الخميس، 19 يونيو 2025

09:30 م

من هجرة العقول إلى استثمارها، كيف يمكن للدول العربية الاستفادة من الكفاءات المهاجرة؟

الخميس، 19 يونيو 2025 10:03 ص

هجرة العقول

هجرة العقول

في زمن تتسارع فيه التحولات التكنولوجية والاقتصادية، يقف العالم العربي أمام مفترق طرق حاسم، إما استمرار نزيف العقول نحو الغرب، أو استثمار هذا المورد البشري الفريد لإعادة تشكيل مستقبل المنطقة. 

هجرة العقول

في هذا السياق، تمثل مبادرة رابطة العلماء العرب التي أطلقتها مؤسسة قطر، محاولة طموحة لتغيير المعادلة التاريخية وجعل هجرة العقول فرصة وليس نزيفًا.

ورغم التاريخ العريق للمنطقة في العلوم والمعارف، من ابن الهيثم إلى أحمد زويل، إلا أن الواقع الحالي يشي بأن آلاف العلماء العرب يواصلون تقديم ابتكاراتهم لصالح جامعات ومراكز أبحاث في أمريكا الشمالية وأوروبا. 

فهل يمكن قلب هذا الاتجاه؟ وهل تستطيع المبادرات المؤسسية تحويل الكفاءات المهاجرة إلى رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدانهم الأصلية؟

اقرأ أيضًا:

شطرنج العقول، «وادي السيليكون» يشعل سباق استقطاب نوابغ الذكاء الاصطناعي

هجرة العقول ظاهرة ذات وجهين

الهجرة العلمية ليست ظاهرة جديدة، لكنها ازدادت عمقًا واتساعًا مع تصاعد أزمات المنطقة، من الحروب إلى البطالة إلى ضعف البنية التحتية البحثية. 

وتشير دراسة أجرتها مؤسسة الفنار إلى أن أكثر من 90% من الباحثين العرب المشاركين في الاستطلاع أعربوا عن رغبتهم في الاستقرار المهني خارج أوطانهم، لأسباب تتراوح بين الظروف الاقتصادية، وانعدام الاستقرار، إلى فجوة الابتكار.

لكن المفارقة أن هذه العقول المهاجرة، التي تعتبرها الدول الغربية كنزًا استراتيجيًا، يمكن أن تتحول إلى أداة لإعادة الإعمار الاقتصادي في الدول العربية إذا ما توفرت البيئة الحاضنة المناسبة، وهو ما تسعى إليه مؤسسة قطر.

الاقتصاد المعرفي

الاقتصاد المعرفي.. المحرك البديل للنفط

في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحولاً باتجاه الاقتصاد المعرفي والصناعات التكنولوجية المتقدمة، فإن الدول العربية التي لطالما اعتمدت على الموارد الطبيعية مدعوة اليوم لتغيير نموذجها الاقتصادي نحو الابتكار والبحث العلمي، ويشكل العلماء العرب المغتربون أحد مفاتيح هذا التحول.

فالدول التي استثمرت في رأس المال البشري عبر برامج جذب العقول (كندا، ألمانيا، والولايات المتحدة) شهدت تحسنًا كبيرًا في الناتج المحلي الإجمالي المرتبط بالتكنولوجيا، وارتفاع إنتاجية العمل، وازدهار قطاعات ريادية، ويمكن للمنطقة العربية أن تنسج على نفس المنوال، إذا ما تبنت نماذج شبيهة بمبادرات "رابطة العلماء العرب".

اقرأ أيضًا:

«من عقول الأرقام إلى أرواح منهكة»، نزيف العقول في المحاسبة يدفع 83% من الكفاءات للاستقالة

رابطة العلماء العرب بين منصة الربط بين الابتكار والتنمية

أُطلقت رابطة العلماء العرب بداية في 2006، لكنها تعيش اليوم نقلة نوعية بتحولها إلى هيئة ديناميكية تربط العقول العربية المنتشرة حول العالم بالمنطقة عبر منصات رقمية تفاعلية، ومؤتمرات دورية، وشراكات مع مؤسسات أكاديمية وصناعية عربية.

هذه الرابطة لا تستهدف فقط إعادة العلماء، بل تسعى إلى إعادة توجيه الأثر العلمي والاقتصادي لهؤلاء الباحثين نحو مشاريع استراتيجية في العالم العربي، تتعلق بالصحة، الأمن الغذائي، تغير المناخ، والصناعات المستقبلية كـ"الصناعة 5.0".

ويبرز هنا دور المدينة التعليمية في قطر، والتي باتت نموذجًا عربيًا يُحتذى به، حيث تحتضن جامعات عالمية، مراكز بحثية متقدمة، وتستضيف فعاليات معرفية كبرى تسعى لربط البحث العلمي بالتنمية الاقتصادية المستدامة.

عالم

الفرصة في قلب الأزمة

قد يبدو هذا الحلم بعيد المنال في ظل الحروب والنزاعات والركود الاقتصادي الذي يضرب بعض دول المنطقة، لكن التاريخ يُخبرنا بأن النهوض الحقيقي غالبًا ما يأتي من رحم الأزمات. 

فالتجارب السابقة من اليابان ما بعد الحرب، إلى كوريا الجنوبية بعد المجاعة، وحتى رواندا بعد الإبادة تؤكد أن الاستثمار في رأس المال البشري والبحث العلمي يمكن أن يكون نقطة الانطلاق لبناء اقتصادات قوية.

وهو ما أشار إليه الدكتور إلياس زرهوني، العضو البارز في الرابطة، حين اعتبر أن تبادل العلم هو الوسيلة الأكثر استدامة لبناء الحضارات، وأن الشعوب التي تحتضن العلم والعلماء لا التي تفرط بهم هي التي تكتب مستقبلها بيدها.

اقرأ أيضًا:

النسيان الرقمي، الذكاء الاصطناعي يهدد العقل البشرى مع تزايد الاعتماد عليه

 

نهضة عربية من بوابة المعرفة

إن تحويل العقول العربية المهاجرة من عبء إلى فرصة ليس بالأمر المستحيل، بل يتطلب فقط سياسات ذكية، بنية تحتية بحثية، وبيئة سياسية واقتصادية مستقرة. 

ومع المبادرات التي تضع الإنسان والمعرفة في مركز التنمية، فإن العالم العربي قد لا يعيد فقط أمجاد الماضي، بل يصوغ نموذجًا عربياً جديداً في التنمية المستندة إلى الاقتصاد المعرفي.

فإذا كانت "رابطة العلماء العرب" قد بدأت كفكرة لإعادة التواصل، فهي اليوم تتحول إلى مشروع اقتصادي-علمي عربي جامع، قد يكون أحد أبرز مفاتيح المستقبل للمنطقة بأسرها.

Short Url

search