السبت، 05 يوليو 2025

08:58 م

الممرات المائية، شرايين التجارة العالمية تحت ضغط الجغرافيا والتوترات

الجمعة، 13 يونيو 2025 12:46 م

الممرات المائية

الممرات المائية

في عالم تُقاس فيه حركة الاقتصاد بالثواني، لا يمكن للموانئ والأساطيل أن تعول على الطرق البرية وحدها، بل إن البحار والمضائق هي التي ترسم خريطة النفوذ التجاري والجيوسياسي في القرن الحادي والعشرين. 

قناة السويس

بين قناة السويس ومضيق هرمز، مرورًا بباب المندب وملقا والبوسفور، تقبع شرايين التجارة العالمية، التي رغم صغرها الجغرافي، تحمل على سطحها تريليونات الدولارات من السلع والنفط والغاز.

قناة السويس.. نبض مصر الاقتصادي في مرمى النيران

منذ افتتاحها عام 1869، شكلت قناة السويس رئة العالم البحرية، ورافدًا ماليًا رئيسيًا لمصر، حيث تسهم بنحو 12% من التجارة العالمية، ويعبرها أكثر من 20 ألف سفينة سنويًا. 

لكن المجد لا يأتي بلا ثمن، ففي ظل التوترات الجيوسياسية بالشرق الأوسط، خصوصًا حرب غزة وتصاعد التهديدات في البحر الأحمر، أصبحت القناة تواجه تحديات غير مسبوقة.

بيانات هيئة قناة السويس تكشف تراجعًا حادًا في أعداد السفن العابرة، من 25,911 سفينة في العام المالي 2022-2023 إلى 20,148 سفينة في 2023-2024، ما أدى لانخفاض الإيرادات من 9.4 مليار دولار إلى 7.2 مليار.

هذا التراجع ليس مجرد رقم، بل ناقوس خطر يهدد سلاسل التوريد بين آسيا وأوروبا، ويعيد طرح السؤال، إلى أي مدى تستطيع مصر تحصين هذا الشريان من تأثيرات الحروب؟

اقرأ أيضًا:

القاطرات البحرية بقناة السويس، قوة لوجستية متطورة تعزز الممر الملاحي العالمي

قناة بنما.. أزمة المياه تهدد إنجاز القرن

بعيدًا في الأمريكتين، تظل قناة بنما التي تربط المحيطين الأطلسي والهادئ نموذجًا كلاسيكيًا على البراعة الهندسية حين افتُتحت عام 1914. 

ومع أنها أصغر حجمًا مقارنة بسواها، إلا أن مرور نحو 3% من التجارة البحرية العالمية عبرها، وتحقيقها إيرادات بـ4 مليارات دولار في 2024، يعكس وزنها الاقتصادي.

لكن يبدو أن تغير المناخ قرر أن يفرض كلمته، إذ تُعاني القناة من انخفاض منسوب المياه بسبب الجفاف، ما دفع السلطات إلى تقليص عدد السفن المارة وزيادة رسوم العبور، لم يعد التغير البيئي هنا مسألة مستقبلية، بل معضلة حالية تهدد استمرار حركة الشحن عبر أحد أكثر الممرات كفاءة.

مضيق هرمز

مضيق هرمز.. صمام النفط العالمي تحت الضغط

بلا مبالغة، يمكن القول إن مضيق هرمز هو حبل الوريد لسوق الطاقة العالمي، فمن خلاله يمر يوميًا أكثر من 17 مليون برميل من النفط، أي نحو 20% من التجارة النفطية العالمية، ومع كل أزمة في الخليج، تبدأ أسواق النفط في الارتجاف.

التصعيد الإيراني الإسرائيلي الأخير، وما تبعه من ضربات عسكرية، أعاد المضيق إلى دائرة الضوء بوصفه نقطة اشتعال مرشحة للانفجار. 

أي تعطيل في المضيق قد يُفجر أسعار النفط عالميًا، ويقلب موازين السوق، خاصة لدى الاقتصادات المستوردة للطاقة، وهو ما يجعل هرمز ليس فقط ممرًا نفطيًا، بل ورقة ضغط جيوسياسية بامتياز.

اقرأ أيضًا:

مصر تتحرك بثبات نحو مركز لوجستي إقليمي، تطوير شامل للموانئ وطفرة في حركة السفن

مضيق ملقا.. ممر آسيا الحرج

يمتد مضيق ملقا لأكثر من 800 كيلومتر، رابطًا بين بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، ويعد من أكثر الممرات ازدحامًا في العالم، حيث تمر عبره نحو 25% من التجارة البحرية العالمية، بينها 15 مليون برميل نفط يوميًا.

