"حين يغضب النفط".. حرب إيران وإسرائيل تضرب الاقتصاد العالمي
الإثنين، 16 يونيو 2025 07:24 م

الحرب وسوق النفط
في كل مرة تهتز فيها أسعار النفط، يهتز معها كوكب بأكمله، فليس هناك سلعة واحدة، منذ منتصف القرن العشرين، تمكنت من احتلال هذا الموقع الحاسم في الاقتصاد العالمي، تمامًا كما فعل النفط.
إنه ليس مجرد وقود للسيارات أو الطائرات، بل هو المحرك الخفي للنمو، والرقم الصعب في معادلات التضخم، والمحرك الصامت لأزمات سياسية وعسكرية كبرى.
وفي ظل التصعيد الحاد بين إيران وإسرائيل، وعودة مشهد الخطر في مضيق هرمز، لا يبدو السؤال هل ترتفع أسعار النفط هو الأهم، بل إلى أين يمكن أن يأخذنا هذا الارتفاع؟

اقرأ أيضًا:
صفعة لاقتصاد إسرائيل.. صواريخ إيران تقصف القوة الصناعية العسكرية في حيفا
الذهب الأسود.. سلاح اقتصادي وجيوسياسي
ومنذ نشأة منظمة أوبك في ستينيات القرن الماضي، أدركت الدول المنتجة للنفط، أنها لا تملك فقط سلعة استراتيجية، بل تملك أداة ضغط سياسي واقتصادي، ولم يمضي وقت طويل حتى تم استخدام هذه الأداة في أول صدمة نفطية كبرى عام 1973م، حين فرضت الدول العربية، حظرًا على صادرات النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل.
النتيجة؟ قفزت الأسعار بنسبة 400% خلال بضعة أشهر، حيث وقعت الدول الغربية في أتون تضخم غير مسبوق، تلاه ركود اقتصادي امتد لسنوات، ومذ ذاك الحين، باتت تقلبات أسعار النفط من أهم المؤشرات المسبقة لأي أزمة مالية كبرى، أو مرحلة انتعاش اقتصادي وشيك.

المشهد الراهن.. الشرق الأوسط على صفيح نفطي ساخن
ومع تفاقم الصراع بين إسرائيل وإيران، تجددت المخاوف من تهديد إمدادات النفط العالمية، لا سيما مع ورود تقارير عن ضرب منشآت نفطية إيرانية، وتزايد المخاطر المحيطة بمضيق هرمز، والذي يمر عبره ما يصل إلى 20% من الاستهلاك النفطي العالمي.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، يبلغ الطلب اليومي العالمي على النفط نحو 104 ملايين برميل يوميًا، بينما تنتج إيران حوالي 3.3 ملايين برميل، وتصدر منها أكثر من مليوني برميل، معظمها إلى الصين.
وقد لا يكون الفاقد من السوق في حال توقف الصادرات الإيرانية كافيًا لتحريك الأسواق بشكل دراماتيكي، لكن المخاوف من إغلاق المضيق أو استهداف منشآت خليجية، قادر على دفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
الأسواق لا تنتظر الحدث، بل تتفاعل مع إمكانية الحدث، وهذا ما يجعل سيناريو 200 دولار للبرميل غير مستبعد، في حال تحولت الحرب المحدودة إلى صراع مفتوح.
اقرأ أيضًا:
تحالف الأمس وصراع اليوم، إسرائيل وإيران من المصالح المشتركة إلى المواجهة العلنية
النفط والتضخم.. علاقة ملتهبة
وكلما ارتفعت أسعار النفط، ارتفعت تكاليف النقل والإنتاج والطاقة، وكلما ارتفعت التكاليف، تسارعت معدلات التضخم، وكلما ارتفع التضخم، اضطرت البنوك المركزية إلى رفع الفائدة، ما يؤدي إلى تباطؤ النمو، وربما الدخول في ركود.
هذا هو السيناريو الكلاسيكي الذي تخشاه الأسواق اليوم، الركود التضخمي أي أن ارتفاع الأسعار مع بطء الاقتصاد، يمثل كابوسًا تسعى الاقتصادات الكبرى إلى تجنبه بكل الوسائل.
وبحسب البنك المركزي الأوروبي، فإن أسعار النفط، تقف خلف نسبة كبيرة من موجات التضخم المتعاقبة، سواءً كانت مدفوعة بالعرض مثل انقطاع الإمدادات، أو بالطلب مثل انتعاش اقتصادي مفاجئ.
وفي حالات كثيرة، كانت ردة فعل الأسواق مبالغًا فيها، على سبيل المثال، بعد هجمات الـ11 من سبتمبر، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 5%، لكنها تراجعت سريعًا بنسبة 25%، بسبب تراجع الطلب العالمي الناتج عن التوتر الأمني والركود المتوقع، والأمر نفسه تكرر بعد غزو روسيا لأوكرانيا في 2022، حين قفز النفط إلى 130 دولارًا، ثم تراجع إلى 90 دولارًا خلال أسابيع.

