أوروبا تسلح نفسها.. وترامب يوقظ التنين الصناعي الدفاعي الأوروبي
الخميس، 24 يوليو 2025 12:58 ص

القوة العسكرية لحلف الناتو
في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر داخل أروقة الناتو بفعل تهديدات دونالد ترامب وانكفائه المحتمل على الدفاع المشترك، تشهد أوروبا تحولًا إستراتيجيًا قد يغير شكل صناعة السلاح العالمية لسنوات مقبلة، فبدلًا من أن تقود ضغوط ترامب الدول الأوروبية إلى زيادة مشترياتها من السلاح الأمريكي، أدت تصريحاته إلى نتائج عكسية، تمثلت في توجيه التمويلات الجديدة، لتعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية، ما فتح شهية المستثمرين، وغير قواعد اللعبة في سوق التسليح العالمي.

الطلب الأمريكي، والرد الأوروبي
ومنذ بداية 2025، ضغط ترامب بشدة على أعضاء الناتو لرفع إنفاقهم الدفاعي إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل استمرار الدعم العسكري الأمريكي، لكن المطلب الأمريكي المزدوج زيادة الإنفاق وشراء الأسلحة الأمريكية، والذي قوبل في العواصم الأوروبية بشكوك سياسية واقتصادية، دفعت كثيرًا من الدول إلى التفكير بمنطق الاستقلال الإستراتيجي.
فثقة الأوروبيين بالحليف الأمريكي باتت مهزوزة، والميل نحو الاكتفاء الدفاعي الذاتي لم يعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية في ظل حرب أوكرانيا والتهديدات الروسية المستمرة.

تحولات سوقية، من واشنطن إلى باريس وبرلين
وتشير البيانات إلى أن الأسلحة الأمريكية، مثلت 64% من واردات الناتو الأوروبية بين 2020 و2024، لكن التوجه الجديد يتجه إلى تقليص هذه النسبة بشكل تدريجي، فبولندا، مثلًا، وقعت صفقات دفاعية مع كوريا الجنوبية، والدنمارك تدرس حاليًا استبدال نظام "باتريوت" الأمريكي بنظام دفاع أوروبي مشترك، أما كندا، فتعيد النظر في صفقة شراء مقاتلات إف-35 بقيمة 13 مليار دولار.
والسبب الأساسي لهذا التراجع، لا يعود فقط إلى التوتر السياسي، بل أيضًا إلى بطء التسليم الأمريكي، ما جعل الدول تبحث عن بدائل أكثر مرونة وسرعة في التوريد، ومع تراكم الطلبيات الأمريكية وتأخر التسليم لأكثر من عقد في بعض الحالات كما في مقاتلات الدنمارك، باتت الشركات الأوروبية تملك فرصة ذهبية لاستعادة موقعها في السوق الدولية.
اقرأ أيضًا:-
"الناتو وتكاليف التسليح"، سباق تسليحي على حساب الأولويات الاقتصادية
الاستثمار في الداخل، والعوائد على الأرض
وتزايد الضغوط على الميزانيات العامة للدول الأوروبية، جعل من الصعب تبرير الإنفاق العسكري المرتفع أمام الرأي العام، ما لم يتم ربطه بتنمية اقتصادية محلية، وهنا، برز خيار دعم الصناعات الوطنية كخيار عقلاني ومربح، فالإنفاق الدفاعي لن يذهب إلى الخارج، بل سيعاد ضخه في الداخل على شكل وظائف واستثمارات وبنية تحتية صناعية.
فيما أسهم شركات مثل راينميتال الألمانية، تضاعفت بنسبة 177% منذ بداية العام، ما يعكس ثقة المستثمرين بأن هناك تحولًا بنيويًا في الطريق، قد يؤدي إلى بروز مجمع صناعي دفاعي أوروبي قادر على تحدي الهيمنة الأمريكية.

العقبات البنيوية، والتكامل البيني
لكن طريق أوروبا نحو الاستقلال الدفاعي ما يزال طويلًا، إذ يعوق التقدم تضارب الأولويات الوطنية، وغياب التكامل التكنولوجي الكامل بين الشركات الأوروبية، وتباين مستويات الإنفاق بين الدول، فبينما يطمح البعض للوصول إلى 3.5% من الناتج، ما تزال دول عدة تكافح لتحقيق الحد الأدنى البالغ 2%.
ورغم محاولات التوحيد، فإن الفجوة التكنولوجية بين أنظمة الدفاع الأمريكية والأوروبية ما تزال قائمة في بعض المجالات الحيوية، مثل الدفاع الجوي بعيد المدى والتقنيات الدقيقة، حيث لا يزال نظام باتريوت بلا منافس حقيقي.
اقرأ أيضًا:-
أوروبا بين المطرقة والسندان، صراع القوى في 2025 قد يغير وجه القارة
الصين وأوكرانيا، عنصران محفزان
وإلى جانب خطاب ترامب، فإن عاملين مهمين يدفعان هذا التحول الأوروبي، أولًا، التهديد الصيني المتصاعد في المحيطين الهادئ والهندي، ما يجعل الولايات المتحدة أكثر تركيزًا على شرق آسيا وأقل التزامًا بأوروبا.
وثانيًا، حرب أوكرانيا التي استنزفت المخزون الدفاعي الغربي، والتي جعلت الدول الأوروبية، تدرك أنها بحاجة إلى سلاسل توريد مستقلة.

نهاية زمن التبعية
والمفارقة أن ترامب، الذي سعى لإجبار الأوروبيين على شراء السلاح الأمريكي، قد يخرج في نهاية المطاف كـ"الأب غير المقصود" لنهضة الدفاع الأوروبي، وبدلًا من أن تترسخ التبعية، قد يكون خطاب الانفصال هو العنوان الأكبر للعقد القادم.
إن بناء مجمع صناعي دفاعي أوروبي ليس حلمًا مستحيلًا، لكنه يتطلب إرادة سياسية وشراكة إستراتيجية وتجاوز الخلافات الداخلية، وإذا ما نجحت أوروبا في توحيد طاقاتها، فقد يشهد العالم قريبًا مشهدًا جديدًا من توازنات القوة لا على مستوى الجيوش فحسب، بل أيضًا على مستوى الاقتصاد العالمي وصناعة السلاح.
إن الضغط الأمريكي غير المدروس أطلق ديناميكية جديدة داخل أوروبا، وضرب على وتر حساس لطالما تغاضت عنه العواصم الغربية، ومع تسارع الأحداث، يبدو أن القارة العجوز لا تنتظر مظلة واشنطن، بل بدأت تنسج ذراعها الحديدي بنفسها.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
السعودية تُسرع التحوّل في قطاع الطاقة، مشاريع بـ 20 جيجاواط بحلول حلول 2030
24 يوليو 2025 02:29 م
من أمريكا لإفريقيا، صناعة الموسيقى تهيمن على الأسواق بعائدات تفوق 29 مليار دولار في 2024
24 يوليو 2025 12:44 م
1.4 تريليون جنيه و2.7 مليون وظيفة، كيف أعادت السياحة تشكيل الاقتصاد المصري 2024؟
24 يوليو 2025 09:24 ص
أكثر الكلمات انتشاراً