السبت، 24 مايو 2025

07:02 م

"القبة الذهبية" درع أميركا الفضائي يعيد تشكيل سباق التسلح ويهدد موازين الاقتصاد العالمي

السبت، 24 مايو 2025 11:59 ص

مشروع القبة الذهبية

مشروع القبة الذهبية

كتب/ كريم قنديل

في خطوة مثيرة للجدل، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشروع القبة الذهبية، وهو نظام دفاعي كوني الطموح يعيد تشكيل مشهد التوازنات الجيوسياسية والتسليحية حول العالم، ويضع الفضاء على خريطة الأمن القومي الأمريكي كحدود ردعٍ جديدة.

وبينما يبدو المشروع من الناحية التقنية تحفة تكنولوجية غير مسبوقة، فإن تداعياته الاقتصادية والاستراتيجية، قد تكون أعقد من مجرد درعٍ يحلق في المدار.

مشروع القبة الذهبية

استثمار دفاعي أم عبء مالي على اقتصاد منهك؟

الإدارة الأمريكية قدرت كلفة المشروع الأولية بـ175 مليار دولار، إلا أن مراكز أبحاث كـRAND وBrookings، تؤكد أن الكلفة الفعلية قد تتجاوز تريليون دولار على مدى العقد القادم، إذا ما أُخذت في الحسبان نفقات التطوير والتحديث والصيانة. 

وتأتي هذه المبالغ الضخمة في وقت تمر فيه الولايات المتحدة بأزمة ديون تاريخية، حيث بلغت وفقًا لأحدث البيانات نحو 34.5 تريليون دولار، ما يثير تساؤلات جادة حول أولويات السياسة المالية في واشنطن.

ويعتمد ترامب على تمويل القبة الذهبية عبر تخفيضات في الإنفاق غير الدفاعي، وإعادة هيكلة بعض الإعفاءات الضريبية، ما يعني أن الخدمات الاجتماعية الأساسية من التعليم إلى الرعاية الصحية، ستكون على طاولة التقشف.

هذه المفاضلة بين الأمن الخارجي والرفاهة الداخلية، قد تخلق صدامًا سياسيًا حادًا داخل الكونجرس، خصوصًا في ظل المعارضة الديمقراطية المتزايدة للمشروع.

اقرأ أيضًــا:

ترامب: القبة الذهبية تبلغ تكلفتها حوالي 175 مليار دولار

رادارات المراقبة العسكرية، العيون التي لا تنام في صراع التسلح

مشروع القبة الذهبية

 

صناعة الفضاء الأمريكية الرابح الأكبر

وفي المقابل، يمثل المشروع فرصة ذهبية للصناعة العسكرية والفضائية الأمريكية، شركات عملاقة مثل SpaceX وLockheed Martin وNorthrop Grumman وPalantir، كما دخلت سباقًا محمومًا على عقود قد تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار. 

وتُعد هذه القفزة بمثابة ضخ استثماري هائل في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الليزر، والملاحة الفضائية.

ويشهد القطاع الخاص الأمريكي، تحولًا من دور المقاول الدفاعي إلى شريك استراتيجي في رسم خرائط الأمن القومي، مدعومًا من وكالة DARPA والجامعات الرائدة، وهذا التوجه قد يعزز من ريادة الولايات المتحدة في الصناعات الفضائية، ويعيد تموضعها الاقتصادي في مواجهة التنين الصيني والدب الروسي.

blinx | أمن‎ | ماذا نعرف عن
مشروع القبة الذهبية

 

عودة الحرب الباردة بحلة جديدة

القبة الذهبية لا تُقرأ فقط بوصفها منظومة ردع دفاعي، بل كرسالة سياسية صارخة، فالفضاء لم يعد مجالًا للاكتشاف، بل لساحة صراع قادمة، وهذا التغير يعيد إلى الأذهان سباق التسلح في الثمانينيات، حين أطلق الرئيس رونالد ريغان "حرب النجوم" لمجابهة الاتحاد السوفيتي، واليوم ترامب يعيد ذات الفكرة، لكن بتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين.

ردود الفعل الدولية جاءت حادة، فروسيا وصفت المشروع بأنه تهديد للأمن الجماعي، والصين توعدت بالرد عبر تسريع برامجها الفضائية، وحتى الأمم المتحدة دخلت على الخط محذرة من عسكرة الفضاء، وغياب اتفاقيات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في القرار العسكري، حيث أننا الآن أمام مشهد عالمي يتغير بسرعة، وتقوده قوى تحاول فرض نفوذها من المدار الأرضي المنخفض.

اقرأ أيضًــا:

أوروبا على خط النار، سباق التسلّح يتسارع لمواجهة غياب أمريكا وتهديد روسيا

الأموال وحدها لا تصنع الجيوش، أوروبا أمام اختبار البقاء العسكري

حسابات الردع والاستقرار العالمي

استراتيجيًا، يراهن ترامب على أن من يهيمن على الفضاء، سيمتلك زمام المبادرة في أي مواجهة مستقبلية، لكن هذا الرهان قد يقلب قواعد اللعبة الجيوسياسية رأسًا على عقب، حيث إن امتلاك شبكة فضائية متكاملة قادرة على اعتراض الصواريخ من أي نقطة في العالم، يضع أمريكا في موقع الحكم العسكري الكوني، وهو ما قد يدفع خصومها لتسريع تطوير أسلحة هجومية مضادة للأقمار الاصطناعية (ASAT)، وتقنيات التشويش الإلكتروني والليزر الفضائي.

من الناحية الاقتصادية، فإن هذا السباق سيجبر دولًا كالصين وروسيا وحتى الاتحاد الأوروبي على ضخ استثمارات ضخمة في برامج فضائية دفاعية، ما يزيد من الضغط على موازنات هذه الدول، ويعيد تشكيل أولوياتها الاقتصادية. 

والنتيجة المتوقعة، سباق تسلح فضائي مكلف سيستهلك موارد هائلة من اقتصادات كبرى، كانت تتعافى بصعوبة من آثار جائحة كورونا والتقلبات الجيوسياسية.

القبة الذهبية
مظلة القبة الذهبية

 

من يربح ومن يخسر؟

وقد يكون الفائز الأكبر في الأمد القصير، هو قطاع الصناعات الدفاعية الأمريكية، إلى جانب الجامعات ومراكز الأبحاث التي ستزدهر تحت مظلة القبة الذهبية، ولكن على المدى البعيد، فإن تكلفة عسكرة الفضاء قد تكون باهظة على الجميع.

من الضرائب على المواطن الأمريكي، إلى التهديدات السيبرانية العابرة للحدود، وصولًا إلى انهيار ثقة دولية كانت تُبنى تدريجيًا باتجاه فضاء مشترك وآمن.

مشروع القبة الذهبية ليس فقط إعلانًا عن تحول نوعي في الدفاع، بل هو لحظة مفصلية في التاريخ الحديث قد تعيد رسم خرائط الاقتصاد العالمي، وتغير شكل العلاقات الدولية من الأرض إلى المدار، وهنا يكمن السؤال، هل نحن أمام ولادة نظام عالمي جديد أم بداية سباق لا يمكن لأحد التحكم في نهايته؟

Short Url

showcase
showcase
search