أسرار سوق السندات، من أدوات سد العجز التجاري لسلاح الضغط الاقتصادي
الإثنين، 18 أغسطس 2025 06:57 م

السندات الأمريكية
نفيسه محمود
في ظل أزمة الرسوم الجمركية، وضغط الولايات المتحدة على دول العالم، والتصعيد بينها وبين الصين، يبقى السؤال، ما هو مصير الولايات المتحدة كونها أكبر دولة مدينة بقروض السندات، وتأتي الصين كثاني أكبر دولة تمتلك سندات أمريكية بعد اليابان، فما هي السندات وما خطرها على أمريكا؟
قيمة سوق السندات، في الأصل، أكبر بكثير من سوق الأسهم العالمية، والسندات واحدة من أكثر الأصول المالية تداولًا في العالم، وهي نوع خاص من القروض، وتعتبر عامل ضغط اقتصادي قوي، تستخدمه الدول للضغط على دول أخرى، فتحول الأمر من أداة اقتصادية، لأداة سياسية بامتياز.
في هذا التقرير، نستعرض مفهوم السندات الأمريكية وقيمتها وأنواعها، وأكثر الدول امتلاكًا للسندات الأمريكية.

ماهو السند الذي تستخدمه الدولة كعامل ضغط اقتصادي؟
السند، هو نوع من القروض، تقوم الدولة الحاملة للسند (صاحبة السند) بإقراض هذه السندات، لدول أخرى، مقابل رأس مال مساوي لقيمة السند، حتى تاريخ تسديد متفق عليه، وحتى هذا المعاد، تقوم الدولة المدينة بتسديد مدفوعات الفائدة، من خلال سلسلة من المدفوعات تعرف بـ(الكوبون)، أما القرض الأساسي فيعرف بـ(أصل القرض).
مثال للتوضيح: تصدر الولايات المتحدة سندات أمريكية، هذه السندات لها أسعار، تقوم الصين بشراء هذه السندات، وتعرف عملية الشراء بأنه رأس مال مستثمر من الصين، أو اقتراض أمريكا من الصين، هذه السندات طويلة الأجل، ولها عمر افتراضي، أي أن السند له تاريخ صلاحية، عندما يأتي تاريخ الصلاحية يجب على الولايات المتحدة أن تسدد قيمة السند (الذي اشترته الصين) وفي خلال فترة امتلاك الصين لهذا السند، تلتزم الولايات المتحدة بدفع مجموعة من الكوبونات (فوائد) للصين.
ماهي السندات؟
السندات هي أوراق مالية قابلة للتداول، بمعنى أنها تشبه أسهم البورصة، حيث يمكن شرائها وبيعها مع التحفظ على الاختلافات الموجودة بينهما، ويتم تداول السندات بين وكلاء ووسطاء للمؤسسات، ويوجد العديد من السندات المدرجة في البورصات العالمية، على سبيل المثال بورصة لندن، وتختلف أسعار السندات، حيث ترتفع وتنخفض على حسب العرض والطلب، ولكن الأكيد أن سعر السند يعتمد بشكل أساسي على معدلات الفائدة.
مثال للتوضيح: إذا ارتفعت معدلات الفائدة في مصادر أخرى غير السندات، مثلًا ارتفاع فوائد شهادات البنوك، تكون مكاسب السندات في هذه الحالة أقل، وبالتالي يقل شراء المستثمرين للسندات، ويتجهون لمصادر أخرى للاستثمار مثل الشهادات البنكية أو العقارات أو حتى شراء الذهب، وفي هذه الحالة تنخفض أسعار السندات، مما يؤثر على حالة الطلب على السندات ويؤثر على العرض.
ماهي أنواع السندات الموجودة في السوق الآن؟
يتم تحديد نوع السندات من خلال جهة مصدر السندات، وتستخدم الدول السندات لزيادة رأس مالها، أو لدعم إنفاقها التجاري، كما يستخدم الأفراد السندات كمصدر للاستثمار لزيادة رأس ماله، وهناك أربع أنواع رئيسية للسندات:
- السندات الحكومية.
- سندات الشركات.
- سندات البلدية.
- سندات الوكالات الحكومية.
أولًا: السندات الحكومية
تختلف مسميات السندات الحكومية على حسب الحكومة، فمثلا في الولايات المتحدة، يطلق عليها اسم سندات الخزانة الأمريكية، أما في المملكة المتحدة فتسمى سندات الدين الحكومي، وتتميز السندات السيادية (الحكومية) بأنها اقتصاد راسخ، معروف بانخفاض مخاطره.
