الخميس، 12 يونيو 2025

05:58 م

الاقتصاد الدائري والتكنولوجيا المستدامة، حقبة جديدة من الفرص والتحولات في العالم العربي

الأربعاء، 11 يونيو 2025 09:20 ص

الاقتصاد الدائري

الاقتصاد الدائري

في وقت يتسارع فيه التغيير المناخي وتتصاعد الضغوط على الموارد الطبيعية، لم يعد نموذج الاقتصاد الخطي القائم على الاستخراج، الإنتاج، ثم الإتلاف قادرًا على مواكبة طموحات التنمية المستدامة. 

الاقتصاد الدائري

وبدلاً من ذلك، يكتسب مفهوم الاقتصاد الدائري زخمًا عالميًا متزايدًا، خصوصًا في العالم العربي الذي يعيش تحولات جذرية مدفوعة برؤى استراتيجية مثل رؤية السعودية 2030.

وفي قلب هذه التحولات، تلعب التكنولوجيا دور المحفز الرئيسي لإعادة تعريف الأنماط الاقتصادية والإنتاجية، لتنتقل من نموذج استهلاكي استنزافي إلى نظام ذكي يعيد تدوير الموارد، ويقلل النفايات، ويولد فرصًا جديدة للنمو.

من نموذج تقليدي إلى منظومة مستدامة

الاقتصاد الدائري ليس مجرد استراتيجية بيئية، بل هو رؤية اقتصادية متكاملة تعيد هيكلة سلاسل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك. يتضمن هذا النموذج تصميم منتجات تدوم لفترة أطول، قابلة للإصلاح، وإعادة التدوير، وتحقيق أقصى استفادة من كل مادة مستخدمة.

ومع دمج الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية في هذا النموذج، يصبح من الممكن تتبع دورة حياة المنتج، تحليل أدائه، وتحديد أفضل السبل لإعادة استخدامه أو تحويله إلى طاقة، على سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ساهمت في تحسين عمليات التصميم بنسبة تصل إلى 30% عبر تقنيات النمذجة والتكرار.

 

اقرأ أيضًا:

في زمن الاقتصاد الدائري، اللوجستيات العكسية تقود التحول الذكي للتجارة

ثورة في إدارة النفايات، مشروع "العاشر من رمضان" يفتح بوابة الاقتصاد الدائري في مصر

التحول في السياسات من شعارات بيئية إلى استراتيجيات اقتصادية

الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدأت تتعامل مع الاقتصاد الدائري كخيار استراتيجي لا يقل أهمية عن أمن الطاقة أو التحول الرقمي.

في السعودية، تسعى الحكومة إلى تعزيز أمن الطاقة والحياد الكربوني من خلال مشاريع تعيد تدوير النفايات الصناعية والزراعية، وتحولها إلى موارد قابلة لإعادة الاستخدام، أما الإمارات، فقد وضعت هدفًا طموحًا بتحقيق اقتصاد دائري شامل في قطاعات النقل، التصنيع، الغذاء، والنفايات بحلول 2030.

تساهم هذه الخطط في جذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل خضراء، وتقليل الاعتماد على الموارد الناضبة، مما يضع الاقتصاد المحلي على مسار أكثر مرونة واستدامة.

الاقتصاد الدائري

تكنولوجيا تدفع عجلة التحول الرقمي

البلوك تشين، الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة هي الأدوات التقنية التي تعزز فعالية الاقتصاد الدائري، فعلى سبيل المثال:

  • البلوك تشين يضمن الشفافية في سلسلة التوريد، ويتيح تتبع كل منتج من مصدره إلى لحظة إعادة تدويره.
  • الذكاء الاصطناعي يُستخدم لتصميم مواد جديدة، وتحسين الصيانة التنبؤية، وتخطيط اللوجستيات العكسية بكفاءة عالية.
  • تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة، مثل الحرق والتحلل الحراري، تساهم في تقليل العبء البيئي وتحقيق مكاسب اقتصادية في آنٍ واحد.

