يعزز مكانة السعودية كمصدر رئيسي للطاقة الخضراء.

تشير التقديرات إلى أن قيمة سوق الهيدروجين قد تصل إلى 2 تريليون دولار بحلول 2050، وأن دول الخليج وحدها قد تنتج ما بين 25 إلى 50 مليون طن سنويًا، مع فائض كبير معد للتصدير.

اقرأ أيضًا:

الشبكات الذكية تمنح اللوجستيات قدرة غير مسبوقة على تتبع الشحنات عالميًا

 

تكامل خليجي.. وعالمي أيضًا

لم تعد موانئ الخليج مشاريع منعزلة عن محيطها، بل إن ما يحدث في هذه الدول يعكس رغبة واضحة في إعادة رسم خريطة النقل البحري واللوجستي العالمي، بما يشمل التكامل الإقليمي عبر مشاريع كبرى، أبرزها مشروع قطار الاتحاد في الإمارات.

هذا المشروع، الذي يربط الإمارات من الشمال إلى الجنوب عبر أكثر من 1200 كم، يطمح لربط موانئ الدولة الأربع الرئيسية، والتوسع لاحقًا لربط ميناء صحار في عمان، وفتح الطريق أمام التكامل اللوجستي الخليجي.

تقدر تكلفة المشروع بـ 3 مليارات دولار، ومن المتوقع أن ينقل 60 مليون طن من البضائع سنويًا بحلول 2030، ما يجعل منه رافعة جديدة للربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا عبر بوابة الخليج.

وفي حين استغرقت القارات القديمة قرونًا لتطوير شبكات نقل متعددة الوسائط، تعمل دول الخليج اليوم على تجاوز هذه المراحل بسرعة فائقة، مدفوعة بثرواتها، واستقرارها السياسي، ورؤيتها بعيدة المدى.

الموانئ الذكية

الخليج... من مستهلك للتقنية إلى صانع للمعايير

لم يعد الخليج مجرد مستهلك للتقنيات البحرية أو تابع لاتجاهات السوق العالمية، بل هو اليوم صانع معايير، ومهندس لمستقبل الشحن البحري، عبر الموانئ الذكية، والسفن الذاتية، والوقود الأخضر، ومشاريع الربط الإقليمي والعالمي.

إن ما ترسمه دول الخليج ليس فقط مستقبلها الاقتصادي، بل مستقبل الملاحة البحرية العالمية، في زمن تتغير فيه قواعد التجارة، وتعاد فيه صياغة علاقات الإنتاج والاستهلاك والنقل.

ما يحدث في مياه الخليج اليوم، من تطوير، وتجريب، وتخطيط، هو مقدمة لعصر بحري جديد، تبحر فيه السفن بأنظمة ذكية، وتدار فيه الموانئ عبر لوحات تحكم رقمية، وتشحن فيه البضائع بطاقة نظيفة، في مشهد يختزل كيف يمكن للرؤية، أن تسبق الجغرافيا، وللطموح أن يعيد رسم الخرائط.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search