صراع مشتعل بين الهند وباكستان.. عندما تُقاس الحرب بالأرقام
الخميس، 08 مايو 2025 08:10 ص

الحرب بين الهند وباكستان
تحليل/ كريم قنديل
في عام 2025، وبينما كان العالم يترقّب تبعات الحروب الكبرى من أوكرانيا إلى غزة، تجدد التوتر القديم المزمن في جنوب آسيا بين الهند وباكستان.

لكن هذه المرة، لم يكن الصراع يدور فقط حول حدود كشمير أو المناوشات العسكرية، بل تصاعدت المواجهة إلى جبهة أكثر تعقيدًا تكمن في الاقتصاد، وفي وقت تتسلح فيه الدول بجيوشها، تتسلح الهند بأرقامها، وتُصارع باكستان من موقع الإنهاك المالي.
فجوة اقتصادية لا يمكن تجاهلها
لنبدأ بالأرقام، الهند اليوم خامس أكبر اقتصاد في العالم بإجمالي ناتج محلي قدره 4.2 تريليون دولار، بينما تقف باكستان في المرتبة الـ45 بناتج قدره 374 مليار دولار، الفرق مهول لا يعكس فقط حجم السوق أو قوة الاستهلاك، بل يعكس فجوة ضخمة في القدرات التمويلية، الصناعية، وحتى في مرونة الصمود خلال الأزمات.
تُدار الهند اليوم كقوة اقتصادية صاعدة، بينما باكستان تُدار كدولة في حالة إنعاش اقتصادي دائم، لدى الهند سوق داخلية ضخمة، وتنوع إنتاجي، وقاعدة صناعية قوية، بينما تعتمد باكستان على الدعم الخارجي، وتحويلات المغتربين، والتمويلات الطارئة من صندوق النقد الدولي.
العملة في زمن الحرب.. الدولار هو السلاح
عندما قررت باكستان الدخول في مناوشات حدودية، كانت خزائنها شبه فارغة، احتياطات النقد الأجنبي لم تتجاوز 15.6 مليار دولار رقم بالكاد يكفي لتغطية وارداتها لبضعة أسابيع، في المقابل، تمتلك الهند 677 مليار دولار من الاحتياطي، وهو ما يمنحها قدرة هائلة على امتصاص الصدمات، تمويل الحرب، والتأثير في أسعار الصرف.
في زمن الحرب، الاحتياطي الأجنبي لا يقل أهمية عن الدبابات، فالهند قادرة على تمويل وارداتها من السلاح والطاقة بسلاسة، بينما تضطر باكستان إلى طلب الدعم من الحلفاء أو تأجيل سداد ديونها، وهو ما يجعلها عرضة للضغط السياسي والاقتصادي في الوقت ذاته.
_1758_025820.jpg)
الجيش والاقتصاد.. معادلة الردع الجديدة
الأرقام تُظهر بوضوح التفوق الهندي في ميزانية الدفاع، 77 مليار دولار مقابل 7.6 مليار دولار لباكستان، لم يعد التفوق النوعي أو العددي كافيًا لباكستان لخلق توازن ردع، كما كان الحال في العقود الماضية، ففيما تواصل الهند تحديث جيشها وتطوير صناعتها الدفاعية محليًا، تجد باكستان نفسها في موقع المُستورد الدائم، مع اعتماد مفرط على الصين وتركيا كموردين.
هذا التفوق يُغير قواعد اللعبة فالهند لا تحتاج بالضرورة إلى الدخول في حرب شاملة، بل يمكنها ممارسة ضغط اقتصادي عسكري يجبر الخصم على التراجع، دون إطلاق رصاصة.
من كشمير إلى الأسواق.. كيف تُترجم الحرب إلى خسائر؟
المواجهة بين الهند وباكستان لا تبقى على الحدود، آثارها تتدفق بسرعة إلى الداخل، الأسواق المالية، الاستثمار الأجنبي، أسعار السلع، وحتى ثقة المستهلك.
في الهند، ورغم الضجيج الإعلامي، لم ترتجف الأسواق كثيرًا، اقتصاد بحجم 4.2 تريليون دولار يستطيع امتصاص الأخبار السيئة، أما في باكستان، فكل شائعة عن تصعيد تنعكس مباشرة على سعر الروبية، ومستوى التضخم، وعزوف المستثمرين.
باكستان التي تُصارع أصلًا أزمة ديون، وتضخمًا خانقًا، وبطالة متفاقمة، دخلت حربًا لا تملك أدواتها، والأخطر من ذلك، أن استمرار التصعيد يُهدد بتعطيل برامج الإنقاذ الاقتصادي التي وضعتها بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدولي.