ملحوظة: هناك اختلاف بين سندات الخزانة الأمريكية وأذونات الخزانة الأمريكية، فالسندات عمرها الافتراضي أطول، وقد يصل إلى 30 عامًا، أما الأذونات فعمرها الافتراضي (مدة الاستحقاق) مقيد، يتراوح بين عدة أشهر، بمدة أقصاها عام واحد.
إن غالبية السندات الحكومية وخاصة سندات المملكة المتحدة والولايات المتحدة، تتميز بمعدل فائدة ثابت، ولكن قد يتم تعديل قيمة الكوبونات (الفوائد) بناءً على معدل التضخم، ومدى تغيره، لذلك يطلق على السندات الحكومية أيضًا سندات الحكومة المرتبطة بمؤشرات.
ثانيًا: سندات الشركات
يتم إصدار هذا النوع من السندات من شركات التأمين، لتوفير التمويل الذي تحتاجه للاستثمار، وهذه السندات تعرف بمخاطرها الأكبر من السندات الحكومية، كما أن فوائدها تعتبر أعلى، ويتم تقييم سندات الشركات من قِبل وكالات التصنيف العالمية، مثل وكالة فيتش، وهذه التصنيفات تعتبر عامل هام، يعتمد عليه العميل عند شراؤه للسند، ويتم توضيحه فيما بعد.
ثالثًا: سندات البلدية
يصدر عن السلطات المحلية، مثل المجالس أو البلديات أو المدن، سندات خاصة، تستخدم في الغالب لتمويل مشاريع البنية التحتية المحلية، فمثلا تصدر المملكة المتحدة، سندات من قِبل الوكالة البريطانية.
إن سندات البلدية تشبه إلى حد كبير السندات الحكومية، فنجد أن استثماراتها مخاطرها أقل، مع معدلات فائدة منخفضة، ولكنها تتميز عن غيرها من أنواع السندات، بأنها تُعفى من ضرائب معينة.
رابعًا: سندات الوكالات الحكومية
وهي أوراق مالية صادرة عن مؤسسات ترعاها الحكومات.
كيف تعمل السندات؟
السندات عبارة عن قروض، وبالتالي هي أدوات دين، بحيث يُقرض حامل السند (المستثمر) رأس مال محدد لجهة إصدار السند، (أي أن رأس المال هو سعر السند)، وتقوم الجهة فيما بعد بسداد القرض في تاريخ معين، يحدده السند، أم الفوائد التي تعود للمستثمر من استثمار رأس ماله، في شراء هذا السند، تعود إليه خلال فترة امتلاكه السند، في مواعيد محددة، وتسمى هذه الفوائد باسم (كوبونات)، ثم يتم سداد مبلغ أصل القرض (رأس المال المستثمر الذي اشترى به العميل السند)، عند انتهاء صلاحية السند.
نمطان في آلية عمل السندات وهما:
السندات الصفرية: هي سندات دون فوائد، وتتميز بأنها تباع مع خصم على قيمتها، والسؤال هنا، كيف يستفيد المستثمر من السند، إذا لم يكن هناك فوائد؟
الإجابة ببساطة، عندما يبيع المستثمر السند فيما بعد، يصبح الفرق بين سعر السند الأصلي الذي اشتراه، وسعر السند عند البيع مرة أخرى، هو الفائدة التي يحصل عليها المستثمر، وتشبه هذه العملية كشراء عقار مثلًا، يتم استثمار رأس المال في عقار ما بشراؤه، وبعد فترة يتم بيعه، والفرق بين سعر العقار عند الشراء وعند البيع هو المكسب الذي يحصل عليه صاحب العقار.
السندات المرتبطة بمؤشرات التضخم: هذه السندات تتغير فيها قيمة الكوبونات (الفوائد)، وفقًا لتقلبات معدل التضخم، ولكن الشائع أن هناك سندات محمية من التضخم.

خصائص السندات
الاستحقاق والمدة: يجب تحديد تاريخ استحقاق كل سند، أي تاريخ انتهاء صلاحيته، ومدة الاستحقاق، التي تعرف بعمر السند.
التصنيف الائتماني: وكالات التصنيف مثل وكالة فيتش، تعتبر عاملًا مؤثرًا على سوق السندات، فهي توجه المشترين إلى اختيار جهة إصدار السند، من خلال توفير إحصائيات ورؤى عميقة حول مخاطر الائتمان، وتوضح وضع جهة الإصدار والتزامها بدفع الكوبونات، كما تساعد وكالات التصنيف جهات الإصدار في تسعير هذه السندات.
