قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين.. مصالح تحت الرماد، هل تضع الحرب أوزارها؟
السبت، 16 أغسطس 2025 02:54 م

قمة ترامب وبوتين في ألاسكا
في مشهد يترقبه العالم منذ سنوات، اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا، لأول مرة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية.

ورغم أن اللافت إعلاميًا هو الحديث عن السلام، فإن جوهر اللقاء يتمحور حول الاقتصاد، وخصوصًا تقاطعات الطاقة والمعادن والهيمنة الجيوسياسية، في ظل عالم يتغير بسرعة بفعل الحرب والتكنولوجيا.
الاقتصاد الروسي تحت الحصار
منذ غزو أوكرانيا في 2022، تكبدت روسيا عقوبات غربية قاسية، فقد فرضت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 7 آلاف عقوبة، وتجمدت أصول روسية تزيد قيمتها على 300 مليار دولار.
وبحسب صندوق النقد الدولي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في 2024 إلى 2.16 تريليون دولار، بينما تراجعت إيرادات النفط والغاز بنسبة 17% خلال النصف الأول من عام 2025.
هذه العقوبات لم تضرب الاقتصاد الروسي فقط، بل دفعت موسكو إلى إعادة توجيه تجارتها نحو الشرق والجنوب، وتعزيز الشراكات مع الصين، وإيران، ودول الجنوب العالمي، ومع ذلك، يبقى الغرب وخصوصًا الولايات المتحدة سوقًا لا غنى عنه من حيث التكنولوجيا والعملة.
اقرأ أيضًا:
الاقتصاد يسبق الحرب، هل تتحول قمة ألاسكا إلى صفقة قرن في سوق الغاز؟
ترامب وبوتين.. مصالح تتقاطع عند المعادن
منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، يُظهر ترامب تركيزًا واضحًا على الموارد الاستراتيجية، وعلى رأسها المعادن الأرضية النادرة التي تهيمن الصين على 60% من إنتاجها العالمي.
ومن هنا، اتجهت واشنطن إلى أوكرانيا، التي تُعد أرضًا غنية بهذه المعادن، ووقعت معها اتفاقًا لإعادة الإعمار مقابل تمكين الشركات الأمريكية من الاستثمار في استخراج هذه الموارد.
لكن المعادلة أكثر تعقيدًا، فقرابة نصف هذه المعادن تقع حاليًا في مناطق تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، مثل دونيتسك وزاباروجيا وخيرسون.
وهذا الواقع الجغرافي يجعل أي استثمار أمريكي مرتبطًا بموافقة روسية ضمنية أو تفاهمات غير معلنة، وهو ما يجعل من قمة ألاسكا مناسبة مثالية لإعادة رسم خريطة النفوذ.

هدنة مقابل تنازلات.. صفقة أم ابتزاز سياسي؟
يتداول دبلوماسيون ومحللون سيناريو صفقة ضمنية، هدنة مؤقتة في أوكرانيا، مقابل رفع جزئي للعقوبات أو اعتراف غير رسمي بسيطرة موسكو على بعض المناطق.
ويعتقد البعض أن ترامب مستعد لتقديم تنازلات سياسية، منها الاعتراف بشبه جزيرة القرم، وربما أجزاء من دونباس، مقابل تأمين مصالح اقتصادية أمريكية حيوية.
الدبلوماسي الأوكراني السابق، فولوديمير شوماكوف، يرى أن ترامب "يتصرف كرجل صفقات أكثر من كونه رجل دولة"، وأن ما يهمه ليس سلامًا عادلاً بل تفاهمًا يخدم مصالحه الانتخابية والاقتصادية، أما موسكو، فهي تدرك أن ضعف أوروبا وانقسام الغرب يمنحها أوراق تفاوض إضافية.
اقرأ أيضًا:
بمبلغ يبدأ من 10 دولارات، ترامب يستغل اجتماعه مع بوتين لجمع التبرعات
هل أوروبا خارج المعادلة؟
أثار غياب القادة الأوروبيين عن القمة قلقًا واسعًا في العواصم الغربية، خشية أن يُدار الملف الأوكراني بمعزل عنهم.
ولهذا، نظم الاتحاد الأوروبي قمة افتراضية مع ترامب قبل اللقاء، بالتنسيق مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، لوضع خمسة مبادئ تفاوضية أساسية، أبرزها عدم التفاوض حول أوكرانيا دون أوكرانيا.
لكن هذه المبادرات تبدو رمزية أكثر منها عملية، فالقوة الميدانية الآن بيد روسيا، فيما تبدو أوكرانيا مرهقة سياسيًا وعسكريًا بعد ثلاث سنوات من الحرب.
لذا، فإن خشية كييف من قيام سلام مفروض ليست بعيدة عن الواقع، خصوصًا إذا عادت واشنطن إلى دبلوماسية الصفقة الثنائية بدلًا من العمل الجماعي.

