الأحد، 04 مايو 2025

07:39 ص

أزمة المياه في الشرق الأوسط، حين تصبح قطرة الماء أغلى من النفط (فيديو)

الجمعة، 02 مايو 2025 05:03 م

ندرة المياه

ندرة المياه

كتب/ كريم قنديل

قد لا يبدو الأمر بديهيًا للوهلة الأولى، لكننا نعيش اليوم في واحدة من أكثر مناطق العالم عطشًا، أزمة المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خرجت منذ زمن من خانة الهم البيئي، لتصبح معادلة اقتصادية واستراتيجية شديدة التعقيد. 

ندرة المياه

فحين تصبح مياه الشرب في بعض الدول أغلى من النفط، يكون السؤال، كيف وصلنا إلى هذا الحد؟ وهل تحلية المياه هي الحل، أم مجرد تسكين مؤقت لأزمة تزداد حدة؟

شح في الموارد.. وطلب لا يتوقف عن الازدياد

منظمة الأمم المتحدة تصنف منطقتنا كالأكثر ندرة في المياه عالميًا، إذ لا نحظى إلا بأقل من 1% من المياه المتجددة رغم أننا نضم نحو 6% من سكان العالم، أكثر من 60% من سكان المنطقة يعيشون تحت خط الفقر المائي أي أقل من 500 متر مكعب للفرد سنويًا، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى العالمي البالغ 1,000 متر مكعب.

لكن الأزمة لا تتعلق فقط بالموارد الطبيعية المحدودة، بل أيضًا بالطلب المتزايد بشراسة، النمو السكاني، والتوسع العمراني، والتغيرات المناخية الحادة، كلها عوامل تضغط على ما تبقى من مخزون مائي. 

وكنتيجة مباشرة، بدأت المؤسسات العالمية تتعامل مع المياه كأصل اقتصادي قابل للتداول، في عام 2020، أُدرجت عقود المياه الآجلة في بورصة وول ستريت، لتبدأ المضاربة على المياه، تمامًا كما يحدث مع النفط والذهب.

تحلية المياه

تحلية المياه.. حل ضروري لكنه مكلف

في ظل هذا الواقع القاتم، برزت تحلية مياه البحر كطوق نجاة، لا سيما لدول الخليج التي تغطي أكثر من 70% من احتياجاتها من مياه الشرب من خلال هذه التقنية، ووفق البنك الدولي، فإن دول مجلس التعاون الخليجي وحدها تمثل أكثر من 60% من القدرة الإنتاجية العالمية لتحلية المياه.

لكن هذا الإنجاز لا يأتي بلا ثمن، فالتحلية خصوصًا عبر الطرق الحرارية تستهلك كميات هائلة من الطاقة، وتنتج عنها مخلفات ملحية تُضخ في البحر، ما يهدد التوازن البيئي البحري، كما أن تكلفة المتر المكعب من المياه المحلاة تتراوح بين 0.5 و1.5 دولار، ما يجعلها حلاً مرتفع التكلفة بالمقارنة مع مصادر المياه العذبة الطبيعية.

عُمان.. نموذج استراتيجي للتحلية الذكية

في سلطنة عُمان، تمثل محطة "بركة 4" مثالاً حيًا على التحول الاستراتيجي في إدارة أزمة المياه، تقع المحطة في محافظة الباطنة وتنتج أكثر من 281,000 متر مكعب يوميًا، ما يكفي لتلبية حاجات 1.2 مليون شخص، تعتمد المحطة على تقنية التناضح العكسي، وهي أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة من الطرق التقليدية.

يدير المشروع تحالف بين شركة Veolia الفرنسية وشركة "نماء" العُمانية، في نموذج ناجح للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولا تتوقف الجهود عند "بركة 4"، فشركة Veolia تدير أيضًا محطة "صور" التي تُعد من أقدم محطات التحلية في السلطنة وتنتج أكثر من 131,000 متر مكعب يوميًا.

ندرة المياه

من سلعة استهلاكية إلى أصل مالي

ربما تكون التحولات الأكثر إثارة للجدل تلك التي طرأت على قيمة المياه، لم تعد المياه فقط مسألة استهلاك وخدمة عامة، بل أصبحت سلعة تخضع لقوانين السوق والعرض والطلب، وتُتداول في البورصات. 

هذا الواقع الجديد يُثير مخاوف حقيقية: هل نحن بصدد خصخصة أحد أبسط حقوق الإنسان؟ وهل تترك القدرة على الشرب مستقبلاً لمن يملك أكثر لا من يحتاج أكثر؟

نحو سياسة مائية رشيدة

في النهاية، لا يمكن إنكار أن تحلية المياه ساعدت في كبح جماح الأزمة، لكنها ليست الحل السحري، المطلوب هو مزيج من التقنيات المتقدمة، وسياسات إدارة رشيدة، واستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية المائية، فكل نقطة ماء في هذه المنطقة باتت تساوي ذهبًا، وربما أكثر.

Short Url

search