ملحوظة: كلما انخفضت المخاطر الائتمانية لجهات إصدار السند، ارتفع تقييمها، وبالتالي انخفضت أسعار الكوبونات، وبالتبعية تقليل تكلفة الاقتراض على جهة الإصدار.
القيمة الصورية (الاسمية) وسعر الإصدار: القيمة الصورية هي قيمة السند الأصلي المتفق تسديده لحامل السند، في الغالب تظل قيمة السند ثابتة طوال العمر الافتراضي السند، ولكن هناك بعض السندات التي تتغير قيمتها بسبب معدل التضخم.
معدلات وتواريخ الكوبونات: سعر كوبون السند هو العلاقة بين قيمة مدفوعات كوبونات السند وقيمة السند الصورية، ويعبر عنه بالنسبة المئوية.
مثال للتوضيح: إذا كانت القيمة الصورية للسند 1000 جنيه مصري، وتم دفع كوبون كل عام بقيمة 50 جنيهًا مصريًا يصير معدل الكوبون السنوي 5%، ويتم دفع الكوبونات إما بمعدل سنوي أو نصف سنوي أو فصلي أو شهري.
ما هي العوامل التي تؤثر على أسعار السندات؟
العرض والطلب: كالمعتاد أي شئ قابل للتداول فهو يتأثر بالعرض والطلب، ويعتمد حجم العرض على جهات الإصدار ومدى حاجتها للتمويل، أما حجم الطلب فيتم تحديده من خلال مدى فائدة الاستثمار في السند، مقارنة بأساليب الاستثمار الأخرى.
أسعار السندات ومعدلات الفائدة: معدل الفائدة في أدوات الاستثمار الأخرى لها دورًا كبيرًا في تحديد حجم الطلب والعرض في السندات، بمعنى إذا كانت الفائدة (الكوبون)، التي سيحصل عليها المستثمر كبيرة، عند شراء السند، يزيد الطلب على السند، أما إذا كانت الفائدة (سعر الكوبون)، أقل من فوائد طرق الاستثمار الأخرى، فيقل الطلب، وكذلك في حالة العرض، إذا رأت وجهة الإصدار أن الفائدة (التي ستدفعها للمستثمر) كبيرة، تقلل بيع السندات، وإذا كانت الفائدة أقل، تُزيد عرضها للسندات.
القاعدة العامة: هناك علاقة عكسية بين أسعار الفائدة وأسعار السندات، كلما زادت أسعار الفائدة (فائدة الطرق الاستثمارية الأخرى) انخفضت أسعار السندات، وكلما انخفضت الفائدة ارتفعت أسعار السندات لزيادة الطلب عليها.
أسعار السندات وبنك الاحتياطي الفيدرالي
بنك الاحتياطي الفيدرالي هو السلطة النقدية الأكبر في العالم، وأقوى مؤسسة مالية، وبالتالي فأي قرارات تصدر عنه تؤدي إلى تداعيات عالمية، فعندما يُخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة (فائدة معاملات البنك المختلفة)، يتجه المستثمرون إلى المصدر الذي يكون فيه معدل فائدة أعلى ( أسعار كوبونات أعلى)، وبالتالي يزداد الطلب في السوق الكبرى لأوراق الخزانة الأمريكية، وعليه، تزداد أسعار السندات والأذونات.
في هذه الحالة، تكون المؤسسات الاستثمارية التي تمتلك بالفعل أوراق الخزانة الأمريكية، مثل صناديق التقاعد والصناديق الاستثمارية المشتركة والصناديق المتداولة بالبورصات والبنوك الاستثمارية والصناديق الائتمانية، ستشهد، ارتفاعًا في قيمة أصولها، مع ارتفاع أسعار أوراق الخزانة الأمريكية وأسعار السندات الأخرى.
_1759_044837.jpg)
ما هي مخاطر السندات؟
مخاطر الائتمان: ضمن المخاطر ألا تستطيع جهة إصدار السندات، دفع الكوبونات أو حتى سداد أصل القرض (السند)، ويبرز هنا دور وكالات التصنيف، في تحديد وتقدير قيمة الجدارة الائتمانية، لجهات الإصدار المختلفة.
مخاطر معدلات الفائدة: تظهر في حالة ارتفاع معدلات الفائدة في استثمارات أخرى غير السند، وهنا تقل قيمة السند، وفي هذه الحالة، تؤثر معدلات الفائدة على التكلفة الناتجة عن الاحتفاظ بالسند، وخاصة عندما يكون أمام المستثمر العائد الأفضل، لكن في أماكن أخرى، غير السند الذي يمتلكه.
