سوق الشحن بالحاويات بين التحول الرقمي وموجات التجارة الجديدة
الأحد، 18 مايو 2025 11:15 م

التجارة الدولية
تحليل/ كريم قنديل
في عالم لا يكفّ عن الحركة، تقف سفن الحاويات العملاقة شاهدة على تحولات اقتصادية ضخمة تعصف بالأسواق العالمية، فبين تسارع الابتكار الرقمي، واشتداد سباق الامتثال البيئي، وتغير مسارات التجارة العالمية، يدخل سوق الشحن بالحاويات مرحلة جديدة من التحول العميق.

تشير التقديرات إلى أن حجم سوق الشحن بالحاويات سيبلغ حوالي 119.65 مليار دولار في 2025، مع توقعات ببلوغه 139.45 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 3.11%، لكن خلف هذه الأرقام الصلبة، تشتعل معارك ناعمة على جبهات عدة، التكنولوجيا، الاستدامة، والأمن اللوجستي.
ثورة رقمية في قلب البحر
لم تعد عمليات الشحن مجرد حركة بضائع عبر المحيطات، بل تحولت إلى مسرح للتكنولوجيا الذكية، حوالي 30% من الشركات في القطاع باتت تركز استثماراتها على الحلول الرقمية والتخطيط الذكي، بينما يتجه 27% لتحسين الاتصال والتكامل في سلاسل التوريد، و24% نحو تطوير أنظمة التتبع الفوري.
ولم يتوقف الأمر عند البرمجيات، فحتى الميكانيكا الكلاسيكية للشحن بدأت تتغير، حيث يشير 18% من العاملين في المجال إلى تبنيهم لأتمتة العمليات بهدف رفع الكفاءة وتقليل التكاليف، إنه توجه عالمي واضح نحو رقمنة البحر، وهو ما يعيد رسم ملامح الصناعة بالكامل.
اقرأ أيضًا:
منظمة التجارة العالمية تحذر: رسوم ترامب الجمركية ستُعيق التجارة العالمية هذا العام
«منظمة حقوقية» تقاضي «إدارة ترامب» أمام محكمة التجارة الدولية بشأن الرسوم الجمركية
البيئة تُحرك الأمواج نحو سياسات الإبحار البطيء
في 2024، ضربت موجة خضراء عالم الشحن، مع دخول لوائح بيئية صارمة حيز التنفيذ، آلية تعديل الكربون على الحدود الأوروبية وإدراج النقل البحري ضمن نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، دفعت الشركات الكبرى إلى مراجعة استراتيجياتها جذريًا.
شركات مثل "مايرسك" و"هاباغ لويد" بدأت بتطبيق سياسات الإبحار البطيء، والتوسع في استخدام وقود نظيف مثل الميثانول والأمونيا، ما يعكس تحولاً غير مسبوق نحو الامتثال البيئي، البيئة لم تعد عائقًا، بل أصبحت محركًا للاستثمار والتجديد.

المرونة اللوجستية في زمن الأزمات
الأزمات الجيوسياسية، لا سيما في البحر الأحمر، أجبرت القطاع على إعادة رسم خرائطه، الشركات باتت تعتمد بشكل متزايد على طرق بديلة وأنظمة تتبع ذكية لضمان سلامة البضائع وكفاءة التشغيل.
هذا التحول أدى إلى ولادة شبكات لوجستية أكثر مرونة، قادرة على امتصاص الصدمات وتقليل التبعية للممرات التقليدية، ما يعزز من قدرة القطاع على التكيف مع الأزمات العالمية دون توقف عجلة التجارة.
سفن أكبر وموانئ أذكى
من جهة أخرى، تشهد صناعة الشحن توسعًا في تحديث الأساطيل وزيادة قدرتها الاستيعابية، فشركة Hapag-Lloyd، على سبيل المثال، رفعت عدد حاويات التبريد "ريفر" من 93 ألفًا إلى 149 ألف وحدة، فيما سجل ميناء سنغافورة رقمًا قياسيًا بمعالجة 39 مليون وحدة مكافئة في 2023.
اقرأ أيضًا:
«بتوفر مساحة تخزين وبتنقل بأمان»، 7 مميزات تقدمها الحلول اللوجستية للقطاع الصناعي
رغم التحديات، ألمانيا العمود الفقري لحركة البضائع في أوروبا (فيديو)
الموانئ العالمية بدورها تستثمر بشكل متسارع في البنية التحتية لمواكبة هذا النمو، من خلال توسعة الأرصفة، وميكنة العمليات، وتعزيز القدرة على استقبال السفن العملاقة.

الأسواق الناشئة هي القاطرة الجديدة
اللاعب الجديد في مشهد التجارة العالمية هو الأسواق الناشئة، من الهند إلى إندونيسيا، ومن البرازيل إلى الصين، تتزايد مساهمة هذه الدول في حركة التجارة العالمية، مدفوعة بالاستثمار الأجنبي، والتحفيزات الحكومية، وتحسين البنية التحتية.
الهند مثلاً، عبر برنامج الحوافز الإنتاجية، عززت صادراتها وجذبت تدفقات استثمارية، وسجلت موانئها تداولًا يفوق 460 مليون طن من البضائع في أقل من عام، أما الصين، فواصلت تألقها بارتفاع صادراتها بنسبة 14.8% في مارس 2023، ما يعكس صلابة الاقتصاد الآسيوي رغم التحديات.
اقرأ أيضًا:
اللوجستيات الخضراء، الثورة الصامتة التي تعيد تشكيل وجه النقل العالمي
شركات عملاقة وموانئ متطورة، آسيا تكرّس مكانتها كمركز لوجيستي عالمي
التحول في أنواع الحاويات
الحاويات ليست كلها متشابهة، فالحاويات العالية سيطرت على السوق بنسبة 48% في 2024، بقيمة تفوق 55 مليار دولار، نظرًا لقدرتها على نقل البضائع الخفيفة والضخمة بشكل فعال، في المقابل، تحافظ الحاويات الصغيرة والكبيرة على أدوارها الحيوية حسب نوع الحمولة، مما يعكس مرونة هيكل السوق وقدرته على تلبية احتياجات متنوعة.
أما الحاويات المبردة، فهي النجم الصاعد، بمعدل نمو سنوي يقارب 5% حتى 2029، مدفوعة بارتفاع الطلب على الأغذية الطازجة، والأدوية، والمواد الكيميائية الحساسة للحرارة.

اقتصاد متحرك على ظهر سفينة
إن سوق الشحن بالحاويات ليس مجرد مؤشر على حركة التجارة، بل هو مقياس لنبض الاقتصاد العالمي، فمن التكنولوجيا الخضراء، إلى تدفق السلع عبر المحيطات، ومن تنامي الأسواق الناشئة، إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد، نعيش اليوم لحظة تحول جوهري في اقتصاد البحر.
ولعل السؤال الأهم لم يعد: إلى أين تتجه السفن؟، بل كيف تُغير هذه السفن وجه الاقتصاد العالمي؟
Short Url
الاستثمار في الطيران يفتح آفاقًا جديدة بين مصر والإمارات
23 مايو 2025 10:39 ص
وزير خارجية بلغاريا: مصر الشريك الاستراتيجي الأهم لبلغاريا في إفريقيا
22 مايو 2025 02:06 م


أكثر الكلمات انتشاراً