السباق نحو التفوق الخوارزمي، الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل توازنات القوى العالمية
الأربعاء، 11 يونيو 2025 10:30 ص

الذكاء الاصطناعي والقدرة العسكرية
في عالم تتسارع فيه عجلة التحول التكنولوجي، لم يعد ميدان المعركة مقتصرًا على الأسلحة التقليدية أو حتى النووية، بل أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) هو الوقود الجديد لصناعة الردع، وأداة التفوق في صراعات لا تُخاض بالجيوش فحسب، بل بالخوارزميات.

وبينما تنظر الأسواق إلى الابتكارات التكنولوجية بوصفها فرصًا للنمو، ترى القوى العظمى الولايات المتحدة، الصين، وروسيا في الذكاء العسكري فرصة لإعادة تشكيل النظام العالمي وفق معادلات جديدة، يهيمن عليها من يسبق إلى السيطرة على الهيمنة الخوارزمية.
الولايات المتحدة نحو تفوق تكنولوجي من رحم الابتكار العسكري
من وادي السيليكون إلى أروقة البنتاغون، تبني الولايات المتحدة استراتيجيتها على ميراث طويل من الريادة التكنولوجية.
فمن خلال مبادرات مثل مشروع ميفن ومركز الذكاء الاصطناعي المشترك، تسعى واشنطن إلى إدماج الذكاء الاصطناعي في كل مفصل من مفاصل القوة العسكرية، من الاستطلاع والقرارات التكتيكية، وصولًا إلى إدارة المعارك عبر أنظمة ذاتية التحديث.
هذه المقاربة تنبع من قناعة استراتيجية مفادها أن معارك الغد ستحسمها البرمجيات لا البنادق، والخوارزميات لا الكتائب.
وهو ما يدفع إلى ضخ استثمارات ضخمة في تقنيات التعلم الآلي، وتحليل البيانات الفورية، والطائرات ذاتية القيادة، ومع ذلك، فإن هذا السباق يطرح إشكالات أخلاقية واقتصادية معقدة، لا سيما مع تزايد الاعتماد على أنظمة قتالية مستقلة قد تتخذ قرارات قتل دون إشراف بشري.

الصين.. اندماج عسكري مدني على الطريقة الصينية
في بكين، تتداخل الحدود بين القطاعين المدني والعسكري بمهارة براجماتية، فيما يُعرف بمبدأ الاندماج العسكري المدني، وهو ركيزة مركزية في الاستراتيجية الصينية لبناء قوة تكنولوجية عالمية.
عبر تجنيد الشركات الكبرى مثل هواوي وبايدو لخدمة أجندة قومية، تبني الصين منظومة متكاملة من الذكاء الاصطناعي الحربي، تشمل طائرات بدون طيار ذكية، وخوارزميات تنبؤية للقرارات الميدانية، وأنظمة مراقبة عالية الذكاء متصلة بمراكز عمليات مركزية.
لكن هذا التقدم التقني لا ينفصل عن أهداف الصين الأوسع في إعادة صياغة موازين القوة العالمية، فالصين لا تسعى فقط إلى التفوق العسكري، بل إلى كسر احتكار الغرب للتكنولوجيا، وبناء نظام دولي متعدد الأقطاب تديره نخبة رقمية جديدة.
إنها محاولة لإرساء رأسمالية الدولة الرقمية كمنافس للنموذج الأمريكي الليبرالي، في معركة لا تدور في الميدان، بل على مستوى التحكم بالمعرفة والبيانات.
اقرأ أيضًا:
أوروبا على خط النار، سباق التسلّح يتسارع لمواجهة غياب أمريكا وتهديد روسيا
الأموال وحدها لا تصنع الجيوش، أوروبا أمام اختبار البقاء العسكري
روسيا وتكتيكات هجينة لتعويض الفجوة
بينما تنفق الصين وأمريكا المليارات على البحوث والابتكار، تسلك روسيا طريقًا مختلفًا، توظيف الذكاء الاصطناعي لتقليص الفجوة التكنولوجية والكمية مع الغرب.
وتأتي فلسفة موسكو تحت عنوان الحرب الهجينة، حيث يتم دمج الوسائل الإلكترونية، السيبرانية، والنفسية، لخلق مساحات صراع غير متناظرة.
أبرز تطبيقات هذه الاستراتيجية ظهرت في أوكرانيا، حيث دمجت روسيا بين التشويش الإلكتروني، والهجمات السيبرانية، واستخدام بيانات ضخمة لتحديد الثغرات لدى العدو.
الهدف ليس التفوق العددي، بل المباغتة وتفكيك البنى التحتية القيادية للخصم، ما يجعل روسيا لاعبًا غير تقليدي في ساحة الذكاء العسكري، يعتمد على المرونة والابتكار غير المتناظر أكثر من القوة الكلاسيكية.