مخاطر التضخم: قد يتسبب ارتفاع معدل التضخم في انخفاض قيمة السند، وتأتي ميزة السندات المتأثرة بالمؤشرات، في تخفيف خطر الخسارة.
مخاطر السيولة: تظهر مخاطرة السيولة عندما لا يكون هناك طلبًا كافيًا للسندات الموجودة، وبالسعر المعروض، وفي هذه الحالة، قد تضطر جهات الإصدار إلى خفض قيمة السندات لزيادة الطلب عليها.
مخاطر العملات: ترتبط مخاطر تقلب أسعار العملات، فقد عند شراء سند، بعملة مختلفة عن العملة التي ستكون عليها الفائدة.
مخاطر استدعاء السند: تحدث مخاطر استدعاء السند عندما يكون لدى جهة إصدار السند الحق في طلبه، مع سدادها القيمة الصورية للسند، قبل انتهاء تاريخ الصلاحية الرسمي.
أكثر الدول امتلاكًًا للسندات الأمريكية:
الدول بالترتيب | قيمة السندات |
اليابان | 1079.3 مليار دولار |
الصين | 760.8 مليار دولار |
المملكة المتحدة | 740.2 مليار دولار |
لوكسمبورج | 409.9 مليار دولار |
جزر الكايمان | 404.5 مليار دولار |
بلجيكا | 377.7 مليار دولار |
كندا | 350.8 مليار دولار |
فرنسا | 335.4 مليار دولار |
أيرلندا | 329.7 مليار دولار |
سويسرا | 301.1 مليار دولار |
أكثر الدول العربية امتلًاكا للسندات الأمريكية
السعودية | الإمارات | الكويت |
126.9 مليار دولار | 92.6 مليار دولار | 49.2 مليار دولار |
السندات الأمريكية وتمويل عجز الموازنة
في يوليو الماضي ارتفعت حيازات المستثمرين الأجانب من سندات الخزانة الأمريكية، ارتفاعا قياسيًا، مما يدل على استمرار الطلب على ديون الحكومة الأمريكية، بعد أن أدى انخفاض قيمة الدولار إلى اهتزاز ثقة المستثمرين في أصول الولايات المتحدة، ووصلت قيمة حيازات الأجانب للسندات السيادية الأمريكية حوالي 9.13 تريليون دولار في يونيو الماضي، بزيادة قدرها 80.2 مليار دولار عن شهر مايو، وفي خلال النص الأول من عام 2025 ارتفعت الحيازات الأجنبية للسندات الأمريكية بقيمة 508.1 مليار دولار.
في نفس الفترة انخفض الدولار 11%، محققًا أكبر خسارة له منذ 1973، وشهدت بريطانيا وبلجيكا زيادة ملحوظة في عدد الحيازات للسندات الأمريكية، أما الهند وأيرلندا فانخفضت عدد حيازاتها.
قبل نهاية العام الجاري 2025، من المفترض أن تقوم الولايات المتحدة بإعادة تمويل مجموعة سندات بقيمة 8 تريليون دولار، وطرحها في السوق، كما يجب أن تصدر الحكومة الأمريكية سندات جديدة بقيمة 2 تريليون دولار، لتمويل عجز الموازنة الحالي، وأيضَا قبل نهاية 2025.
ديون أمريكية ضخمة
وصل الدين العام للولايات المتحدة الأمريكية إلى 36.2 تريليون دولار أمريكي، بنهاية فبراير الماضي، حيث ارتفع الدين في خلال آخر 10 سنوات بنسبة 85.5%.
ووفقًا للبيانات الرسمية، فقد شكلت قيمة السندات الأمريكية تقريبًا 32% من الناتج المحلي الإجمالي، أما قيمة الدين الأمريكي، فتصل قيمته إلى 123% من الناتج المحلي الإجمالي.

اقرأ أيضًا:
المالية تخطط لإصدار سندات دولية تصل لـ 4 مليارات دولار
ارتفاع حيازات الأجانب من سندات الخزانة الأمريكية إلى مستوى قياسي في يونيو
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، وبالاضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
قوة حاسوبية تاريخية، الصين تقترب من قيادة الاقتصاد الرقمي العالمي
18 أغسطس 2025 02:50 م
أوروبا تستحوذ على 57.3% من صادرات الخشب المنشور بـ 21.6 مليار دولار
18 أغسطس 2025 01:24 م
أكثر الكلمات انتشاراً