الأربعاء، 11 يونيو 2025

07:14 ص

قناة بنما في عين العاصفة، بين استثمارات المواني وصراع النفوذ العالمي

الثلاثاء، 10 يونيو 2025 11:02 ص

قناة بنما

قناة بنما

تحليل/ ميرنا البكري

قناة بنما ليس ممر مائي يربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي، بل ورقة جيوسياسية واقتصادية هامة جدًا. وأي  تغيير أو استثمار جديد بها، يهز التوازن العالمي كما ما نرى الآن مع صفقة استحواذ ضخمة بـ23 مليار دولار تقودها شركة MSC بالتعاون مع بلاك روك، الذي ينوا شراء 43 ميناء حول العالم، واثنين منهم في بنما.

والكلام الكبير الذي قاله المدير العام لقناة بنما، ريكاردو فاسكيز، عن الصفقة هذه، فتح الباب أمام العديد من الأسئلة الاقتصادية والسياسية الهامة جدًا، هل ما يحدث تهديد لحيادية القناة؟ وما تأثير الصفقة على المنافسة والتجارة العالمية؟ وما السبب وراء غضب أمريكا؟ سنوضح ذلك في هذا التحليل.

قناة بنما .. من الذي يثير القلق في
الصراع على قناة بنما

تهديد حيادية القناة، مصالح الشركات الكبرى في مواجهة المبادئ الدولية

ريكاردو فاسكيز قالها صراحة: "هذه الصفقة قد تهد حيادية القناة". وهذا يعني إن جهة واحدة (مثل MSC) ستصبح لديها قوة تشغيلية ضخمة قد تستخدمها لصالحها، وتضغط على باقي الشركات أو حتى على دول معينة. وهو في حد ذاته تهديد مباشر لمبدأ "الحياد الدائم" الذي اتفقت عليه بنما وأمريكا في معاهدة عام 1977.

والحياد هنا ليس مجرد شعار، بل يؤثر في حركة التجارة الدولية، ويضمن إن كل السفن تعمل بعدالة، دون تمييز أو انحياز لأي طرف.


 تأثير اقتصادي محتمل، خسارة حركة أم فرصة لإعادة التموضع؟

بدأت الهيئة نفسها  تحذر من تأثير مباشر على الاقتصاد البنمي، خاصة إذا قرروا عملاء شركة “هاتشيسون” أن يتركوا مواني بنما ويذهبوا إلى مواني أخرى تحت إدارة MSC. وهذا معناه ببساطة، انخفاض في عدد الحاويات المارة عبر القناة، وتراجع في الإيرادات التشغيلية، وتأثير سلبي على النمو الاقتصادي الذي يعتمد على رسوم العبور.

 وفاسكيز طرح حل عملي هو إحياء مشروع ميناء "كوروزال" الذي على الضفة الهادئة، لكي تكون هيئة القناة تصبح مشغل مباشر لبعض المواني وتدخل بقوة في سوق الشحن، وإذا حدث ذلك فستكون نقلة نوعية من ممر لعبور السفن لـ لاعب أساسي في سلسلة التوريد العالمية.

بنما، من ممر تجاري إلى ساحة صراع على النفوذ

هذه الصفقة ليس مجرد بيزنس، بل صراع عالمي على النفوذ في أمريكا اللاتينية.الولايات المتحدة غير مرتاحة لسيطرة شركة صينية على مواني قريبة من قناة بنما. والآن، عندما تدخل MSC السويسرية-الإيطالية  مع بلاك روك، أمريكا أصبحت أكثر توترًا، وذلك نعكس في تصريحات ترامب الأخيرة عن رغبته في استعادة السيطرة على القناة.

أي ببساطة، تحولت بنما لساحة صراع بين الكبار، والصفقة تكشف رغبة الصين والقطاع الخاص الأوروبي في السيطرة على البنية التحتية الاستراتيجية، وأمريكا تزود الضغط لكي لا تخرج من اللعبة.

اقرأ أيضًا: 

التنافس الصيني الأمريكي على قناة بنما: صراع النفوذ والاستراتيجيات الاقتصادية(فيديو)

«تحت أعين التنين» هل تعتزم أمريكا تحدي نفوذ الصين في بنما؟

قناة بنما إحداها... المناطق الساخنة للصراع العالمي بين الولايات المتحدة  والصين
التنافس الصيني الأمريكي على قناة بنما

 أزمة المياه والتنوع الاقتصادي، دروس من 2023

تحاول بنما أيضًا التعامل مع مشكلة أخرى ضخمة وهي نقص المياه، التي سبب تأخير كبير في عبور السفن عام 2023. وهو ما جعلهم يبدأو في التخطيط لمشاريع بديلة: خط أنابيب لنقل الغاز النفطي المسال، توسيع القدرة على نقل الغاز الطبيعي المسال.

وهذا يعني إنهم يتبعوا نهج في التنويع الاقتصادي، بدلًا من الاعتماد  على رسوم عبور السفن، وأيضًا يعملوا في لوجستيات الطاقة. وهذه خطوة ذكية جدًا على المدى الطويل، خصوصًا مع زيادة الطلب العالمي على الغاز.

وسط كل هذه الضغوط، أمريكا طلبت السماح بمرور سفنها الحكومية مجانًا. لكن فاسكيز رد بكل وضوح: "حتى السفن البنمية تدفع، فلماذا نعفي؟".هذا يعكس إن بنما مصممة تحافظ على سيادتها، وترسل رسالة لأمريكا إنها لن تتقبل أي قرارات تمس القناة أو اقتصادها.

ختامًا، ما يحدث حول قناة بنما ليس مجرد صفقة مواني، بل صراع استراتيجي على طريق التجارة العالمي. وبنما، رغم حجمها الصغير، مازال لديها فرصة تتحول من "بلد ممر" إلى "بلد فاعل" اقتصاديًا. لكن ذلك يتطلب منها قرارات جريئة، استثمارات ذكية، وتحالفات محسوبة.

هذه الصفقة قد تكون تهديد، وقد تكون فرصة. والفرق سيكون في رد فعل بنما، وما يتضح من كلام فاسكيز إنهم يستعدوا لكي يخوضوا التحدي، ويفتحوا صفحة جديدة في تاريخ القناة الذي يرغب الكل في التحكم بها.

Short Url

search