السبت، 03 مايو 2025

02:16 ص

العالم في عين العاصفة، مصر تسعى للثبات وسط اضطرابات الاقتصاد العالمي

الجمعة، 02 مايو 2025 01:20 م

صندوق النقد الدولي

صندوق النقد الدولي

تحليل/ كريم قنديل

في ربيع 2025، جاء تقرير صندوق النقد الدولي ليقرع أجراس الإنذار، النمو العالمي يتباطأ، التضخم يُقاوم محاولات الترويض، والتوترات التجارية تهدد النظام الاقتصادي العالمي الذي عرفناه لعقود، وإذا كان العالم في عين العاصفة، فإن مصر بقلب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجد نفسها على مفترق طرق بين المخاطر الجسيمة والفرص الذهبية.

الاقتصاد العالمي

اقتصاد عالمي يترنح على وقع التعريفات

منذ الثاني من أبريل، بدأت ملامح حرب تجارية كبرى تتشكل حين قررت الولايات المتحدة فرض تعريفات جمركية شبه شاملة، رفعت معدل الرسوم الفعلية إلى أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الأولى. 

الردود لم تتأخر، الصين، الاتحاد الأوروبي، وشركاء آخرون أعلنوا تدابير انتقامية، فجأة، باتت التجارة العالمية تحت الحصار، والمستثمرون يترقبون بعين القلق والريبة.

توقعات صندوق النقد الدولي تشير بوضوح إلى أن النمو العالمي سينخفض إلى 2.8% في 2025، نزولًا من 3.3% في التوقعات السابقة، الاقتصادات المتقدمة ستشهد تباطؤًا حادًا، والولايات المتحدة ستنمو فقط بنسبة 1.8%، بينما تتباطأ الصين تحت وطأة الضغوط الجمركية. 

حتى التضخم، الذي بدأ في التراجع منذ أواخر 2023، يبدو أنه سيقاوم الهبوط، ليستقر عند 4.3% عالميًا هذا العام.

شرق أوسط متغير.. ومصر على خط النار

وسط هذه الصورة القاتمة، تبرز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كمنطقة حرجة، ومصر كدولة محورية فيها، بتعداد سكان يفوق الـ 100 مليون نسمة، وقاعدة إنتاجية تتوسع ببطء، وموقع جغرافي استراتيجي يربط القارات، تبدو مصر وكأنها تقف على حافة ميزان حساس.

في عام 2024، حققت مصر نموًا متواضعًا بلغ 2.4%، متأثرة بالضغوط التضخمية العالمية، وأعباء الدين، وتقلبات الأسواق. لكن صندوق النقد يتوقع تسارع النمو إلى 3.6% في 2025 و4.1% في 2026، أرقام تبدو مبشرة نسبيًا، لكنها تتطلب مجهودًا شاقًا للمحافظة عليها، في ظل بيئة دولية غير مستقرة.

الحرب التجارية

الحرب التجارية وتراجع الاستثمارات الأجنبية

أحد أبرز المخاطر أمام مصر حاليًا هو تأثير الحروب التجارية العالمية على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، في بيئة يتراجع فيها النمو العالمي وتُحاصر فيها التجارة بالقيود الجمركية، تصبح الأسواق الناشئة أقل جاذبية للمستثمرين الدوليين، ما لم تمتلك مقومات تنافسية قوية.

وهنا، تحتاج مصر إلى أن تلعب على أوراقها غير التقليدية، موقعها الجغرافي، شبكات اللوجستيات، والمشروعات القومية الكبرى مثل محور قناة السويس والعاصمة الإدارية، تنويع أسواق التصدير، وتسهيل بيئة الأعمال، قد يشكلان صمام أمان في مواجهة الركود التجاري العالمي.

ارتفاع أسعار الفائدة العالمية

مع تشديد السياسات النقدية عالميًا لمواجهة التضخم، ترتفع تكلفة التمويل الدولي، مصر، التي تسعى لتمويل عجز موازنتها ومشروعاتها التنموية، تواجه تحديًا مزدوجًا: كيف تقترض دون الوقوع في فخ المديونية المفرطة؟ وكيف تحافظ على جاذبية أدوات الدين المحلية دون رفع تكلفة الفائدة إلى مستويات مرهقة؟

الحل، كما يراه التقرير، يكمن في إدارة أكثر كفاءة للسياسة النقدية، وتحقيق ضبط مالي تدريجي يحافظ على الحماية الاجتماعية ويخفض العجز دون خنق النمو.

نمو الاقتصاد المصري

الفرصة الذهبية.. التركيبة السكانية الشابة

في حين أن معظم دول العالم المتقدم وحتى بعض الاقتصادات الناشئة تعاني من الشيخوخة السكانية، بينما تمتلك مصر ثروة ديموغرافية استثنائية، "قاعدة شبابية هائلة"، هذا المورد البشري إذا تم استثماره بتوسيع التعليم الفني، وتدريب القوى العاملة، وربطها مباشرة باحتياجات السوق، يمكن أن يتحول إلى محرّك نمو دائم في السنوات القادمة.

الهجرة والتحويلات.. سيف ذو حدين

تحولات سياسات الهجرة في الدول المتقدمة، خاصة في أوروبا وأميركا، قد تضع مصر أمام اختبار جديد، فمع تشديد القيود على الهجرة النظامية، تصبح تحويلات العاملين بالخارج مهددة، وهي التي تشكل أحد أهم مصادر النقد الأجنبي. التقرير يحذر من هذا الخطر، ويشير إلى أن الاعتماد المفرط على التحويلات لم يعد استراتيجية آمنة.

ما الحل؟ خلق فرص عمل محلية، وتحفيز ريادة الأعمال، وتوجيه رؤوس الأموال إلى قطاعات إنتاجية ذات قيمة مضافة، بدلًا من التركيز على الإنفاق الاستهلاكي.

Egypt's foreign-currency position under further strain due to Red Sea ...
الاقتصاد المصري

مصر والاستعداد للمستقبل

أمام مصر اليوم فرصة نادرة لإعادة تشكيل مسارها الاقتصادي، لكن الوقت ليس في صالحها، المطلوب هو إصلاح هيكلي عميق، وليس مجرد تدابير مؤقتة، من الضروري تعزيز الإنتاجية، تحديث البنية التحتية الرقمية، تسريع التحول الأخضر، ودمج الاقتصاد غير الرسمي.

كما يجب أن يكون هناك التزام صارم من مؤسسات الدولة بتحسين بيئة الاستثمار، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، وتحقيق شفافية وعدالة في توزيع الفرص الاقتصادية.

بين الرياح العاتية والبوصلة الوطنية

العالم يدخل مرحلة من الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية غير المسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، وفي مثل هذه اللحظات، تتحدد مصائر الدول ليس فقط بحجم أزماتها، بل بقدرتها على اتخاذ قرارات جريئة، وتحويل التحديات إلى فرص.

تقرير صندوق النقد هو جرس إنذار، لكنه أيضًا خريطة طريق، فهل تسمع مصر الجرس؟ وهل تبدأ في السير الحاسم نحو المستقبل.. لا كضحية للعاصفة، بل كمن يقود السفينة بثقة وسط أمواجها؟

Short Url

search