الثلاثاء، 24 يونيو 2025

07:59 ص

القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج.. حماية لتدفق النفط أم نفوذ دائم

الثلاثاء، 24 يونيو 2025 12:43 ص

القواعد العسكرية الأمريكية

القواعد العسكرية الأمريكية

في قلب الجغرافيا النفطية للعالم، تقف منطقة الخليج وكأنها تمسك الذئب من أذنيه، لا تستطيع تركه ولا تملك السيطرة عليه. 

هكذا تبدو الصورة عندما ننظر إلى المشهد الخليجي المعقد، حيث تتقاطع خطوط التجارة العالمية مع خرائط النفوذ العسكري، وتتشابك المصالح الاقتصادية مع صراعات إقليمية لم تهدأ منذ عقود.

قاعدة عسكرية أمريكية

الوجود الأمريكي كيف توغل في قلب الخليج

بدأ الوجود الأمريكي في بعض دول الخليج منذ عقود، لكنه برز بشكل أوضح خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980–1988، والتي شهدت ما عُرف بحرب الناقلات، حين استهدفت كل من العراق وإيران ناقلات النفط والسفن التجارية في الخليج في محاولة لإضعاف اقتصاد الطرف الآخر.

وخلال تلك الحرب، قدمت السعودية والكويت ودول خليجية أخرى دعمًا ماليًا للعراق في مواجهته مع إيران، كما قدمت الولايات المتحدة دعمًا تكتيكيًا لبغداد، بحسب الموسوعة البريطانية.

وفي عام 1987، تدخلت الولايات المتحدة لحماية ناقلات النفط من الهجمات الإيرانية في مياه الخليج، ما شكل نقطة تحول في دورها العسكري في المنطقة.

أما التحول الأكبر، فجاء بعد حرب الخليج عام 1991، المعروفة باسم عاصفة الصحراء، حين قادت واشنطن تحالفًا دوليًا لطرد القوات العراقية من الكويت، وفي أعقاب تلك الحرب، وقعت عدة دول خليجية اتفاقيات دفاعية مع الولايات المتحدة، مما رسخ وجودها العسكري في المنطقة ضمن أطر شراكة استراتيجية طويلة الأمد.

القوات الجوية الأمريكية

واشنطن.. الحارس الثقيل

منذ عقود، ترسخ الوجود الأمريكي في الخليج كأداة ردع مزدوج لإيران من جهة، ولحماية تدفق النفط والتجارة العالمية من جهة أخرى.

وبعد حرب الخليج الثانية، وقعت واشنطن اتفاقيات دفاعية مع السعودية وقطر والكويت والبحرين، رسخت بها وجودها عبر قواعد مثل "العُديد" في قطر، و"العديد" في السعودية، و"عريفجان" في الكويت، والأسطول الخامس في البحرين، هذا الوجود يتغير عدديًا لكنه ثابت استراتيجيًا، حتى بات جزءًا من المعادلة الأمنية والسياسية في المنطقة.

اقرأ أيضًا:

ترامب: قطر تستثمر 10 مليارات دولار بأكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالشرق الأوسط

الخليج.. شريان نفطي يمر منه الجميع

من مضيق هرمز، تمر نحو 30% من تجارة النفط البحرية عالميًا، ما يجعل أي اضطراب في مياهه تهديدًا مباشرًا للسلام الاقتصادي العالمي، حيث تتشارك دول الخليج هذا الشريان مع إيران، التي لا تخفي عداءها للوجود العسكري الأمريكي المنتشر بكثافة على الضفة الأخرى. 

والمفارقة أن الطرفين، رغم حدة التوتر، يعتمدان على استقرار الخليج لبقاء اقتصادهما صامدًا، دول الخليج لتصدير نفطها وتمرير بضائعها، وإيران لتسويق ما تبقى من صادراتها رغم العقوبات.

السعودية

إن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والسعودية لم يكن حديث العهد، بل يعود إلى عام 1945 ببناء مطار الظهران. 

وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية لم تتمركز بشكل رسمي أو دائم في السعودية، إلا أنها حافظت على وجود لها في المملكة لعقود من الزمن، وخلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، استقر جنود أمريكيون في السعودية لدعم مبيعات الأسلحة ومهام التدريب. 

وخلال حرب الخليج عام 1991، تم نشر ما يصل إلى 550 ألف جندي في المملكة للمساعدة في إخراج القوات العراقية من الكويت، وزادت القوة الأمريكية في الفترة ما بين عامي 1991 و2003، حيث تم نشر ما يقرب من 5000 جندي أمريكي  معظمهم من سلاح الجو  في المملكة لفرض منطقة حظر الطيران الجنوبية فوق العراق.

