الأحد، 24 أغسطس 2025

10:33 ص

الدكتور تامر مؤمن يكتب.. الاقتصاد الرقمي المصري من التحول إلى الريادة

السبت، 23 أغسطس 2025 12:30 م

الدكتور تامر مؤمن

الدكتور تامر مؤمن

الدكتور تامر مؤمن

الاقتصاد الرقمي لم يعد مجرد رفاهية، في عالم يتغير بسرعة البرق، ولم يعد السؤال هو: هل يجب أن نتحول رقميًا؟ بل كيف يمكننا أن نقود هذا التحول؟ مصر، اليوم، لا تكتفي بمسيرة التحول الرقمي، بل تعلن عن حقبة جديدة عنوانها الريادة. وتأتي موافقة البنك المركزي المصري على إطلاق أول بنك رقمي متكامل تحت اسم "وان بنك - onebank” ليس مجرد خطوة مصرفية، بل هو إعلان رسمي أن مصر تدخل حقبة جديدة عنوانها "الرقمي أولاً".

فما هي المقومات التي تدعم طموحها؟ وكيف يمكن للاقتصاد الرقمي أن يصبح قاطرة التنمية المستدامة وتحقيق رؤية مصر 2030"؟

يُعَد الاقتصاد الرقمي اليوم المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي المستدام، وقاطرة التنمية الشاملة في الدول الطامحة للريادة. ففي ظل التحولات العالمية المتسارعة التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة، لم يعد الاهتمام برقمنة الخدمات مجرد خيار ترفي، بل أصبح ضرورة حتمية لتعزيز القدرة التنافسية، وتحقيق الشمول المالي، وخلق فرص عمل جديدة وفي هذا السياق، يبرز "الاقتصاد الرقمي المصري" كنموذج واعد، مدعومًا بإرادة سياسية، وبنية تحتية متطورة، وطاقات بشرية شابة. 

وبتحليل الوضع الراهن للاقتصاد الرقمي في مصر، والتركيز على دور التكنولوجيا المالية (FinTech) والذكاء الاصطناعي والشباب كمحفزات للنمو، يظهر لنا رؤية مستقبلية ومقترحات استراتيجية لتعظيم الاستفادة من هذه المقومات.

حيث يشهد الاقتصاد المصري نقطة انعطاف رقمية من انتشار إنترنت قياسي، بنية مدفوعات فورية ناضجة، واستراتيجية وطنية محدثة للذكاء الاصطناعي (2025–2030)، وتأتي موافقة البنك المركزي المصري على تحويل “شركة مصر للابتكار الرقمي” إلى بنك رقمي متكامل تحت اسم "وان بنك - onebank” كإشارة قوية على انتقال المنظومة المصرفية لمرحلة "الرقمي أولًا"، بما يسرّع الشمول المالي والابتكار ويخفض كلفة الخدمات.

ما هو الاقتصاد الرقمي الاقتصاد الرقمي (Digital Economy)

دعونا نبدأ بتبسيط مفهوم الاقتصاد الرقمي (Digital Economy)هو مصطلح ابتكره الكاتب الكندي "دون تابسكوت" عام 1995، وهو النشاط الاقتصادي الناتج عن مليارات التفاعلات اليومية عبر الإنترنت بين الأفراد والشركات والأجهزة والبيانات وعمليات التحليل، باختصار، هو الاقتصاد القائم على التقنيات الرقمية والإنترنت.ويعد الاقتصاد الرقمي نظام تحويلي يدفع الابتكار، ويُحسّن كفاءة الخدمات، ويخلق فرصًا جديدة، مما يغير طريقة تنفيذ الأنشطة الاقتصادية ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة. 

ومن أبرز مكونات الاقتصاد الرقمي البنية التحتية الرقمية من شبكات الإنترنت، الخوادم، الأجهزة الذكية، أنظمة الاتصالات. التجارة الإلكترونية بما تشمله بيع وشراء السلع والخدمات عبر الإنترنت بالإضافة الى الخدمات الرقمية مثل الخدمات السحابية، التطبيقات، أنظمة الدفع الإلكتروني، البنوك الرقمية، والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي بما يشمله من تحليل البيانات لاتخاذ قرارات اقتصادية، التوصيات الشخصية بالإضافة الى منصات الاقتصاد التشاركي والعملات الرقمية مثل العملات المشفرة، العملات الرقمية للبنوك المركزية.