وتشير تقديرات GSMA إلى أن سوق الأجهزة الإلكترونية المُجددة قد يتجاوز 150 مليار دولار عالميًا بحلول 2027، وهو ما يخلق مصادر دخل جديدة ويعزز الولاء للعلامات التجارية المستدامة.

اقرأ أيضًا:

من النفايات إلى الثروات، دليل المستثمرين لاستكشاف فرص إعادة التدوير والاقتصاد الدائري

خبير يوضح لـ«إيجي إن» الاقتصاد الدائري يتيح العديد من فرص العمل

 

قطاع الاتصالات نموذجًا

في قلب هذه الموجة المستدامة، يبرز قطاع الاتصالات كمجال استراتيجي لاعتماد الاقتصاد الدائري، فالنفايات الإلكترونية الناتجة عن الهواتف الذكية وأجهزة الاتصال تُعد من أكثر أنواع النفايات تعقيدًا وأسرعها نموًا. 

ومع ذلك، فإن إعادة تصميم الأجهزة لتكون قابلة للإصلاح والتحديث، بدلاً من استبدالها كل بضع سنوات، يمكن أن يُقلل النفايات بنسبة تزيد عن 50%.

كما أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في إدارة دورة حياة الأجهزة يمكن أن يحقق توفيرًا كبيرًا في الطاقة، ويُقلل الاعتماد على المعادن النادرة التي تتسم أسواقها بالتقلب الجيوسياسي والاقتصادي.

الاقتصاد الدائري

نيوم تجسيد حي لمستقبل الاقتصاد الدائري

تُمثل مدينة نيوم السعودية نموذجًا عمليًا لمفهوم الاقتصاد الدائري المتكامل، إذ تستند بنيتها التحتية على مزيج من الطاقة المتجددة، الإدارة الذكية للنفايات، والتقنيات الخضراء، وتهدف نيوم إلى أن تكون بيئة صفرية الانبعاثات، مما يجعلها من أوائل المدن في العالم التي تطبق الاقتصاد الدائري على نطاق حضري شامل.

اقرأ أيضًا:

«إمستيل»، رائدة الثورة الصناعية والاقتصاد الدائري في الإمارات

استخدام قش الأرز في تصنيع الأخشاب.. ماذا يعني اقتصاد دائري

فرصة اقتصادية لا تقل عن التحدي البيئي

التحول نحو الاقتصاد الدائري لا يُعد مجرد ضرورة بيئية، بل فرصة اقتصادية حقيقية، فقد أظهرت أبحاث ماكينزي أن تطبيق هذا النموذج في أوروبا وحدها قد يولد فائدة صافية بقيمة 1.8 تريليون يورو بحلول عام 2030. 

وإذا ما تم استنساخ هذه التجربة في الشرق الأوسط، مع مراعاة الخصوصيات المحلية، فإن العوائد ستكون هائلة على مستوى:

  • خلق فرص عمل في مجالات التدوير، الابتكار، والتصميم الصناعي.
  • تحفيز سلاسل القيمة المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات.
  • تخفيض البصمة الكربونية وتحسين جودة الحياة.
الاقتصاد الدائري

من استدامة الموارد إلى استدامة الرؤية

في عالم بات فيه البقاء للأكثر تكيفًا لا للأقوى، يمثل الاقتصاد الدائري خيارًا استراتيجيًا لتحقيق التوازن بين النمو والتنمية، وبين الربح والحفاظ على الكوكب. 

ومع امتلاك العالم العربي لبنية تحتية رقمية متقدمة، ورؤية تنموية طموحة، وموقع جغرافي محوري، فإن الاستثمار في هذا النموذج يمثل فرصة تاريخية لصناعة مستقبل أكثر عدالة وكفاءة واستدامة، والسؤال الآن لم يعد هل سنتحول إلى الاقتصاد الدائري؟، بل كم سنكسب عندما نبدأ في ذلك بجدية؟

Short Url

showcase
showcase
search