الإثنين، 26 مايو 2025

03:14 ص

أمن المياه في الشرق الأوسط، معركة الاستدامة في مواجهة العطش الاقتصادي

الأحد، 25 مايو 2025 11:51 م

نقص المياه

نقص المياه

لم تعد أزمة المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قضية بيئية أو إنسانية فحسب، بل تحولت إلى عامل اقتصادي حاسم يهدد استقرار الناتج المحلي، ويقوض فرص التنمية. 

ففي منطقة تُعد الأكثر جفافًا في العالم، يمكن لنقص المياه أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 14% بحلول منتصف هذا القرن.

الإمارات تلهم المبتكرين لمواجهة أزمة المياه - الاتحاد للأخبار
أزمة المياه

أمام هذا التحدي، تبدأ معركة ضخمة لإعادة هيكلة إدارة المياه، بميزانيات ضخمة، وتكنولوجيات حديثة، وإصلاحات مؤسسية معقدة في ظل تنافس محتدم على الموارد وشبح تغير المناخ الذي لا يرحم.

نقص هيكلي في المياه.. قيد مزمن على النمو

تُعاني المنطقة من شح مائي بنيوي، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه 480 مترًا مكعبًا سنويًا، مقارنة بـ5500 عالميًا، وأقل من عتبة الندرة المطلقة البالغة 500 متر مكعب.

النتيجة؟، تزايد الاعتماد على المياه الجوفية وتحلية المياه، مع ما يرافق ذلك من تحديات مالية وبيئية، وتفاقم الضغط على البنية التحتية المتقادمة.

ولم تعد هذه الأرقام مجرد تحذيرات أكاديمية، بل ترجمت بالفعل إلى آثار اقتصادية ملموسة، ففقدان المياه في الشبكات يصل إلى 50% في بعض البلدان، ما يعني هدرًا ماليًا ومورديًا ضخمًا، وقيودًا هيكلية على الزراعة والصناعة والاستثمار.

اقرأ أيضًا:

أزمة المياه في الشرق الأوسط، حين تصبح قطرة الماء أغلى من النفط (فيديو)

البنك الدولي يحذر: نقص المياه بنسبة 40% بحلول 2030 يهدد الأمن المائي والتنمية المستدامة

التحول إلى الاستثمارات الهيكلية..  المياه كأصل إنتاجي

ما يميز المقاربة الجديدة لمواجهة أزمة المياه هو أنها لم تعد تدور فقط حول توفير المياه، بل تتعامل مع المياه كأصل إنتاجي ذي تأثير مباشر على النمو الاقتصادي.

ففي المغرب، الذي يمثل نموذجًا رائدًا، يتم الآن ربط الأمن المائي بالأمن الغذائي، والأمن الوظيفي، وتنافسية الصادرات الزراعية.

مثال منطقة شتوكة واضح، هذه المنطقة تُنتج 95% من طماطم المغرب وتشكّل ما بين 85 لـ 90% من صادراته الزراعية، ومع ذلك كانت على وشك الانهيار المائي، التدخل تم من خلال استثمار متكامل يجمع بين:

  • تحلية المياه كمصدر غير تقليدي.
  • حوكمة صارمة لمنع استنزاف المياه الجوفية.
  • خدمات استشارية ذكية للمزارعين لتحسين الإنتاجية وكفاءة الري.
  • تجديد البنية التحتية لضمان استدامة الاستخدام.

النتيجة ليست فقط تحسين وفرة المياه، بل خفض انبعاثات الكربون، وزيادة مرونة القطاع الزراعي أمام تقلبات المناخ.

البنك الدولي يخصص 120 مليون دولار لتطوير سوق التمويل المستدام في قيرغيزيا
البنك الدولي

البنك الدولي.. تمويل المياه كرافعة تنموية

محفظة البنك الدولي في المنطقة، البالغة 2.57 مليار دولار، تعكس بوضوح التغير في أولويات التمويل الدولي، فالمياه لم تعد ملفًا بيئيًا، بل رافعة اقتصادية وتنموية ذات أولوية قصوى، تشمل هذه المحفظة:

  • تحسين الري الزراعي.
  • معالجة مياه الصرف الصحي.
  • دعم البنية التحتية للمياه في بيئات ما بعد النزاعات.
  • إدخال العدادات الذكية وإصلاح منظومات الحوكمة.

وهذا التمويل لا يُنظر إليه كمساعدة إنسانية، بل كاستثمار في استقرار الأسواق وضمان لعائد اقتصادي واجتماعي طويل الأمد، مما يعكس تغيرًا في العقلية التنموية الدولية تجاه قطاع المياه.

اقرأ أيضًا:

مع بدء الموسم السياحي ..جزر اليونان تواجه أزمة مياه خطيرة.. فيديو

من الملح إلى العذوبة، رحلة مياه البحار عبر محطات التحلية

تكاليف الفرصة الضائعة: ماذا لو لم نستثمر؟

غياب الاستثمار في إدارة المياه لا يعني فقط فقدان فرص النمو، بل يحمل تكاليف اقتصادية صامتة هائلة:

  • انخفاض الإنتاج الزراعي يعني ارتفاع الواردات، وارتفاع العجز التجاري.
  • تراجع وفرة المياه يؤثر على توطين الصناعات المعتمدة على المياه (الغذائية، الدوائية، الكيميائية).
  • اضطرابات اجتماعية في المناطق الريفية بسبب ندرة المياه وغياب البدائل الاقتصادية.
  • خطر ارتفاع أسعار الغذاء محلياً، مع ما يصاحبه من تضخم وتراجع في القوة الشرائية.

ومن هنا، فإن الاستثمار في البنية التحتية المائية يعادل، من منظور اقتصادي بحت، تحصيناً للناتج المحلي ضد الصدمات المناخية والديمغرافية.

الزراعة الذكية
الزراعة الذكية

الابتكار في خدمة الأمن المائي.. من الزراعة الذكية إلى المدن المستدامة

تُظهر تجربة مراكش نموذجًا آخر للابتكار، حيث باتت المدينة تُعيد استخدام 30% من مياه الصرف الصحي لري الحدائق والمسطحات الخضراء، ما وفر مصادر بديلة للمياه، وخفف الضغط على الشبكات، وضمن الحفاظ على جودة الحياة رغم الجفاف.

هذا التحول يؤكد أن الابتكار التقني لا سيما في إعادة استخدام المياه، المعالجة المتقدمة، وتحلية المياه بالطاقة المتجددة سيكون حجر الزاوية في مستقبل السياسات المائية، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لدعم اتخاذ القرار.

المياه كأولوية اقتصادية وطنية

ما يتم اكتشافه اليوم في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو أكثر من مجرد إدارة أزمة، إنه تحول استراتيجي نحو رؤية جديدة للمياه كمحرك إنتاج، وكشرط أساسي لجذب الاستثمار، وتحقيق الأمن الغذائي، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

المعادلة أصبحت واضحة.. الاستثمار في المياه = الاستثمار في النمو، ومن يفهم هذه المعادلة مبكرًا، يملك مفتاح المستقبل.

Short Url

search