الإثنين، 11 أغسطس 2025

01:08 م

الهند على مفترق التصنيع.. فرصة تاريخية أم تحدٍ هيكلي؟

الإثنين، 11 أغسطس 2025 09:54 ص

الاقتصاد الهندي

الاقتصاد الهندي

في الوقت الذي تتصاعد فيه نيران الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، يبدو أن خريطة التصنيع العالمية تتعرض لاهتزازات متلاحقة تدفع الشركات الكبرى لإعادة التموضع والبحث عن ملاذات بديلة أكثر استقرارًا.

الاقتصاد الهندي

وسط هذه العاصفة، تبرز جنوب الهند، وتحديدًا ولاية تاميل نادو، كوجهة طموحة تسعى لاختراق مشهد التصنيع العالمي، فهل تكون هذه اللحظة التي تنتظرها الهند منذ عقود لتخطف مقعد الصين في سلاسل التوريد الدولية؟

أزمة الصين.. فرصة للهند؟

عقب فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولاية ثانية، اشتدت القيود التجارية على البضائع الصينية، وارتفعت الرسوم الجمركية إلى مستويات خانقة، دفعت كبريات الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة النظر في استراتيجياتها التصنيعية. 

ولم تعد الصين رغم بنيتها التحتية العملاقة الوجهة الوحيدة أو الآمنة كما كانت، بل باتت جزءًا من معادلة أكثر هشاشة وحساسية.

في المقابل، تقدم الهند نفسها كلاعب جاهز للانخراط في هذه المعادلة الجديدة، مستندة إلى مقومات قوية، على رأسها سوق عمل شابة ورخيصة، وتكتل من الولايات الجنوبية التي تمتلك بنية اقتصادية متقدمة نسبيًا مقارنة ببقية البلاد.

الصناعة الهندية

“تاميل نادو”.. حكاية نجاح هادئ

من بين الولايات التي تسعى إلى انتزاع الحصة الأكبر من كعكة التصنيع، تبرز تاميل نادو كنموذج فريد، فهي لا تضم سوى 6% من سكان الهند، لكنها تحتضن أكبر عدد من المصانع، وتنتج 40% من صادرات البلاد من الإلكترونيات، ونحو نصف صادرات السيارات وقطع الغيار.

مدينة هوسور، الواقعة في قلب الولاية، أصبحت خلال السنوات الأخيرة عنوانًا لهذا التحول الصناعي، ومن مصنع يوصف بأنه الأكبر للدراجات الكهربائية في العالم، إلى مشروع لتجميع هواتف آيفون، وصولاً إلى منشأة تصنيع توربينات الطائرات بالتعاون مع رولز رويس، وتبدو المدينة كأنها تصنع مستقبل الهند الصناعي قطعةً قطعة.

اقرأ أيضًا:

الهند في مرمى النيران، نيوديلهي بين النفط الروسي ورسوم ترامب الجمركية

طفرة أم سراب؟

رغم كل هذه المؤشرات، تبقى هناك تحديات هيكلية قد تعيق صعود الهند إلى عرش التصنيع العالمي، فالمكونات الأساسية مثل الرقائق والمغناطيسات النادرة لا تزال تستورد من الصين. 

هذا الاعتماد يعرض الصناعات الهندية لمخاطر جيوسياسية لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تدفع المستثمرين لمغادرة الصين في المقام الأول.

إن الهند لم تطور بعد قاعدة صناعية مكتفية في القطاعات الحرجة مثل أشباه الموصلات، وذلك يمثل نقطة ضعف استراتيجية إذا لم يعالج بسياسات بعيدة المدى، واستثمارات ضخمة في التصنيع العميق والتقنيات الدقيقة.

الهند والصين

المقارنة المباشرة بين الهند والصين قد تكون مضللة، فالصين بنت نموذجها الصناعي على مدى عقود من التدخل الحكومي الممنهج، والاعتماد على التصدير كثقل اقتصادي. 

الهند وتحديدًا الجنوب منها تتبع طريقًا مغايرًأ، أكثر تحررًا وانفتاحًا، قائم على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية في قطاعات المستقبل مثل التكنولوجيا النظيفة والطيران والإلكترونيات.

الشركات العالمية لا تبحث فقط عن التكاليف المنخفضة، بل أيضًا عن بنية تحتية موثوقة، واستقرار سياسي، ومرونة تنظيمية، وهي جميعها عناصر بدأت ولايات مثل تاميل نادو بتوفيرها بوتيرة متسارعة.

اقرأ أيضًا:

الهند في مواجهة الضغوط الأمريكية، هل تنجح واشنطن في فك ارتباط نيودلهي بروسيا؟

ما بعد الصين.. وليس بدلاً منها

في نهاية المطاف، ربما لا يكون الهدف هو إزاحة الصين من على عرش التصنيع، بل إعادة توزيع الأدوار، الصين قد تحتفظ بقيادتها في تصنيع المكونات المعقدة تقنيًا بفضل بنيتها الراسخة، بينما تلعب الهند دورًا محوريًا في التجميع النهائي والخدمات اللوجستية.

هذا السيناريو يشبه "نموذج متعدد الأقطاب"، قد يعيد تشكيل الجغرافيا الصناعية للعالم بطريقة أكثر توازنًا، حيث تكمل الهند والصين بعضهما في شبكة تصنيع عالمية تتطلب مرونة واستقرارًا أكثر من أي وقت مضى.

حرب تجارية بين أمريكا والصين

حرب تعطي فرصة ثمينة

الحرب التجارية بين الصين وأمريكا منحت الهند فرصة ثمينة، لكن تحويل هذه الفرصة إلى مكسب طويل الأمد يتطلب ما هو أكثر من جذب المصانع. 

لابد من بناء منظومة متكاملة من الموردين، واستثمارات في التكنولوجيا العميقة، وتحصين الاقتصاد الهندي ضد تقلبات الجغرافيا السياسية، جنوب الهند أحرز خطوة أولى واعدة، لكن السباق الحقيقي ما زال في بدايته، الهند قد لا تسرق التاج، لكنها تصنع لنفسها عرشًا مختلفًا.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search