وسحبت واشنطن قواتها من قاعدة الأمير سلطان الجوية الواقعة إلى الجنوب من العاصمة الرياض في عام 2003، بناء على طلب من السعودية، ونقل الجيش الأمريكي معظم مقدراته إلى قاعدة العُديد الجوية في قطر، وهو ما يعني سحب كامل القوات الأمريكية من السعودية آنذاك، باستثناء تلك المختصة بالمبيعات العسكرية الخارجية والتدريب.

اقرأ أيضًا:

سلطنة عمان تُعلق رحلاتها الجوية بسبب الهجوم الإيراني على القواعد الأمريكية بالخليج

ووفقًا لخارطة محدثة حتى نهاية 2021 نشرتها منظمة مشروع الأمن الأمريكي، فقد تم نشر 1800 فرد من جناح الاستطلاع الجوي رقم 378 في القاعدة نهاية 2019، كما تحتوي القاعدة على بطاريات باتريوت وعلى نظام ثاد المضاد للصواريخ البالستية.

وبلغ عدد الجنود الأمريكيين المتمركزين في السعودية وفق بيانات محدثة حتى 2023 نشرها موقع أكسيوس نحو 2700 جندي، وتقوم القوات الأمريكية في السعودية بتوفير قدرات الدفاع الجوي والصاروخي، وإسناد تشغيل الطائرات العسكرية الأمريكية، وتعمل بالتنسيق مع الحكومة السعودية.

ليس من الواضح حجم وأماكن الوجود الأمريكي في الوقت الحالي في السعودية، ومعظم البيانات حول ذلك محدثة حتى نهاية 2022 فقط.

إن المهمة التدريبية الأمريكية في السعودية تقوم بتدريب القوات المسلحة السعودية وتقديم المشورة لها ومساندتها في الدفاع عن مصالح البلدين المشتركة وضمان السلم والاستقرار في الشرق الأوسط.

قطر

يرتبط الوجود الأمريكي في قطر  بقاعدة “العُديد” الجوية، وعادة ما توصف بأنها القاعدة الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط.

تقع قاعدة العُديد الجوية إلى الجنوب الغربي من العاصمة الدوحة، وتُسمى أيضاً مطار أبو نخلة، أنشئت عام 1996 وتُعد وفقاً للخارجية الأمريكية أضخم منشأة لسلاح الجو الأمريكي خارج الولايات المتحدة.

وفي منتصف أكتوبر 2024، قال رئيس الوزراء القطري إن "قطر لا تقبل أن تُشن من قاعدة العديد هجمات أو حروب على دول في المنطقة أو خارجها"، وأن العلاقة مع الولايات المتحدة هى شراكة استراتيجية، مع التأكيد على أن كل طرف يتمتع بالسيادة الكاملة، ولا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر". 

التصريحات التي بثها التلفزيون الرسمي القطري جاءت خلال ترقب العالم لرد إسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني بداية أكتوبر 2024.

وفي بداية العام 2024، نقلت وكالة رويترز عن مصدر لم تسمه، بأن الولايات المتحدة توصلت إلى اتفاق مع قطر لتمديد وجود القوات الأمريكية في قاعدة العُديد الجوية لعشر سنوات إضافية. 

إن عدد المباني والمنشآت التي تملكها القوات الأمريكية في القاعدة تراوح صعوداً ونزولاً بين 500 و600 منشأة ومبنى بين الأعوام 2022، و2024، كما شاركت القوات الأمريكية الموجودة في قطر في العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.

ووفقاً لبيانات محدثة حتى العام 2022 نشرها موقع أكسيوس، فإن عديد القوات الأمريكية في قاعدة العُديد يصل إلى 8 آلاف، وتضم القاعدة كذلك مقرات أمامية للقيادة الوسطى الأمريكية والقيادة الوسطى في سلاح الجو الأمريكي.

سفن حربية

البحرين والكويت والإمارات

وصلت عدد القوات الأمريكية بنهاية 2024، نحو 15 ألف جندي في كل من البحرين والكويت والإمارات. كما أن هذه الأرقام تتغير بشكل مستمر.

في البحرين، وعلى مقربة من ميناء سلمان، تقع قاعدة بحرية أمريكية تضم قيادة الأسطول الخامس الأمريكي والقيادة البحرية الوسطى، يُعد ميناء خليفة بن سلمان، أحد المنشآت البحرية القليلة في الخليج التي تتسع لحاملات الطائرات والسفن البرمائية الأمريكية.

إن الوجود العسكري للبحرية الأمريكية في البحرين يعود إلى العام 1948، حيث وقعت البحرين والولايات المتحدة اتفاقية تعاون دفاعي في عام 1991 تم تجديدها لـ 15 عامًا في 2017، وتوفر البحرين بموجب هذه الاتفاقية إمكانية الوصول والتمركز والتحليق، لتسهيل العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.