اقتصاد الذكاء العسكري من الاستثمار إلى الهيمنة
السباق بين القوى الكبرى لا يقف عند حدود الردع العسكري، بل يمتد إلى قلب الاقتصاد العالمي، إذ أن من يتحكم في تقنيات الذكاء الاصطناعي العسكري سيتحكم حتمًا في سلاسل القيمة المرتبطة بالصناعات الدفاعية، والرقابة، والطاقة، والفضاء، إنها دورة استثمارية جديدة، حيث تنتقل الأرباح من البترو دولار إلى عالم الداتا والبيانات، ومن شركات النفط إلى شركات البرمجيات.
ورغم أهمية هذا التحول اقتصاديًا، إلا أنه يكرس ما يمكن تسميته بالطبقية التكنولوجية، حيث تنفصل القوى القادرة على تطوير وتوظيف الذكاء الاصطناعي عن الدول التي تستهلكه فقط.
وهذا يهدد بإعادة إنتاج تبعية جديدة ليس عبر الاستعمار التقليدي، بل من خلال احتكار الخوارزميات، والتحكم في نظم التشغيل العالمية.
اقرأ أيضًا:
رادارات المراقبة العسكرية، العيون التي لا تنام في صراع التسلح
سوق الطائرات العسكرية، توقعات بقفزة ضخمة تتجاوز 85 مليار دولار في 2032
مخاطر الانفلات الخوارزمي من الردع إلى الإبادة المؤتمتة
أخطر ما في هذا السباق أنه يجري دون ضوابط دولية واضحة، فلا توجد معاهدات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في النزاعات، ولا آليات رقابة فعالة على أنظمة القتل الذاتي.
هذا يفتح الباب أمام سيناريوهات قاتمة، هجمات تُشن بدون إعلان، قرارات إبادة تتخذها برمجيات معطوبة، وتصعيدات لا يمكن احتواؤها بسبب سرعة رد الفعل المؤتمت.
في بيئة كهذه، يصبح الأمن القومي مسألة خوارزمية، والسيادة مرهونة بقدرة الدولة على التحكم في بياناتها، والدفاع عنها من اختراقات لا تترك أثرًا ماديًا، بل تشل أنظمة الطاقة، والاتصالات، وحتى القرارات السياسية.

الذكاء العسكري كساحة معركة مستقلة
الذكاء العسكري لم يعد مجرد أداة دعم، بل أصبح ساحة معركة قائمة بذاتها، تُدار فيها المعارك بالصمت الرقمي، ويُصنع النصر داخل غرف الخوادم، فمن يفهم خريطة هذا السباق يفهم أين تتجه الجغرافيا السياسية، وكيف يُعاد رسم النفوذ ليس بالبوارج، بل بالبيانات.
في نهاية المطاف، قد يكون النظام العالمي المقبل ليس من صنع الدبلوماسيين أو القادة العسكريين، بل من كتابة كود برمجي ذكي، يُقرر في لحظة من الزمن مصير أمة بأكملها.
Short Url
هل نحن على أبواب أزمة مالية جديدة؟ الائتمان الخاص يشكل تهديدًا غير مرئي
12 يونيو 2025 04:29 م
هدنة مؤقتة؟، اتفاق تجاري جديد بين أمريكا والصين ينهي جولة من التوترات
12 يونيو 2025 04:27 م
الذهب يواصل ارتفاعه في السوق العالمية مدعوماً بتوترات الشرق الأوسط
12 يونيو 2025 10:15 ص


أكثر الكلمات انتشاراً