المنتجون يربحون.. لكن ليس دائمًا
وصحيح أن الدول المنتجة للنفط تستفيد من ارتفاع الأسعار عبر فوائض مالية وتدفقات نقدية إضافية، لكن هذه النعمة لا تخلو من التكلفة، ففي حالات التوتر الجيوسياسي، تتضاعف فاتورة التأمين، وترتفع تكلفة النقل، وتزداد الضغوط الدولية على هذه الدول للعب دور المُنقذ، كما يحصل حاليًا مع دول الخليج التي يُنتظر منها أن تضخ كميات إضافية لتعويض أي نقص.
أما الدول المستوردة، خاصة أسيا وأوروبا، فإنها تدفع الثمن مضاعفًا، فمن جهة، ترتفع فاتورة الطاقة، ومن جهة أخرى، تتآكل احتياطيات النقد الأجنبي، وتضطر إلى تقليص الدعم الحكومي وزيادة الضرائب، ما يُضعف القوة الشرائية ويقلص النمو.
اقرأ أيضًا:
حرب الإنفاق العسكري، من يتفوق وسط وابل الصواريخ؟
هل ما نشهده اليوم يشبه السبعينيات؟
ورغم التشابه في بعض الملامح، إلا أن أسعار النفط شهدت ارتفاعًا بسبب الصراع في الشرق الأوسط، كما أن الخبراء يستبعدون تكرار سيناريو أزمة عام 1973، حينها، لم تكن هناك احتياطيات استراتيجية كبيرة، ولا طاقة فائضة مرنة، ولا تنوع حقيقي في مصادر الطاقة.
أما اليوم، فإن التحول نحو الطاقة المتجددة، والاعتماد المتزايد على الغاز، والسياسات المناخية، كلها عوامل تحد من قدرة النفط على احتكار المشهد الاقتصادي كما كان في الماضي، ومع ذلك، تبقى الحقيقة قائمة، ما دام العالم يعتمد على النفط، فإن الاضطراب في إمداداته كفيل بأن يربك الأسواق، ويبدّل السياسات.

سوق يسبق الزمن وقلق لا يتبدد
تقلبات أسعار النفط لم تعد مجرد مسألة اقتصادية، بل باتت مرآة لعالم متغير، تتقاطع فيه مصالح الطاقة، مع خطوط النار، ومع شاشات البورصات.
وإذا كان السؤال المطروح اليوم هو إلى متى تستمر الأزمة؟ فالسؤال الأهم قد يكون هل نحن مستعدون أصلاً لاقتصاد عالمي لا يخضع لتقلبات برميل نفط؟
وحتى يأتي الجواب، سيبقى النفط هو مؤشر الخوف الأبرز في أسواق العالم، وكلما ارتفعت حرارته، ارتفعت معها احتمالات الركود.. أو الانفجار.
Short Url
المهارة أهم من الخبرة، «GenAI» يعيد تشكيل سوق العمل
16 يونيو 2025 04:21 م
حروب الدرونز، الطائرات بدون طيار تقلب الموازين العسكرية في العالم
16 يونيو 2025 02:52 م
حرب الإنفاق العسكري، من يتفوق وسط وابل الصواريخ؟
16 يونيو 2025 12:12 م


أكثر الكلمات انتشاراً