المعادن النادرة.. الكنز الخفي وراء الحرب
تشير دراسات حديثة إلى أن أوكرانيا تحتوي على معادن نادرة تقدر قيمتها بما بين 7 و12 تريليون دولار، وهذه الثروات لا تُستخدم فقط في الإلكترونيات المتقدمة، بل تُعد عنصرًا أساسيًا في الصناعات العسكرية، من الطائرات إلى الصواريخ وأنظمة التوجيه.
لكن العقبة الكبرى أمام استغلال هذه الموارد ليست فقط الاحتلال الروسي، بل البنية التحتية المدمرة، والمخاطر الأمنية، وحجم الألغام الهائل في المناطق الشرقية، وهو ما يعني أن أي استثمار فعلي في هذه الموارد قد يستغرق سنوات طويلة من العمل وإزالة الألغام واستعادة الاستقرار.
أوكرانيا.. خارج القاعة وعلى الطاولة
الانتقاد الأكبر للقمة يأتي من كييف، التي لم تدعى للمشاركة في اللقاء الذي يناقش مصيرها، وبهذا، تتحول أوكرانيا إلى موضوع تفاوض لا طرف فيه، ما يعيد إلى الأذهان تحذيرًا دبلوماسيًا شائعًا: "إذا لم تكن على الطاولة، فربما تكون على قائمة الطعام".
الدستور الأوكراني يمنع صراحة التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية، ما يجعل أي صفقة تتضمن اعترافًا بسيطرة روسيا على جزء من دونباس أو زاباروجيا بمثابة أزمة دستورية داخلية تهدد استقرار البلاد.
اقرأ أيضًا:
قمة ترامب-بوتين، مرسوم روسي يُحيي استثمارات الطاقة الأمريكية
الحسابات الشعبية لا تغيب عن الطاولة
من الجانب الأمريكي، لا يمكن فصل القمة عن السياق الشعبي الذي يعيش فيه ترامب، فالرجل يسعى إلى تقديم نفسه كرئيس قادر على إنهاء الحروب، وتخفيض الإنفاق العسكري، وتحقيق سلام مربح، يخدم الاقتصاد الأمريكي دون خسائر عسكرية.
أما روسيا، فترى في ترامب شريكًا أكثر مرونة من الإدارات الديمقراطية، وهو ما يفسر الحماسة الظاهرة في تصريحات الكرملين قبل القمة، والتي ركزت على الفرص غير المستغلة بين البلدين، وخاصة في المجالات التجارية.

ختام مفتوح.. ومصالح لا تعرف لغة العواطف
رغم الترقب الكبير، لم تخرج قمة ألاسكا بنتائج صلبة حتى اللحظة، لكنها كشفت حجم التحول في موازين القوى، وعمق التشابك بين الحرب والجغرافيا والموارد الطبيعية.
فبينما ينتظر البعض إعلان سلام مفاجئ، يدرك آخرون أن المعادلات المعقدة، والضغوط الانتخابية، والمصالح الاقتصادية الكبرى، قد تنتج تسوية رمادية، لا تنهي الحرب ولا تمنح النصر الكامل لأي طرف.
ما حدث في ألاسكا هو فتح باب مفاوضات قد تكون طويلة ومعقدة، وقد تضع أوكرانيا في مسار تسوية قد لا ترضي طموحاتها السيادية.
وفيما يحاول ترامب وبوتين رسم مستقبل جديد للمنطقة، تبقى الشعوب، كما دائمًا، في انتظار ما إذا كان القادم سلامًا حقيقيًا.. أم مجرد هدنة اقتصادية بواجهة دبلوماسية.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
أربع سنوات من النزيف.. الحرب الروسية الأوكرانية تحت المجهر الاقتصادي
16 أغسطس 2025 04:46 م
من التأخير إلى الخسائر، إضراب موظفي "إير كندا" يضع صناعة السياحة على المحك (تفاصيل)
16 أغسطس 2025 03:38 م
الاقتصاد يسبق الحرب، هل تتحول قمة ألاسكا إلى صفقة قرن في سوق الغاز؟
16 أغسطس 2025 10:35 ص
أكثر الكلمات انتشاراً