الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

12:46 ص

الجنيه المصري، بين رهانات الإصلاحات وتقلبات الاقتصاد العالمي

الإثنين، 18 أغسطس 2025 08:23 م

الجنيه المصري

الجنيه المصري

في مشهد اقتصادي عالمي يتأرجح بين التضخم المتصاعد وتباطؤ النمو وتوترات جيوسياسية تلقي بظلالها على الأسواق، يطل الجنيه المصري في 2025 كقصة استثنائية تحمل بين طياتها مزيجًا من التحديات والفرص. 

الجنيه المصري

فبعد سنوات من الضغوط، بدأ الجنيه يستعيد جزءًا من بريقه، مسجلاً استقرارًا لافتًا عند حدود 48.3 جنيه للدولار منتصف أغسطس، في خطوة فسرها البعض على أنها انعكاس مباشر لجرأة الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة المصرية، بدعم من صندوق النقد الدولي وشركاء إقليميين، وفي مقدمتهم دول الخليج.

هذا الاستقرار النسبي لا يمكن النظر إليه كرقم عابر في سوق الصرف، بل كرسالة ثقة موجهة للأسواق الدولية والمستثمرين المحليين على حد سواء، بأن مصر تسير في مسار إصلاحي طويل الأمد يوازن بين متطلبات الاستقرار النقدي والتحفيز الاقتصادي.

تدفقات نقدية تعيد التوازن

الركيزة الأبرز لتعافي الجنيه جاءت من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي قفزت بنسبة تقارب 70% خلال عام واحد لتسجل 32.8 مليار دولار حتى مايو 2025. 

هذه التدفقات مثلت شريان حياة حقيقيًا للاقتصاد المصري، ليس فقط لأنها وفرت سيولة دولارية للأسواق والبنوك، ولكن لأنها عززت احتياطي النقد الأجنبي ليصل إلى 49 مليار دولار في يوليو، وهو أعلى مستوى منذ سنوات.

وإذا كان البعض يرى في هذه التحويلات دعمًا مؤقتًا، فإن التوقعات بوصولها إلى 35 مليار دولار خلال 2026 تعكس استدامة هذا المصدر الحيوي، خاصة في ظل الثقة المتزايدة بالمناخ الاقتصادي بعد تقليص الفجوة بين السعر الرسمي والموازي للعملة.

الجنيه مقابل العملة الصعبة

السياحة.. الرئة الثانية للعملة الصعبة

على خط موازي، لعب قطاع السياحة دورًا محوريًا في تدعيم الجنيه، فقد استقبلت مصر أكثر من 8.7 مليون سائح في النصف الأول من 2025، محققًا قفزة سنوية بلغت 24%، بينما وصلت الإيرادات السياحية إلى 8 مليارات دولار خلال ستة أشهر فقط. 

هذه الأرقام لا تعكس مجرد انتعاشة مؤقتة، بل توضح أن مصر تستفيد استراتيجيًا من موقعها وتاريخها وأسعارها التنافسية بعد انخفاض قيمة الجنيه، بما يجعلها وجهة مفضلة للمسافرين الباحثين عن توازن بين الجودة والسعر.

تراهن الحكومة على الوصول إلى 18 مليون سائح بنهاية 2025، وهو رقم إن تحقق سيعني ضخ مليارات إضافية في شرايين الاقتصاد، بما يساعد في تقليص العجز التجاري الذي بلغ أكثر من 37 مليار دولار العام الماضي.

 

اقرأ أيضًا:

غدًا، زيادة قيمة أذون خزانة مصرية بقيمة 51 مليار جنيه

 

الاستثمارات الخليجية وصندوق النقد.. رهان الإصلاحات

لا يمكن الحديث عن تعافي الجنيه دون التطرق إلى صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، التي ضخت 35 مليار دولار في السوق المصرية، وفتحت الباب أمام تدفقات استثمارية إضافية قد تصل إلى 150 مليار دولار من دول الخليج خلال السنوات المقبلة. 

هذه الاستثمارات تمثل ثقة سياسية واقتصادية في قدرة مصر على إعادة هيكلة اقتصادها، خاصة مع التزامها ببرنامج إصلاح مدعوم من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.

البنك المركزي المصري

السياسة النقدية.. معركة الفائدة والتضخم

اختار البنك المركزي المصري بقيادة المحافظ حسن عبد الله، سياسة متشددة في مواجهة التضخم، فأبقى أسعار الفائدة عند مستويات تاريخية بلغت 27.25% للإيداع و 28.25% للإقراض. 

هذه الخطوة ساعدت بالفعل على تهدئة التضخم الذي انخفض إلى 13.9% في يوليو مقابل 14.9% في يونيو، وسط توقعات بأن يواصل التراجع إلى 12.5% في 2026.

ومع هذا الهبوط التدريجي، يترقب المستثمرون قرار البنك المركزي ببدء خفض تدريجي للفائدة، وهو ما سيقلل من تكلفة التمويل على الشركات ويحفز الاستثمار المحلي. 

غير أن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، إذ إن أي خفض سريع قد يضع ضغوطًا جديدة على الجنيه في مواجهة الدولار.

اقرأ أيضًا:

الجنيه المصري يستعيد قوته ويرتفع مقابل الدولار منذ بداية العام (انفوجراف)

التحديات.. ديون ثقيلة ومخاطر جيوسياسية

ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن التحديات الهيكلية لا تزال قائمة، فالدين الخارجي لمصر تجاوز 155 مليار دولار، مع التزامات خدمية تصل إلى 21 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي الحالي. 

إضافة إلى ذلك، فإن التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر والشرق الأوسط تؤثر على إيرادات قناة السويس، بينما يظل العجز التجاري غير النفطي عبئًا ثقيلاً يحتاج إلى حلول مبتكرة تقوم على تعزيز الصادرات لا على خفض الواردات فقط.

جنيه مصري

المستقبل.. بين الأمل والحذر

اليوم، يبدو الجنيه المصري أكثر صلابة مما كان عليه قبل عامين، لكن هذه الصلابة ليست ضمانة مطلقة، بل هي ثمرة مزيج دقيق من السياسات النقدية، وتدفقات الأموال من الخارج، ودعم إقليمي ودولي. 

ونجاح هذه المعادلة على المدى الطويل يتوقف على قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة، تشمل تنمية الصناعة، ودعم الصادرات، وتوسيع قاعدة الاقتصاد بعيدًا عن القطاعات التقليدية.

وإذا استطاعت مصر أن تحافظ على وتيرة الإصلاحات وتوازن بين متطلبات الاستقرار وجذب الاستثمارات، فإن الجنيه قد يتحول من مجرد عملة صامدة في وجه الأزمات إلى رمز لقصة تعافي اقتصادي تلهم دولاً أخرى في المنطقة.

عام 2025 يمثل للجنيه المصري نقطة مفصلية بين الماضي المليء بالضغوط والمستقبل المليء بالرهانات، وبينما تشير المؤشرات الحالية إلى مسار إيجابي، فإن الطريق لا يزال محفوفًا بالتحديات، وهو ما يجعل من الاستمرار في الإصلاحات خيارًا لا بديل عنه، إذا ما أرادت مصر أن تكتب قصة نجاح اقتصادية جديدة يكون الجنيه عنوانها الأبرز.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search