الأربعاء، 24 ديسمبر 2025

01:30 ص

محمد طلعت يكتب: حرب البالة وتأثيرها على 100 مليون مصري

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2025 02:27 م

محمد طلعت

محمد طلعت

في ظاهره، يبدو قرار الجمارك بتحديد 150 كيلوجرامًا من ملابس "البالة" كحد أقصى لاستيراد الشخص الواحد سنويًا مجرد إجراء تنظيمي روتيني مر مرور الكرام على الأغلبية العظمى، لكن في كواليس السوق هذا الرقم ليس مجرد وزن، بل هو شرارة أشعلت فتيل حرب خفية وضخمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

حرب تدور رحاها بين جبهتين لا تلتقيان؛ وهما جبهة مصنعي وتجار الملابس الجاهزة الذين يرون في كل قطعة "بالة" طلقة موجهة لصناعتهم، وجبهة أخرى يقودها تجار الملابس المستعملة الذين يديرون اقتصادًا موازيًا بات الملاذ الوحيد لملايين المواطنين في مواجهة التضخم.

هذا القرار يضعنا أمام تساؤلات حاسمة: مَن الذي ضغط لانتزاع هذا التحديد؟ وهل هذا القرار سيغير ملامح خريطة الاستهلاك والبيع في الفترة القادمة؟ أسئلة مهمة تحتاج لإجابات، خاصة أنها ستؤثر على الخريطة الشرائية لملايين المصريين؛ فلسنوات كانت "البالة" تدخل مصر تحت بند الاستعمال الشخصي عبر الشحن، وهي ثغرة سمحت بمرور أطنان من الملابس دون دفع ضرائب أو رسوم جمركية.

القرار الجديد جاء ليغلق هذا الباب، ولكن رغم ذلك ما زال خبراء السوق ومصنعو الملابس الجاهزة يرون أن الـ 150 كيلو رقم كبير جدًا بالنسبة لاحتياجات شخص واحد، حيث يعادل نحو 500 قطعة ملابس، مما يعني أن "التهريب المقنن" ما زال يجد لنفسه متنفسًا كما يقولون، ولكي نفهم ما يحدث بصورة أشمل، سنذهب لعقل كل طرف ونفهم أسباب هذه الحرب التي تدور رحاها في الخفاء.

أولًا: جبهة تجار الملابس الجاهزة من المصنعين والمستوردين؛ هؤلاء يرون في "البالة" تهديدًا وجوديًا، ومن مصلحتهم تقييدها للأسباب التالية من وجهة نظرهم: أولها المنافسة غير العادلة، حيث يرى أصحاب المصانع أنهم يتحملون تكاليف باهظة من مواد خام وعمالة وتأمينات وضرائب وكهرباء صناعية، بينما تدخل "البالة" بأسعار زهيدة وتكتسح السوق.

ثانيًا: هم يرون في تحجيم وغلق ملف "البالة" حماية للصناعة الوطنية، حيث إن هناك ضغطًا دائمًا على الحكومة لحماية المنتج المحلي من الإغراق بملابس مستعملة قادمة من الخارج، وكان آخرها تصريحات الدكتور محمد عبد السلام، رئيس شعبة الملابس الجاهزة، بأنهم وراء ذلك القرار الذي صدر بعد أن اشتكوا رسميًا للفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النقل والصناعة، من تفشي ظاهرة تجارة "البالة" وسيطرتها على السوق وتحقيقهم خسائر كبيرة في الصناعة التي تساهم بنحو 7% من إجمالي صادرات مصر، حيث وصل إجمالي صادراتها للخارج خلال أول 10 شهور من 2025 لـ 2.8 مليار دولار، أصبحت مهددة بالانهيار إذا استمر التهريب؛ فالقرار الأخير يهدف لتجفيف منابع التهريب عبر الأفراد والجمعيات الخيرية.

تلك هي الصورة لدى تجار الملابس الجاهزة، لكن كيف يرى الطرف الآخر في المعادلة تلك الأمور؟ وهي جبهة تجار "البالة" الذين كلما تتحدث إليهم يكون الرد أن تجارتهم القائمة على "اقتصاد الغلابة" لم تعد تقتصر على الفقراء فقط، بل امتدت لتشمل شريحة ضخمة من الطبقة المتوسطة التي أصبحت تتجه للبالة؛ فالمستهلك يجد في "البالة" ماركات عالمية بخامات ممتازة وسعر يقل عن ربع ثمن المنتج الجديد المحلي.

ويؤكد هؤلاء على أن "البالة" أصبحت هي الملاذ الوحيد لكساء الأسر دون تدمير الميزانية، وذلك هربًا من التضخم مع الارتفاع الجنوني في أسعار الملابس الجاهزة، بالإضافة لذلك توظف تلك التجارة ـ التي أساسها في بورسعيد ووكالة البلح ـ مئات الآلاف من العمال والشباب الذين يعتمدون عليها بشكل كلي، ولذلك إذا وقفت تلك التجارة بتقييد الاستيراد كما يطالب تجار الملابس الجاهزة، سيؤدي ذلك إلى زيادة البطالة بصورة كبيرة.

طيب، هل هما بس الأطراف المتنازعة؟ الإجابة أكيد "لا"؛ لأن في المقابل خبراء الصحة على مدار سنوات بيحذروا من سلاح الجراثيم، وتصريحاتهم إن ملابس "البالة" هي "قمامة أوروبا" التي قد تحمل بكتيريا وفيروسات مسببة لأمراض جلدية وصدرية خطيرة، ورغم كدة يرى أنصار تجارة "البالة" أن الغسل الجيد والكي بالبخار كفيلان بقتل أي ميكروبات تمامًا كما نفعل مع الملابس الجديدة التي يقيسها عشرات الزبائن في المحلات.

من جهتها، تحاول الدولة موازنة الكفة؛ فإذا تركت "البالة" مفتوحة سينهار قطاع الغزل والنسيج المحلي، وإذا منعت "البالة" تمامًا قد تحدث فجوة في احتياجات المواطنين الأساسية لا يستطيع المنتج المحلي سدها بنفس السعر.

هنا يبقى السؤال الأهم الذي أختم به مقالي: هل يستطيع المُصنّع المحلي المثقل بالأعباء والديون أن يوفر بديلًا بنفس الجودة والسعر الذي يرضي المستهلك الذي طحنه التضخم؟ أم أن "حرب الـ 150 كيلو" ستؤدي فقط إلى رفع أسعار "البالة" دون إنعاش مبيعات المحلات الرسمية؟

الأيام القادمة، ومع تطبيق المنشور رقم 10 لعام 2025، ستكشف لنا ما إذا كان "المقص الجمركي" سيحمي الصناعة الوطنية أم أنه سيحرم ملايين المصريين من حقهم في "الستر الأنيق" بسعر مقدور عليه.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search