اقرأ أيضًا:

بعد الهجمات الإيرانية على القواعد الأمريكية بقطر، «الدوحة» تُعلن تأجيل الامتحانات غدًا

الكويت ومعسكر عريفجان 

أما الكويت، فبها أكثر من 13 ألف جندي أمريكي، معظمهم في معسكر عريفجان إلى الجنوب من العاصمة الكويت وفي قاعدة علي السالم الجوية إلى الشرق منها، وتضع هذه الأرقام الكويت في المرتبة الرابعة من حيث عدد الجنود الأمريكيين الذين تُضيّفهم دولة أجنبية، بعد كل من ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.

وتتمركز قوات أمريكية كذلك في قاعدة أحمد الجابر الجوية وقاعدة المبارك الجوية المحاذية لمطار الكويت الدولي وفقاً لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية.

لدى الجيش الأمريكي أيضاً نحو 700 منشأة ومبنى في "معسكر بيوري" الواقع في منطقة نائية نسبياً إلى الشمال الغربي من مدينة الكويت، ويضم المعسكر مدرج طيران، كما أن الوجود العسكري الأمريكي للكويت يتيح للولايات المتحدة القدرة على نشر قواتها البرية بشكل سريع في المنطقة.

في الإمارات، تتمركز القوات الأمريكية في قاعدة الظفرة الجوية قرب أبو ظبي، إضافة إلى منشأة بحرية في الفجيرة شرقي البلاد، كما أن ميناء جبل علي غرب دبي قادر على التعامل مع حاملات الطائرات الأمريكية.

إن قاعدة الظفرة الجوية تُضيّف 3500 عسكري أمريكي، كما توفر الموانئ الإماراتية دعماً لوجستياً ضرورياً للبحرية الأمريكية وتُضيّف مجتمعةً سفناً بحرية أمريكية أكثر من أي ميناء خارج الولايات المتحدة.

صاروخ

إيران.. قوة عسكرية تقف على بابك

في المقابل، ترى طهران في القواعد الأمريكية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، تصريحات مسؤوليها منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى ما بعد هجومها الصاروخي على إسرائيل في أكتوبر 2024، تعكس رفضًا قاطعًا لأي دور أمريكي أو حتى خليجي منسق ضدها.

إيران لا تنكر قدرتها على ضرب المصالح الأمريكية في الخليج، ولا تتردد في التلويح بذلك، خاصة حين تلوح في الأفق بوادر تصعيد.

الخليج بين شراكة واشنطن ومخاوف طهران

تقف دول الخليج على حافة توازن شديد الحساسية، هى شريكة استراتيجية للولايات المتحدة، لكنها تدرك أن أي تصعيد مع إيران قد يجعلها أول من يدفع الثمن، سواء من خلال استهداف منشآتها النفطية أو تعرضها لضغوط اقتصادية وأمنية. 

التصريحات الخليجية الأخيرة، التي رفضت استخدام قواعدها في أي ضربة ضد إيران، تكشف حجم الحرج والمخاوف.

اقرأ أيضًا:

السعودية تُدين الهجوم الإيراني على القاعدة الأمريكية في قطر

الجميع في قارب واحد لكن الخوف من الغرق قائم

رغم تضارب المصالح والتوجهات، يتفق الجميع أن التصعيد العسكري في الخليج لا يخدم أحدًا، النفط، التجارة، الاستقرار الداخلي، وحتى بقاء الأنظمة، كلها رهينة لحالة التوازن الهشة. 

فالغرب يخشى زعزعة الإمدادات النفطية، ودول الخليج تخشى أن تتحول إلى ساحة حرب، وإيران تخشى خنقها اقتصاديًا أو ضربة قد تكون قاصمة.

ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتجدد التوتر حول الملف النووي الإيراني، تعود الهواجس من انزلاق الأوضاع، ولعل الخليج، بكل موانئه وقواعده وأساطيله، يبدو بالفعل وكأنه هدية ثمينة لا يمكن لأحد أن يتحمل ثمن خسارتها، لكنها في الوقت نفسه عبء ثقيل لا يمكن التخلي عنه.

القواعد العسكرية الأمريكية

خلاصة

الخليج ليس مجرد ممر نفطي أو نقطة تماس عسكرية، بل هو مسرح لصراع طويل على النفوذ، ومكان يشبه الذئب الذي لا يمكن الإفلات منه ولا السيطرة عليه. 

الجميع فيه يمارس لعبة التوازن على حافة الخطر، دون أن يملك رفاهية الاسترخاء، وفي كل مرة يتصاعد فيها التوتر، تعود المنطقة لتثبت أنها، وإن بدت ساكنة على السطح، تخبئ في أعماقها أعاصير لا ترحم.

تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search