الجمعة، 13 يونيو 2025

05:25 م

جريمة في وضح النهار.. صانع السوق يتلاعب بالاقتصاد ويخدع المستثمرين

الخميس، 12 يونيو 2025 06:03 م

صانع السوق

صانع السوق

في عالم المال، لا تسير الأحداث كما كُتب في الكتب، ولا تتحرك الأسعار وفق ما تقوله القواعد والنظريات، هنا حيث لا صوت يعلو فوق ضجيج الأسواق، تُكتب رواية أخرى، بطلها ليس المؤشر، ولا قرار الفائدة، ولا حتى رئيس الفيدرالي، بل ذاك الكائن الخفي الذي يتحرك في الظلال، صانع السوق.

 

هو ليس شخصًا، ولا مؤسسةً بعينها، بل قوة مركبة، تُجيد التمويه وتُتقن التوقيت، وتعرف من أين تُؤكل عقول المضاربين قبل محافظهم.

 

عندما تُقتل الحقيقة أمام الشاشة

في لحظة الإعلان، حيث تُحبس الأنفاس، وتُضبط الشاشات على تردد النبأ القادم من قاعة الفيدرالي، يبدأ المشهد، مؤشر الفائدة يُثبت، والبيان أقل تشددًا، والتوقعات تنبئ بانتعاش قريب.

تتحرك الأسواق مباشرة، الذهب يصعد، الأسهم تحتفل، الدولار يتراجع، دقائق فقط، ثم تنقلب الطاولة، وكأن أحدًا ضغط على زر الإعصار، فتهاوى كل شيء.

السؤال: ماذا تغير؟ لا شيء، فقط، دخل صانع السوق المسرح، ارتدى قفازاته، وبدأ تنفيذ خطته البارعة، شراء من الذاعرين، وبيع للأمل الزائف.

اقرأ أيضًا:

حين يُغلق الفخ.. صانع السوق والضربة الأخيرة للثيران والدببة

الجلوس على طاولة الاتفاق، هل تؤدي المفاوضات بين أميركا والصين لتهدئة الأسواق؟

المنطق يُعلق، والمشاعر تُقاد كالقطيع

التحليل الاقتصادي التقليدي لا مكان له في الساعة الأولى، منطق التضخم؟ سعر الفائدة؟ أرقام البطالة؟ كل هذه أوراق يلعب بها صانع السوق كأوراق بوكر، ما يهمه ليس الحدث بل رد الفعل.

تأتي أرقام التضخم أقل من المتوقع، المفترض أن ترتفع الأسهم ويتراجع الدولار، ولكن في البداية، يفعل السوق العكس تمامًا، وبعد ساعة، تعود الأمور إلى الوضع المنطقي.

لماذا؟ لأن الفوضى اللحظية تخلق بيئة مثالية للفخاخ السعرية، حيث يتحرك المضاربون بنبض القلق، لا بنبض العقل. إنهم يبيعون في الذروة ويشترون في القاع، ولكن بعد فوات الأوان.

صانع السوق

صانع السوق.. القاتل الذي لا يترك أثرًا

لا يُذكر اسمه في نشرات الأخبار، ولا يظهر وجهه في نشرات بلومبيرج، لكنه موجود في كل لحظة فارقة، عند كل بيان اقتصادي، كل قرار فائدة، كل تقرير وظائف، هناك توقيت مقصود، وحركة معاكسة لما هو متوقع، ثم تصحيح متأخر يأتي بعد أن يكون الجيب قد امتلأ.

صانع السوق لا يعمل بالعشوائية، بل يخطط لما يُعرف بفخ السيولة، ويخلق موجة حركة زائفة تجذب أوامر البيع أو الشراء ثم يعكس الاتجاه ليحصد الفرق.

في تلك اللحظات لا تنفع أدوات التحليل الفني، ولا المجاميع الرقمية، فكل ما يقود القرار هو الإيهام، وحين تُسحب السجادة من تحت أقدام المتداولين، تكون الجريمة قد تمت بالفعل، وقُيدت ضد مجهول.

اقرأ أيضًا:

الأسواق المالية تنتظر تقرير الوظائف الأمريكية لتحديد مستقبل الدولار

الضحايا، المضاربون، الجناة.. منطق الثقة الزائدة

يتكرر المشهد، وتقرير الوظائف أقوى من المتوقع، ولذلك، يجب أن ينخفض الذهب، لكن يصعد.

تُثبت الفائدة ويأتي البيان سلبيًا، حيث يُفترض أن ترتفع الأسهم، ولكنها تنهار، وكل من راهن على التحليل المنطقي، يعود من السوق منكسرًا، لأن صانع السوق لا يحارب بالأرقام، بل بالمشاعر، يعرف متى يزرع الطمأنينة، ومتى يضرب فجأة، ومتى يُعيد الأمور إلى نصابها، بعدما يكون قد غنم ما يكفي.

الأسواق العالمية

الاقتصاد لعبة مشاعر.. حين يتحدث السوق بلغة الخوف

الأسواق، كما تكشف هذه الظواهر، لم تعد مجرد ساحات تبادل أصول، بل بيئات نفسية خالصة، تُدار وفق مبدأ، كيف سيشعر المتداول؟ لا كيف سيُحلل.

وهنا يبرز ما هو أخطر، أن صانع السوق بات لا يكتفي بتسييل الصفقة، بل يصنع اتجاهًا عاطفيًا عاما، يدفع الجميع للحركة نفسها، ثم ينقلب عليهم في لحظة، كمن يُغرق مركبًا بعد أن يحشد فيه ركابه.

لا تركن إلى المنطق وحده

ما يقوله السوق اليوم واضح، البيانات تُقرأ، ولكن لا تُؤمن بها دون قيد أو شرط، من لا يعرف قواعد اللعبة الخفية، سيظل ضحية.

صانع السوق لا يعمل ضد الاقتصاد، بل فوقه، يعيد تفسيره حسب مصالحه، ويصنع واقعًا وقتيًا يكون فيه الصاعد هابطًا والهابط صاعدًا، فقط ليُعاد ترتيب الكراسي على المسرح المالي.

في عالم التداول، ليس المهم أن تكون مُحللاً بارعًا، بل أن تكون متداولًا يقظًا، فالسوق ليس عادلاً، والمكسب الحقيقي لمن يُجيد السباحة في التيار المضاد، لا لمن يقرأ العنوان فقط.

Short Url

search