الانعكاسات الإقليمية والدولية.. حسابات الربح والخسارة
الصراع بين الهند وباكستان لا يخص البلدين فقط، المنطقة برمتها تتأثر، بدءًا من أمن الطاقة في الخليج، مرورًا بحركة التجارة الصينية عبر ممرات باكستان، وصولًا إلى استثمارات الدول الغربية في جنوب آسيا.
الصين تراقب الموقف عن كثب، باعتبارها الحليف الأكبر لباكستان، والمستثمر الرئيسي في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وقد تجد نفسها مضطرة لحماية استثماراتها، أو على الأقل تأمين مرور بضائعها.
الولايات المتحدة، في المقابل، تميل أكثر إلى الهند كشريك استراتيجي لموازنة الصين، وقد ترى في هذه المواجهة فرصة لتقليص نفوذ بكين في المنطقة، بشرط ألا تنفلت الأمور إلى مواجهة نووية أو انهيار شامل في باكستان.
الخليج العربي، كمصدر رئيسي لتحويلات المغتربين الباكستانيين، ومورد للطاقة للهند، ينظر إلى التصعيد بخوف شديد، إذ قد يؤدي أي اضطراب إلى موجة هجرة جديدة أو اضطراب في أسواق النفط.
هل تقود الحرب إلى انفراجة داخلية؟
من المثير للسخرية أن بعض الحكومات تلجأ للتصعيد العسكري كوسيلة لصرف النظر عن الأزمات الداخلية، وهذا ينطبق على باكستان بشكل خاص، حكومة محاصَرة اقتصاديًا، تواجه ضغوطًا داخلية، ومطالبات شعبية، قد تجد في التصعيد مع الهند وسيلة لتوحيد الداخل، لكن هذه المغامرة لها حدود، فكل طلقة على الحدود تُترجم إلى ضغط على العملة، وتراجع في التصنيف الائتماني.
أما الهند، فقد تستخدم التوتر لتعزيز سردية الهند القوية، وجذب الناخبين في الداخل، لكن من موقع مختلف تمامًا.. موقع من يملك فائضًا استراتيجيًا يسمح له بفرض شروطه.

حرب غير متكافئة، وواقع لا يُغفل
في عالم اليوم، لم تعد الحروب تُحسم فقط في الميدان، بل في البورصات، وأسواق الطاقة، والاتفاقيات التجارية، وفي هذا الميزان، تتفوق الهند بوضوح، ليس فقط في حجم الاقتصاد، بل في عمقه، ومرونته، واستقلاله.
أما باكستان، فكل يوم من التصعيد يُكلفها اقتصاديًا، ويُضعف موقعها التفاوضي، ويهدد بجرّها إلى حافة الإفلاس السياسي والمالي، وربما يكون هذا هو جوهر الحرب الحديثة، أن تُربك عدوك دون أن تطلق رصاصة.
Short Url
السيارات الكهربائية تشعل سباق المعادن، النحاس في الصدارة والتدوير لا يكفي
08 مايو 2025 12:50 م
قمة كوالالمبور، الصين توسع تحالفها الآسيوي – الخليجي في مواجهة أمريكا
08 مايو 2025 12:15 م
الاقتصاد تحت القصف، أرقام الهند وباكستان في مرمى التوتر
07 مايو 2025 04:25 م


أكثر الكلمات انتشاراً