 تحليل الوضع الراهن للاقتصاد الرقمي المصري

 إن إدراج التحول الرقمي كأحد محاور "رؤية مصر 2030"، مع تركيز على البنية التحتية والخدمات الرقمية والعمل على زيادة نسبة مساهمة القطاع إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي يعكس تبنى مصر استراتيجية طموحة للتحول إلى الاقتصاد الرقمي، مدعومة بأطر تشريعية واستثمارات ضخمة، مع تركيز خاص على تعزيز مكانتها في السوق الأفريقية، حيث تُعد مصر رائدة أفريقيًا، وتحتل المركز الأول في حجم سوق الدفع الإلكتروني بحصة 30% من إجمالي معاملات أفريقيا حسب تقرير GSMA. ويقدر حجم سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: قدّر بـ 27.7 مليار دولار في 2024 مع توقعات بالنمو خلال العقد المقبل. 

ويشهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر طفرة نوعية خلال السنوات الأخيرة، متفوقًا على معدلات النمو الكلي للاقتصاد. تُشير البيانات الرسمية إلى أن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي قد تجاوزت 5.1%، فوفقاً لتقرير "هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات" (ITIDA)، نما قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمعدل 16.2%، ليصبح من أسرع القطاعات نمواً وأكثرها جذباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

 كما قفزت حجم صادرات القطاع لتتجاوز 5.2 مليار دولار، مسجلة أعلى مستوى في تاريخها ونستهدف زيادة الصادرات الرقمية إلى 10 مليارات دولار بحلول 2030. مما يعكس حجم الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية للاتصالات، وتطوير شبكات الجيل الرابع والخامس. وقد أثمرت استراتيجية "مصر الرقمية" عن إطلاق العديد من المبادرات الهادفة إلى رقمنة الخدمات الحكومية، وتنمية القدرات البشرية، ودعم الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية.

ومع ذلك، لا يزال هناك مجال كبير للتطوير، خاصة فيما يتعلق بالشمول المالي. فعلى الرغم من التقدم المحرز، إلا أن نسبة كبيرة من السكان لا تزال خارج نطاق الخدمات المصرفية الرسمية، مما يمثل تحديًا وفرصة في آنٍ واحد لقطاع التكنولوجيا المالية (FinTech) والبنوك الرقمية. وخصوصا في ظل حقيقة ان 72% من مهندسي مصر متخصصون في التكنولوجيا بحسب (المجلس الأعلى للجامعات، 2024).

مؤشرات أساسية للاقتصاد الرقمي المصري 

الدولة المصرية تسير بثبات لتصبح محورًا رقميًا، مستفيدةً من موقعها الجغرافي، الكثافة السكانية، والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية الرقمية. ويظهر ذلك في عدد من المؤشرات التي يمكن قراءتها منها انتشار الإنترنت 96.3 مليون مستخدم ببداية 2025، بما يعادل تطورا يناهز 82% من السكان. وبحسب (المجلس الأعلى للجامعات، 2024) أن 72% من مهندسي مصر متخصصون في التكنولوجيا. 

كما ارتفاعات المؤشرات الأساسية بنهاية 2024، مع توسّع ملحوظ في امتلاك الحسابات خاصة بين النساء والشباب طبقا لتقارير وبيانات البنك المركزي لإجمالي المستخدمين للحسابات بنحو 52 مليون مواطن يمتلكون ويستخدمون حسابات بنكية تمكنهم من اجراء معاملات مالية (في الفئة العمرية 15 سنة فأكثر).

بالإضافة الى تطور نسبة الشمول المالي للمرأة الى 68.8% بمعدل نمو 295% على أساس سنوي مقارنة بمعدلات عام 2016 وكذلك زيادة نسبة الشمول المالي للشباب (15-35) سنة الى 53.1% بمعدل نمو قدرة 56% على أساس سنوي مقارنة بمعدلات عام 2020. 

وتطورت المدفوعات الفورية (InstaPay/IPN) حيثبلغ عدد المسجلين نحو 12.5 مليون مستخدم بنهاية 2024، وقفزت قيمة العمليات في 2024 إلى 2.9تريليون جنيه مع نحو 1.5مليار عملية. كما أُقرت هيكل رسوم تحويل بنسبة 0.1% (حد أدنى 0.50 جنيه وأقصى 20 جنيه).

التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي والشباب.. محفزات النمو المستقبلي

 

ومن وجهة نظري، يُعَد كل من التكنولوجيا المالية (FinTech) والذكاء الاصطناعي والشباب الركائز الأساسية للتحول الرقمي في مصر، وقاطرات النمو المستدام. ومع إطلاق النسخة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (2025–2030)، تستهدف مصر بناء مركز إقليمي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ومن أبرز التطبيقات المتوقعة، تحسين المخاطر الائتمانية، مكافحة الاحتيال، وخدمات ذاتية ذكية.

 وتُعد مصر من الدول الرائدة في تبني استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، تهدف إلى توظيف هذه التقنيات المتقدمة في مختلف القطاعات الحيوية مثل الزراعة، والصناعة، والصحة والقطاع المصرفي و المالى ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساهم في زيادة الإنتاجية، وتحسين الكفاءة، وتقديم حلول مبتكرة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية.

 ويُمثل الشباب المصري، بما يمتلكه من شغف بالتقنية وقدرة على التكيف، القوة الدافعة للتحول الرقمي. فمع مبادرات مثل "مستقبلنا رقمي"، يتم تأهيل آلاف الشباب سنويًا على أحدث المهارات الرقمية، مما يوفر قاعدة واسعة من الكفاءات القادرة على دعم نمو قطاع التكنولوجيا. وتعدمصر من أكبر منتجي الكفاءات التقنية في المنطقة، لكن الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق ما زالت قائمة، ما يتطلب مضاعفة برامج التدريب في الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات وتحليل البيانات.

قرار "وان بنك – onebank " ماذا يعني ولماذا الآن؟

يُمثل قرار البنك المركزي المصري الأخير بالموافقة على إطلاق "وان بنك - onebank" - كأول بنك رقمي مُرخص في مصر - علامة فارقة في مسيرة التحول الرقمي والشمول المالي. هذا القرار يحمل في طياته دلالات اقتصادية عميقة، منها تعزيز الثقة في القطاع المالي حيت يُشير القرار إلى ثقة المؤسسات الرقابية في قدرة القطاع المالي على استيعاب نماذج عمل جديدة قائمة على الابتكار.

ومن المتوقع أن يُحدث "وان بنك - onebank" منافسة إيجابية في السوق، مما سيدفع البنوك التقليدية إلى تسريع وتيرة تحولها الرقمي، وتقديم خدمات أكثر مرونة وابتكارًا للعملاء وسوف يعمل ذلك على تعزيز وزيادة معدلات الشمول المالي وخصوصا للفئات المهمشة حيث يستهدف البنك الرقمي بشكل خاص فئة الشباب وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهي فئات تحتاج دائما ان تحظَ بتمثيل كافي في القطاع المصرفي.

الرؤية المستقبلية للاقتصاد الرقمي المصري 

لضمان استمرار زخم النمو، أقترح تبني مجموعة من السياسات والمبادرات الاستباقية ومنها تطوير الإطار التشريعي حيث يجب الاستمرار في تحديث الإطار القانوني والرقابي لمواكبة التطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي. بالإضافة الى دعم ريادة الأعمال وتقديم حوافز ضريبية وجمركية للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، مع إنشاء صناديق استثمارية متخصصة لدعم نموها. وهو ما يستلزم دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتعزيز التعاون بين الحكومة والشركات التكنولوجية والجامعات لخلق بيئة متكاملة تدعم الابتكار والبحث والتطوير.

إن الاقتصاد الرقمي ليس مستقبلًا بعيدًا، بل هو واقع يعيد تعريف كل قطاع تقليدي (التعليم، الصحة، الزراعة، الصناعة، المالية، البنوك) عبر دمج التقنية. ويعد إطلاق أول بنك رقمي في مصر إعلانًا عن دخول البلاد حقبة جديدة من النمو الاقتصادي، تقودها التكنولوجيا والإبداع. فالاستثمار في التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي وتأهيل الشباب ليسا مجرد خيارات، بل هما أساس بناء اقتصاد مرن ومستدام، قادر على المنافسة عالميًا، وتحقيق التنمية الشاملة التي تليق بمصر ومستقبلها.

Short Url

search