لكن مع الأهمية تأتي التحديات، فالمنطقة عرضة للقرصنة، والتنافس البحري بين الصين والولايات المتحدة يجعل من المضيق مسرحًا غير معلن للتجاذبات العسكرية. 

في حال إغلاق المضيق أو تهديد أمنه، سيتعين على السفن اتخاذ طرق أطول وأكثر تكلفة، ما يرفع أسعار النقل ويهدد تدفق السلع الآسيوية إلى العالم.

البوسفور

البوسفور.. أنبوب الطاقة الروسي في عنق الزجاجة

رغم قصره البالغ 30 كيلومترًا فقط، يحتل مضيق البوسفور موقعًا محوريًا في تجارة الطاقة، إذ تمر عبره نحو 3 ملايين برميل نفط يوميًا من روسيا وآسيا الوسطى نحو أوروبا، ووفقًا لتقديرات عام 2023، وصلت إيرادات تركيا من رسوم المرور إلى 900 مليون دولار بعد رفعها الرسوم بنسبة 8.3%.

ومع اشتداد العقوبات الغربية على موسكو، يتزايد اعتماد روسيا على هذا المسار، ما يمنحه أهمية إضافية، لكن الأزمة الروسية الأوكرانية، وتزايد الوجود العسكري في البحر الأسود، يهددان استقرار المضيق ويكشفان عن هشاشة هذا المسار الحيوي.

باب المندب.. عقدة الوصل في مرمى نيران الصراعات

بين البحر الأحمر وخليج عدن، يقف مضيق باب المندب كحلقة وصل محورية بين أوروبا وآسيا. تمر عبره نحو 10% من التجارة البحرية العالمية، وأكثر من 4.8 مليون برميل نفط يوميًا، ما يمنحه أهمية اقتصادية وعسكرية من الطراز الأول.

لكن المضيق محاط بجمر لا يخبو، فالصراعات المستمرة في اليمن والوجود العسكري الدولي سواء الأمريكي أو الصيني، والتوترات الإقليمية الناتجة عن حرب غزة، كلها عوامل تُهدد انسيابية الشحن، ومع تزايد الهجمات على السفن، باتت شركات النقل تبحث عن بدائل مكلفة، ما قد يعيد تشكيل خرائط التجارة العالمية.

 

اقرأ أيضًا:

أكثر الممرات الملاحية استخدامًا.. تعرف على تاريخ حفر قناة السويس

الممرات المائية ليست مجرد خطوط زرقاء

الممرات المائية ليست مجرد خطوط زرقاء على الخريطة، بل بوابات تتحكم في تدفقات التجارة والطاقة، وتشكل رافعة مالية ضخمة للدول التي تسيطر عليها. 

من قناة السويس التي خسرت أكثر من 2 مليار دولار في عام واحد، إلى تركيا التي ضاعفت رسوم عبور البوسفور خمس مرات في عام 2022، مرورًا بـإيرادات بنما القياسية رغم التحديات البيئية، والمشترك الوحيد بينها هو أن عوائدها ترتبط ارتباطًا عضويًا بالاستقرار الجيوسياسي.

لكن الواقع يُظهر أن هذه العوائد محفوفة بالمخاطر، فكل اضطراب سياسي أو مناخي يمكن أن يُكلف مليارات الدولارات ويعيد ترتيب أولويات التجارة الدولية، بل وقد يُفضي إلى تطوير مسارات جديدة، مثل الممر الشمالي الروسي أو الخطوط البرية العابرة للحدود.

التجارة العالمية

شرايين حساسة لعالم لا يهدأ

كل مضيق أو قناة بحرية يُمثل نقطة اختناق محتملة في جسد الاقتصاد العالمي، وحين تُغلق واحدة منها ولو لأيام تهتز الأسواق، وتُعاد حسابات الربح والخسارة.

إن إدارة هذه الممرات لم تعد مسألة فنية فقط، بل توازن معقد بين الجغرافيا والسياسة والمناخ، وفي ظل عالم يميل أكثر نحو الانقسام، فإن الحفاظ على انسياب التجارة عبر هذه الشرايين يتطلب ليس فقط الحماية الأمنية، بل رؤية استراتيجية طويلة الأجل تربط الأمن بالازدهار.

الاقتصاد العالمي لن يتوقف، لكنه حتمًا سيتأثر كلما اهتزت هذه الممرات الحساسة التي تحمل على ظهرها ما يتجاوز البضائع، إنها تحمل الاستقرار نفسه.

Short Url

showcase
search